من الذي يتعرض للضغوطات نتيجة للتقشف؟
بروجيكت سنديكيت
2023-04-17 07:30
بقلم: كريستي براهام
واشنطن العاصمة- عندما أصيب إدموندو والذي يعمل في جمع النفايات في بيرو بكوفيد-19 اضطر إلى الحصول على قرض مصرفي لدفع تكاليف ذهابه للعيادة كما أصيب العديد من زملائه بالمرض مما أضطرهم الى الاستدانة والسعي اليائس للاقتراض وإنفاق مدخراتهم وبيع أراضيهم وممتلكاتهم لدفع تكاليف الرعاية السريرية والأدوية الموصوفة.
ان العمال غير الرسميين مثل ادموندو (لقد تم تغيير اسمه لغايات الخصوصية)- أو ريسيكلادورز وهو الاسم الذي يعرفون به في أمريكا اللاتينية - يقدمون خدمة عامة أساسية عن طريق إعادة تدوير النفايات الصلبة في المناطق الحضرية، ومن مدينة نيويورك إلى بانكوك، يساهم هؤلاء في اقتصاداتهم المحلية وعلى مستوى البلد بالإضافة الى تحسين الصحة العامة وتعزيز الاستدامة البيئية.
ولكن في حين أن العمال غير الرسميين مثل جامعي النفايات يشكلون غالبية القوى العاملة على مستوى العالم، إلا أنهم يفتقدون للتأمين الصحي أو المعاشات التقاعدية أو أي شكل من أشكال الحماية الاجتماعية، وخلال السنوات القليلة الماضية تبخرت مداخيل العديد من هؤلاء العمال بسبب الإغلاقات الناتجة عن كوفيد-19 وما يرتبط بها من اضطرابات في سلسلة التوريد والضغوطات التضخمية. يعاني الكثير منهم ماليًا ويواجهون تهديدات مستمرة لصحتهم وسلامتهم وسبل عيشهم.
إن الطبيعة غير المستقرة للعمل غير الرسمي، إلى جانب ظروف العمل الخطرة في كثير من الأحيان تجعل العمال غير الرسميين معرضين بشكل خاص للمخاطر الصحية، ولكن على الرغم من تعرضهم المتزايد للإصابات والأمراض، فإن العديد من هؤلاء العمال يكافحون من أجل توفير تكاليف الرعاية الصحية الاخذة في الارتفاع، ونظرًا لافتقادهم للتغطية المالية المناسبة، فإنهم غالبًا ما يضطرون إلى الدفع من جيوبهم لتغطية تكاليف زيارات الطبيب والأدوية والسفر إلى العيادات والمستشفيات.
لقد وجدت دراسة استقصائية حديثة عن العاملين في المنازل بكمبوديا أجرتها منظمة العمالة غير الرسمية من النساء: العولمة والتنظيم ومنظمة هوم نيت كمبوديا أن التكاليف الصحية هي السبب الأكثر شيوعًا لاستدانة العمال غير الرسميين. وبالمثل، في ناجالاند بالهند، تبلغ تكلفة الزيارة الواحدة للعيادة ما يعادل ثلاثة أسابيع من الدخل الاعتيادي لعامل منزل حيث اضطر 70٪ من هؤلاء العمال إلى الحصول على قرض من أجل تمويل آخر موعد طبي لهم كما ان هناك نسبة مماثلة من العمال أشاروا الى ان التكاليف الباهظة التي يتوجب عليهم دفعها من جيوبهم اضطرتهم الى تأخير الحصول على الرعاية الصحية التي هم في أمس الحاجة اليها.
ان التطورات الأخيرة في السياسات لا تبعث على الكثير من التفاؤل، فعلى الرغم من الزيادات الأولية في الإنفاق العام خلال المراحل الأولى من الجائحة، أدت الحرب في أوكرانيا والضغوطات التضخمية إلى موجة جديدة من الإجراءات التقشفية. وفقًا لتقرير صدر مؤخرًا عن الشبكة الأوروبية للديون والتنمية، فإن 16 حكومة - سبع في العالم النامي وتسع في البلدان ذات الدخل المرتفع - تدرس حاليًا خفض الإنفاق على الصحة. وبالمثل، فإن من المتوقع أن تخفض معظم البلدان المتوسطة الدخل الإنفاق الحكومي كما ان نحو 90٪ من قروض حقبة الجائحة التي قدمها صندوق النقد الدولي لدول مثل نيبال ونيجيريا كانت مشروطة بتنفيذ اجراءات تقشفية.
إن الموجة الحالية من التقشف تهدد الصحة البدنية والعقلية للعمال الأكثر ضعفًا على مستوى العالم. لقد أظهرت الدراسات أن برامج التكيف الهيكلي لصندوق النقد الدولي قد فاقمت من أشكال عدم المساواة الصحية في جنوب الكرة الأرضية، حيث يعيش غالبية العمال غير الرسميين، ونظرًا الى أن النساء والفتيات اللاتي يمثلن نسبة كبيرة من العمال الفقراء، غالبًا ما يتحملن وطأة هذه الاجراءات، فإن حملة التقشف الحالية لها أيضًا تداعيات بعيدة المدى على المساواة في النوع الاجتماعي.
لكن التقشف ليس ضروريًا أو حتميًا، فمن خلال زيادة الضرائب على الشركات والأثرياء، والتصدي للفساد المالي وإعادة هيكلة الديون السيادية، يمكن للحكومات الاستمرار في تمويل الخدمات العامة الأساسية. لا يوجد سبب يسمح لأولئك الموجودين على قمة الهرم الاقتصادي بجني أرباح قياسية بينما يتحمل من هم في القاع عبء الأزمات الاقتصادية والصحية والاجتماعية.
إن أزمات الصحة والديون التي يعاني منها العمال غير الرسميين متشابكة وتفاقم بعضها البعض، وعلى الرغم من أن الاقتصاد غير الرسمي يمثل في المتوسط 35٪ من الناتج المحلي الإجمالي للبلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل ويمثل غالبية العمالة غير الزراعية في بلدان مثل الهند وتايلاند، إلا أن أولئك الذين يعملون هناك لا يُعترف بهم كأصحاب مصلحة رئيسيين يمكن أن يساعدوا في تحريك التعافي العالمي. علاوة على ذلك، يتجاهل الجدل الحالي المتعلق بالسياسات التهديد الذي تشكله سياسات التقشف على سبل عيش ملايين الناس في جميع أنحاء العالم.
لكن الحقيقة هي أن اقتصاداتنا تعتمد على الرفاه الجماعي لملياري عامل غير رسمي يكافح الكثير منهم تحت وطأة ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية. يجب على القادة السياسيين وصانعي سياسات التنمية معالجة أزمة الديون الصحية بشكل عاجل قبل أن تخرج عن السيطرة علمًا أنه من أجل تحقيق تعافي اقتصادي عالمي عادل، يجب علينا رفض الوعود الكاذبة والنتائج المعيبة للتقشف المالي والاستثمار في رعاية صحية عالية الجودة وبأسعار معقولة ويمكن الوصول إليها لجميع الناس.