الانقسام الديموغرافي الذي يلوح في الأفق بالهند
بروجيكت سنديكيت
2022-12-20 07:10
بقلم: شاشي ثارور
نيودلهي- يبدو ان الهند سوف تنهي عامًا مضطربًا بشكل احتفالي حيث سوف تحتفل بمناسبة مرور 75 عامًا على الاستقلال وبداية رئاستها لمجموعة العشرين. لكن هناك حدث مهم آخر يلوح في الأفق حيث يقدّر خبراء الأمم المتحدة أنه في 14 أبريل 2023 ستتفوق الهند رسميًا على الصين بحيث تصبح الدولة الأكثر تعدادًا للسكان في العالم.
ان هذا ليس بالضرورة سببًا للاحتفال حيث تصل مساحة الصين إلى ما يقرب من 9.6 مليون كيلومتر مربع (3.7 مليون ميل مربع) مقارنة بـمساحة الهند التي تبلغ 3.3 مليون كيلومتر مربع مما يجعل الكثافة السكانية في الهند أعلى بثلاث مرات تقريبًا من الكثافة السكانية في الصين. ومع ذلك وعلى عكس الصين تكافح الهند لإطعام وتعليم ورعاية سكانها البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة وعلى الرغم من معدل النمو المذهل فيها على مدى العقود الثلاثة الماضية.
ينطوي النمو السكاني على فرص وتحديات حيث من المتوقع ان يزيد تعداد سكان الهند خلال العقود الأربعة القادمة ليصل الى حوالي 1،7 مليار نسمة وذلك قبل أن ينخفض الى 1،1 مليار نسمة بحلول سنة 2100، ونظرًا الى الانخفاض في معدلات الوفيات والخصوبة فإن نافذة الفرص المتاحة للهند من أجل استخدام نمو القوى العاملة المنتجة فيها لتعزيز التنمية الاقتصادية هي محدودة للغاية.
لكن الأنماط الإقليمية غير المتكافئة، إذا لم يتم التعامل معها يمكن أن تحول العائد الديموغرافي للهند إلى انقسام ديموغرافي دائم. بينما تستمر الولايات الشمالية في الهند في النمو، استقر النمو السكاني في جنوب الهند بالفعل، وفي بعض الولايات مثل ولاية كيرالا في الجنوب وناغالاند في الشمال الشرقي، بدأ عدد السكان بالفعل في الانكماش، وهذا يعني أن أجزاء من الهند قد تشهد طفرات في عدد المواليد بينما تكافح مناطق أخرى مع شيخوخة السكان.
ومع ذلك فإن التغير المناخي يجعل من الصعب جدًا التنبؤ بالاتجاهات الديموغرافية فالبلاد تشهد أنواء مناخية حادة- أعاصير وموجات حر وجفاف وفيضانات- بشكل متكرر مما يثير القلق، وبينما تفيض بعض الأنهار، يجف البعض الآخر كما يعاني الملايين في طول شبه القارة الهندية وعرضها بالفعل من ندرة المياه، مما يؤدي إلى نزوح جماعي وهجرة من مناطق غير صالحة للسكن حيث ينتج عن ذلك تفاقم الانقسام الإقليمي.
قد تكون التداعيات السياسية لهذه الاتجاهات أكثر شمولية فلقد نما عدد سكان الهند من 350 مليون إلى أكثر من مليار بين عامي 1947 و 1997، حيث كانت الولايات الشمالية الأكثر فقراً والأقل تعليماً والتي تتحدث اللغة الهندية إلى حد كبير مسؤولة عن جزء كبير من تلك الزيادة، في حين أن الولايات الجنوبية قلصت عدد السكان بشكل أكثر فعالية بسبب التنمية البشرية وسياسات التعليم الأفضل، وبينما العائلات الشمالية لديها 6-7 أطفال في المتوسط لعقود من الزمن، انخفض متوسط الهنود الجنوبيين بسرعة ليصل إلى طفلين لكل أسرة.
نظرًا إلى أن الهند دولة ديمقراطية، كان يجب أن يكون لدى الشمال الأكثر تعدادًا للسكان عدد أكبر من المقاعد البرلمانية وبالتالي قوة سياسية أكبر. لكن في عام 1976 وحرصًا على عدم مكافأة عدم القدرة على الحد من عدد السكان من خلال المزيد من التأثير السياسي، جمدت رئيسة الوزراء إنديرا غاندي التمثيل البرلماني ليبقى على مستوى التعداد السكاني لسنة1971. لقد كان من المفترض أن تنتهي صلاحية التعديل الدستوري الذي سمح بالتجميد بعد 25 عامًا لكن رئيس الوزراء أتال بيهاري فاجبايي جدده لمدة ربع قرن آخر.
ونتيجة لذلك، يمثل بعض نواب الجنوب أقل من مليوني ناخب بينما يمثل بعض نواب الشمال ما يصل إلى 2.9 مليون. يبدو أن حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم الذي يتزعمه رئيس الوزراء ناريندرا مودي والذي يحظى بتأييد ساحق من الناخبين في المناطق الشمالية الهندوسية الناطقة بالهندية مصمم على إنهاء هذه الحالة الشاذة واستعادة التمثيل المتكافئ عندما ينتهي التعديل مرة أخرى في سنة 2026.
في حين أن هذا السيناريو سيجعل البرلمان الهندي أكثر تمثيلا، إلا أنه سيمنح الولايات الشمالية أيضًا أغلبية الثلثين، مما يمكّن حزب بهاراتيا جاناتا من تعديل الدستور متى شاء وبدون مراعاة لرغبات الولايات الجنوبية. ستكون حكومة مودي قادرة على تبني سياسات قومية قد تجدها الولايات الأقل تعدادًا للسكان غير مستساغة أو تمييزية مما يهدد الوحدة الوطنية في الهند التي تم تحقيقها بشق الأنفس.
أما اليوم فنجد أن ولايتين شماليتين فقط بيهار وأوتار براديش مسؤولتان عن الجزء الأكبر من الزيادة السكانية في الهند، وبتعداد يصل الى 220 مليون نسمة فإن ولاية أوتار براديش كانت ستصبح خامس أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان لو كانت مستقلة. إن هذه الولايات والتي لديها بالفعل تأثير أكبر من اللازم على السياسة الهندية من المرجح أن تكتسب المزيد من القوة مع نمو سكانها خلال العقد المقبل.
ان الجهل بتنظيم النسل وفوائد العائلات الأصغر حجمًا في الشمال الأقل تعليمًا هو في الغالب العامل الرئيسي وراء النمو السكاني غير المتساوي في الهند فبينما نجحت الولايات الجنوبية بالفعل في تحقيق تغييرات كبيرة وهذا يعود جزئيًا الى مستويات تعليمية أفضل بين النساء، ما تزال معرفة القراءة والكتابة بين نساء الشمال أقل بكثير من المعدل العام على مستوى الهند وبينما زاد عدد سكان بيهار بنسبة 25،4% بين سنة 2001 وسنة 2011، زاد عدد سكان ولاية كيرالا بنسبة 4،9% فقط. لقد تم تأجيل التعداد السكاني سنة 2021 بسبب جائحة كوفيد-19 ولكن من المرجح ان هذه الفجوة قد اتسعت خلال الإحدى عشرة سنة الماضية.
في غضون ذلك، لم يتعاف سوق العمل في الهند تمامًا من الجائحة، ووفقًا لمركز مراقبة الاقتصاد الهندي، انخفض التوظيف في الهند من 408.9 مليون في 2019-2020 إلى 387.2 مليون في 2020-2021 مع ارتفاع معدل البطالة خلال العام الأول من الأزمة، وبينما تعافى التوظيف منذ ذلك الحين، إلا أن الوظائف انخفضت بمقدار 4.5 مليون وظيفة مقارنة بما كان عليه الحال قبل الجائحة.
إن الزيادة الحادة في البطالة بين الشباب تبعث على القلق بشكل خاص. لقد ارتفع معدل البطالة للهنود الذين تتراوح أعمارهم بين 19 و 25 عامًا إلى 23 ٪ على المستوى الوطني وليصل إلى 40 ٪ في ولايتي كيرالا وكشمير كما تراجعت خلال السنوات القليلة الماضية مشاركة الإناث في القوى العاملة والتي كانت في السابق متوافقة مع الاتجاهات العالمية. أما على طرف النقيض فلقد شهد جنوب الهند انتشارًا للمنشآت المخصصة للمساعدة على العيش حيث لا يوجد لدى العديد من الآباء المسنين من يعتني بهم بعد أن هاجر ابناءهم بحثًا عن فرص عمل أفضل.
بدلاً من بدء عام 2023 بنفس تفاؤلي، تكافح الهند مع تفاقم الانقسام بين الشمال والجنوب والتمدن غير المنضبط ونقص المياه وندرة الموارد وشيخوخة السكان في بعض المناطق وتزايد بطالة الشباب في مناطق أخرى. إن النمو المذهل والتطور الاقتصادي في الهند يعطينا سببًا للأمل وقد أثبت الهنود أنهم يتمتعون بالمرونة وبالقدرة على إيجاد الحلول في الأوقات العصيبة، ولكن لاغتنام الفرص التي يتيحها التحول الديموغرافي الذي يلوح في الأفق، يجب على الهند الإقرار بهذه الاتجاهات ومعالجتها، وخلاف ذلك فإن ما بدا وكأنه عائد يمكن أن يؤدي الى وقوع كارثة.