مدن العالم وسباق التنمية صوب الرفاهية
عبد الامير رويح
2015-08-27 04:54
ما زالت العديد من مدن العالم تحظى باهتمام خاص من قبل العديد من المؤسسات ووسائل الاعلام، التي تسعى بشكل دائم الى ابراز بعض السمات والميزات المهمة للمدن العالمية، التي دخلت اليوم في ميدان المنافسة من اجل الفوز بالشهرة العالمية او الحصول على مراكز متقدمة في قوائم افضل مدن العالم من حيث الجمال والتطور وغيرها من الميزات الاخرى، التي قد تجعل منها مراكز جذب سياحية او اقتصادية كما يقول الخبراء، الذين اكدوا على ان التقارير والدراسات الخاصة بتقييم المدن تعتمد على اسس واعتبارات كثيرة منها الاستقرار الاجتماعي والسياسي ومعدل الجريمة والحصول على الخدمات الصحية الجيدة والحياة الثقافية والبيئة والمدارس والبنى التحتية، يضاف الى ذلك الامور والاخبار الاخرى التي قد لا تخلوا من الغرابة.
وكما تنقل بعض المصادر فقد اظهر تصنيف عالمي شمل 140 مدينة نشرته نتائجه الشركة البريطانية "ذي ايكونوميست انتليدجنس يونيت". ان مدينة ملبورن الاسترالية التي تصدرت المرتبة الاولى هي افضل مدينة للعيش في العالم بينما احتلت مدينة دمشق المرتبة الاخيرة في التصنيف.
واوضح جون كوبستايك المكلف هذه الدراسة ان "التهديدات على الامن الشخصي سواء بسبب الجريمة او الاضطرابات او النزاعات لها تأثير سلبي على الجوانب الاخرى لنوعية الحياة" ذاكرا النزاع في اوكرانيا والهجمات الارهابية في باريس والتقشف في اليونان. وقد سجلت كييف جراء ذلك اكبر تراجع في التصنيف مقارنة بالعام الماضي وحلت في المرتبة الثانية والثلاثين بعد المئة اي بين أسوأ عشر مدن في العالم من حيث نوعية الحياة.
وتراجعت العاصمة الفرنسية من المرتبة العشرين الى التاسعة والعشرين بسبب الاعتداء على مجلة شارلي ايبدو. اما اثينا التي حلت في المركز الثاني والسبعين فهي المدينة الوحيدة من اوروبا الغربية التي لا تحتل مرتبة في الثلث الاول من التصنيف. وقد حلت في صدارة الترتيب للسنة الخامسة على التوالي مدينة ملبورن الاسترالية تلتها فيينا ففانكوفر في كندا.
واوضحت الدراسة ان "المدن التي تسجل افضل النتائج هي بشكل عام مدن متوسطة الحجم في دول غنية مع كثافة سكانية قليلة". واشارت الدراسة الى ان "نيويورك (55) ولندن (53) وباريس (29) وطوكيو (15) كلها مراكز عريقة فيها الكثير من النشاطات الترفيهية الا انها تعاني جميعها من مستوى عال من الجريمة والاكتظاظ ومشاكل في النقل المشترك". وقد حلت في اسفل الترتيب دمشق عاصمة سوريا التي تشهد حربا منذ اكثر من اربع سنوات. واشارت الدراسة الى ان "النزاعات مسؤولة عن الكثير من النتائج السيئة" مع حلول ليبيا ونيجيريا وهما بلدان يعانيان من نشاطات جماعات مسلحة، في المرتبة 136 و137 على التوالي.
لواندا وهونغ كونغ وزوريخ
من جانب اخر تتربع مدن لواندا (عاصمة أنغولا) وهونغ كونغ وزوريخ السويسرية على رأس قائمة أغلى المدن في العالم للمقيمين الأجانب فيها، كما أظهر التقرير السنوي لشركة "مرسر" الأمريكية. وللسنة الثالثة على التوالي، حلت لواندا في المرتبة الأولى في قائمة أغلى المدن في العالم، ويفسر ذلك بارتفاع أسعار السلع المستوردة من جهة، والتكاليف التي يتكبدها الأجانب لتأمين حمايتهم من جهة أخرى.
وتتخذ هذه الدراسة من مدينة نيويورك نقطة ارتكاز، وتقارن 207 مدن بها، من خلال معايير عدة، مثل تكاليف النقل والطعام واللباس والسكن. وتتابع الحكومات باهتمام التقارير السنوية الصادرة عن "مرسر" وكذلك شركات التأمين التي تعتمد عليها لتقييم المخصصات المدفوعة لموظفيهم العاملين في الخارج. وحلت خمس مدن آسيوية في المراتب العشر الأولى، هي هونغ كونغ في المرتبة الثانية، وسنغافورة في المرتبة الرابعة، وشنغهاي في المرتبة السادسة، تليها بكين وسيول. وأوضحت الباحثة في "مرسر"، ناتالي كونستانتين ميترال، أن المدن الصينية تقدمت في الترتيب بسبب ارتفاع سعر صرف اليوان، وارتفاع أسعار السلع والخدمات على المقيمين الأجانب. بحسب فرانس برس.
وحلت ثلاث مدن سويسرية في المراتب العشر الأولى، زوريخ في المرتبة الثالثة، وجنيف في المرتبة الخامسة، وبرن في التاسعة، وذلك بسبب ارتفاع سعر صرف الفرنك السويسري في مقابل اليورو بشكل أساسي. بالمقابل، أدى انخفاض قيمة اليورو أمام الدولار إلى تدهور ترتيب معظم مدن الاتحاد الأوروبي، مثل باريس التي تراجعت من المرتبة 16 إلى 46، وفيينا من المرتبة 24 إلى 56، وروما من المرتبة 28 إلى 59. أما لندن فحافظت على موقعها في المرتبة 12. وارتفع ترتيب معظم المدن الأمريكية، فيما حافظت نيويورك على المركز السادس عشر. أما المدن الأرخص على المقيمين الأجانب فيها، فهي بشكيك في قرغيزستان (المرتبة 207)، وويندهوك في ناميبيا (206)، وكراتشي في باكستان (205).
لندن
في السياق ذاته يعيش في العاصمة البريطانية لندن حوالي 4 آلاف و300 ألف من الأشخاص فائقي الثراء. وانتعشت المدينة بقوة بعد الإنهيار المالي في العام 2008، واعتبرت نقطة ساخنة للمستثمرين الأجانب الذين يتطلعون للحصول على مكان مستقر لاستثمار أموالهم، ما أدى إلى زيادة الأسعار وحرمان السكان المحليين من العيش في منازل العاصمة البريطانية. وإذا كان لديك شغف بالحلويات، والتسوق، وتقليم الأظافر، كل هذه وغيرها من الكماليات يمكن الحصول عليها من خلال السكن في شوارع راقية في لندن، من بينها حي إزلينغتون الأنيق في شمال لندن حيث يقطن الأثرياء في مباني فرنسية تدعى "جورجين".
أما الأشخاص الذين يسكنون في منطقة "تشارلز ديكنز" المشهورة بقربها من الأحياء في وسط المدينة، فليسوا بحاجة إلى استخدام المواصلات العامة للتنقل. ورغم أن هذه المنطقة تتمتع بالكثير من الميزات، إلا أن أسعارها تعتبر مرتفعة. ويبلغ متوسط سعر الشقة المؤلفة من غرفتين حوالي مليون دولار، وقد يتجاوز السعر ما قيمته المليونين دولار وفقاً لوكلاء العقارات في شركة "فوكستون." ويُذكر، أن منطقة إزلينغتون تاريخياً اعتبرت مكاناً مثالياً للمثقفين والصحافيين والسياسيين، ولكن تستقطب المنطقة حالياً الكثير من الاستثمارات الغربية.
وتُعد لندن التي تتنافس مع مدينة نيويورك الأمريكية عاصمة غير رسمية للعولمة، بعد ثقافة الانفتاح التي تحولت بعد الاستعمار إلى قوة في السوق الاقتصادية والثقافية في جميع أنحاء العالم. وأشارت أستاذة الجغرافيا البشرية والتطور في جامعة "ليستر" البريطانية لوريتا ليز إلى أن تطهير جماعي واجتماعي يحصل للفقراء في لندن، ما يؤدي إلى تهجيرهم من المدينة، مشددة على ضرورة العمل على مزج السكان من الطبقات الفقيرة والمتوسطة والغنية، حتى لا تبقى العاصمة حكراً على الأغنياء فقط.
أما حي سوهو في لندن فيشتهر بحياته الليلية الصاخبة، ما جعله محطة هامة للسياحة والتسوق في قلب العاصمة في شارع أوكسفورد المشهور. واحتج البعض بسبب إغلاق الملهى الليلي الأسطوري "مدام جوجو"، والذي يعود تاريخه إلى الخمسينيات من القرن الماضي، وذلك لإفساح المجال لإعادة تطوير عقارات تبلغ قيمتها عدة ملايين من الدولارات. ودفع تصاعد أسعار العقارات إلى جعل الشقق السكنية بعيداً عن متناول الكثيرين، ما ترك شعوراً كبيراً بالاستياء. ووصف البعض الوضع بشديد السوء. بحسب CNN.
ووفقاً لموقع " Rightmove.co.uk" فإن معدل الإيجارات خلال العشر سنوات الأخيرة، في لندن الكبرى وهي منطقة إدارية ومقاطعة رسمية، ارتفعت مرتين أكثر من 415 ألف دولار إلى 849 ألف دولار. وقالت ليز: "نحن نتحدث عن عشرة آلاف شخص نزحوا من لندن منذ العام 2000." وتوجه الكثير منهم إلى البلدات على طول الساحل الجنوبي لبريطانيا، أو على بعد مئات الأميال من شمال البلاد.
جيبوتي
على صعيد متصل تطمح جيبوتي التي طالما اعتبرتها القوى العظمى مركزا عسكريا متقدما، الى استثمار موقعها الاستراتيجي عند مدخل عدن لتصبح مركزا تجاريا في افريقيا الشرقية. وقد انطلق هذا البلد الصغير الواقع في منطقة القرن الافريقي بمحاذاة احد الممرات البحرية الاكثر استخداما في العالم بين المحيط الهندي وقناة السويس، في مشاريع بنى تحتية ضخمة.
فعلى ساحل قاحل على بعد بضعة كيلومترات من المرفأ التاريخي للمدينة حيث ترسو بوارج حربية وسفن شحن اضافة الى قوارب صيادي الاسماك، ينهمك عمال صينيون لبناء رصيف جديد مخصص كليا لحاملات الحاويات الاتية من آسيا. وهذا الرصيف هو الاول من سلسلة ستة موانىء جديدة متخصصة (للمعادن، المواشي، النفط والغاز) سترى النور في جيبوتي لتضاف الى المرفأين الموجودين اصلا.
وقال سليمان احمد المكلف التعامل مع الزبائن في ميناء دورالي المخصص للحاويات "ان هناك خطوطا بحرية تهتم اكثر فاكثر بجيبوتي ونحن بصدد اتباع طريق دبي وحتى سنغافورة". فحركة الذهاب والاياب لسفن الشحن في تزايد مستمر بنسبة تتراوح بين 6 و10% سنويا. واضاف احمد "ان مومباسا (كينيا) تشهد ازدحاما خانقا واريتريا ليست بلدا مضيافا فيما تعد جيبوتي مكانا استراتيجيا وآمنا ونحن نعول على ذلك".
فهذه الجزيرة الصغيرة تقع في منطقة مضطربة، يحكمها بيد من حديد الرئيس اسماعيل عمر غيله. وتضم المستعمرة الفرنسية السابقة قواعد عسكرية اجنبية عدة -- فرنسية، اميركية، يابانية -- تستخدم لمكافحة القرصنة في خليج عدن او لعمليات ضد الاسلاميين في الصومال واليمن. وفي وقت سابق اكد الرئيس غيله ان محادثات تجري ايضا لاقامة قاعدة صينية.
لكن جيبوتي باتت عازمة ايضا على فرض نفسها كنقطة عبور اقتصادية مميزة بين آسيا وافريقيا. واوضح ابوبكر عمر هادي رئيس سلطة الموانىء والمناطق الحرة في جيبوتي وهو يدل بيده الى خارطة لافريقيا معلقة على حائط مكتبه "من مصر الى جنوب افريقيا لا يعد الساحل الشرقي لافريقيا سوى تسعة بلدان ساحلية. وهذا الموقع الجغرافي جعل عشر دول جيوبا محصورة لا منفذ لها على البحر وتعد اربعمئة مليون نسمة. وهؤلاء هم الذين نريد خدمتهم".
وفي الوقت الحاضر تؤمن موانىء جيبوتي بشكل رئيسي خطوط مواصلات مع اثيوبيا ومستهلكيها المقدر عددهم بتسعين مليون نسمة. لكنها تطمح لتغطية كامل القارة. وفضلا عن تنميتها المرفأية تريد جمهورية جيبوتي اضافة مطارين جديدين وسكك حديد ومناطق صناعية. وفي اطار هذه الخطة الانمائية سيحل مكان مطار امبولي الصغير حيث تتقاسم طائرات الميراج الفرنسية المدرج الوحيد مع الطائرات المدنية، مطار دولي بقدرة استيعابية ل 1,5 مليون مسافر سنويا على بعد 25 كلم من العاصمة جيبوتي.
وتنمية حركة العبور جوا وبحرا سيسمح بتقليص مدة شحن حاوية بين شنغهاي (الصين) وابوجا (نيجيريا) من 75 يوما حاليا الى 20 يوما. وفي الاجمال هناك 14 مشروعا في البنى التحتية في جيبوتي تقدر كلفتها ب14,4 مليار دولار ممولة بشكل رئيسي من مصارف صينية. وهي استثمارات عملاقة قد تصل الى حد المغالاة بالنسبة لبلد يقل تعداده السكاني عن مليون نسمة.
وقال النائب المعارض الجيبوتي دواله اغه اوفله (ائتلاف الاتحاد من اجل الانقاذ الوطني) غاضبا "لم تجر اي دراسة للسوق كما لم يستشر البرلمان مطلقا"، معبرا عن قلقه من المخاطرة المالية التي تمثلها هذه المشاريع لجيبوتي. واضاف "عندما كنا نحصل على القروض من البنك الدولي ومؤسسات غربية كانت هناك بعض المراقبة. والان مع الصينيين نحصل على كل القروض الممكنة، لكافة المشاريع، بدون اي رقابة"، متوقعا وضع يد الصين على هذه البنى التحتية الجديدة ان لم تتمكن جيبوتي من تسديد ديونها. بحسب فرانس برس.
لكن الحكومة الجيبوتية تراهن من جهتها على النمو الاقتصادي الافريقي لتأمين ربحية هذه الاستثمارات. ولفت ابوبكر عمر هادي الى انه "قبل دبي وسنغافورة وهونغ كونغ كانت المراكز الاقتصادية والبحرية في المنطقة تتمثل بعدن وجيبوتي". واشار الى الفترة قبل ازمة السويس التي كانت فيها جيبوتي محطة الزامية لسفن شحن البضائع. وقال "للاسف لقد تقهقرنا. لكننا نعلم ما يتوجب فعله لاستعادة مكانتنا".
برشلونة
من جانب اخر تساهم السياحة في 14 % من عائدات برشلونة لكن السياح البالغ عددهم ثلاثين مليونا الذين يزورونها كل سنة يصعبون مهمة رئيسة بلديتها آدا كولاو التي تبذل قصارى جهدها للتوفيق بين متطلبات السياحة والحفاظ على روح المدينة. فقد علقت لافتات كتب عليها "أيها السياح عودوا إلى دياركم" في الأحياء الأكثر استقطابا للزوار في هذه المدينة التي يعيش 1,6 مليون نسمة فيها والتي بات يصعب عليها استيعاب التدفق الكبير للزوار الذين ما كانوا يتوافدون بهذه الأعداد قبل دورة الألعاب الأولمبية للعام 1992.
وأصبحت اليوم هذه المدينة الواقعة على ضفاف البحر الأبيض المتوسط في المرتبة الثالثة على قائمة اكثر مدن اوروبا استقطابا للسياح بعد لندن وباريس، وفق دراسة أجرتها مجموعة "ماستركارد" في العام 2013. ويزداد السياح في الصيف وهم يحتشدون في شوارع الحي القديم العائد إلى القرون الوسطى ويقفون في طوابير طويلة جدا أمام العمارات التي صممها المهندس المعماري الشهير أنتوني غاودي.
وصرح فرانسيس مونيوز الأستاذ المحاضر في الجغرافيا في جامعة برشلونة المستقلة أن المدينة "باتت اليوم عند مفترق طرق. وإذا بقيت الأمور على هذا المنوال، فهي ستصبح مثل البندقية في خلال 30 إلى 40 عاما، أي مدينة مخصصة بالكامل للسياحة". ففي جادة لاس رامبلاس الشهيرة التي كانت في الماضي ملتقى سكان المدينة، راحت محلات التذكارات ومتاجر الموضة ومطاعم الواجبات السريعة تزدهر مع مر السنين.
وقالت كارولينا باييس التي تعمل في أقدم محل لبيع الورود في هذه الجادة فتح سنة 1888 "تفقد المدينة روحها، فبيع التذكارات أخذ محل بيع الزهور اليوم". وقال خافيير ألونسو الذي يبيع السمك في سوق لا بوكيريا الشعبية التي شهدت انخفاضا بنسبة 50 % في ايراداتها خلال السنوات الخمس الأخيرة ان "الزبائن التقليديين ما عادوا يأتون لأنه ما من مكان للمشي أو جر عربات التبضع".
وتحاول رئيسة البلدية آدا كولاو أن تجعل حياة السكان تتماشى مع متطلبات السياحة التي توفر 120 ألف فرصة عمل. لكن من الصعب المواءمة بين التوجهين، لا سيما في ظل احتجاجات سكان حي لا برثلونيتا الشعبي الواقع بين الشاطئ والمرفأ. فهم قد ضاقوا ذرعا بتصرفات السياح الشباب. وقال فرانسيس لوبيز الخبير في القطاع السياحي إن "الطفرة السياحية كانت عملية جد سريعة جرت في خلال 25 عاما ولم تستوعبها المدينة بطريقة جيدة، ما أثار نوعا من الرهاب إزاء السياح"، مضيفا أن تجاوب البلدية مع هذه الطفرة لم يكن كافيا حتى الآن.
ومن أول التدابير التي أعلنت عنها رئيسة البلدية تجميد منح رخص فندقية جديدة لمدة سنة. وتضم برشلونة 600 فندق مع 74 ألف غرفة وحوالى 9600 شقة سياحية تم التصريح عنها، فضلا عن تلك التي تؤجر بطرق غير شرعية. وبينت دراسة أجراها اتحاد "إكسلتور" للفنادق أن عدد الشقق التي تقدم عبر منصات إلكترونية مثل "اير بي اند بي" يتخطى 137 ألفا. ويعتبر الكثيرون أن مواقع من هذا القبيل هي المصدر الرئيسي للتخمة السياحية. بحسب فرانس برس.
ويبدو أن المفاوضات المتمحورة على تخفيف العبء الملقى على الأحياء المتخمة ستكون طويلة، لكن لا غنى عنها. وختم فرانسيس لوبيز قائلا إن "برشلونة هي وجهة سياحية عالمية حاليا، لكن في حال استمرار هذه المشكلات، فقد تشوه صورتها ويؤدي ذلك في آخر الأمر الى الاضرار بالسياحة".
باريس
الى جانب ذلك سحبت بلدية باريس مئات الاف "اقفال الحب" المعلقة على جسر "بون ديزار "الشهير الذي سقط جزء من سياجه العام الماضي تحت ثقلها. وجسر "بون ديزار" المقام فوق نهر السين يتمتع باحد اجمل المناظر في العاصمة الفرنسية وهو بات معروفا في العالم باسره ب"اقفال الحب" التي يضعها العشاق على طول سياجه قبل ان يرموا المفتاح في مياه النهر. الا ان جزءا من سياج الجسر انهار العام الماضي من دون ان يتسبب بوقوع ضحايا جراء ثقل الاقفال الحديد.
وقررت بلدية باريس سحب الاقفال "لانها تؤدي الى الحاق ضرر بتراث المدينة وبسبب الخطر على سلامة الزوار". واوضح برونو جوليار المساعد الاول لرئيسة بلدية باريس "سنسحب حوالى مليون قفل يبلغ وزنها الاجمالي 45 طنا" منددا بهذه "البشاعة". واضاف ان البلدية ستعمد في مرحلة اولى الى استبدال السياج والالواح الخشبية "باعمال لفنانين عدة" قبل "وضع الواح زجاجية" اعتبارا من الخريف المقبل.
وقال جان (57 عاما) الذي يتنزه متأبطا ذراع ماريون (42 عاما) شريكة حياته، "هذا امر سخيف ومؤسف". واضاف هذا السائح الذي اتى من جنوب فرنسا "وضع قفل كعربون حب على الجسر، هنا في باريس مدينة العشاق له رمزية كبرى". واقترح غييرمو الارجنتيني البالغ 33 عاما الذي يستعد لوضع قفل املا بالزواج من صديقته الجديدة "يمكن جمع كل هذه الاقفال وتحويلها الى تمثال او نصب". وقال فينسان جوانو الدليل الذي يرافق اربعة ازواج فيليبنيين، مازحا "سآخذ مجموعات السياح المقبلين الى جسر بون نوف" على بعد عشرات الامتار لوضع اقفالهم "حول تمثال الملك هنري التاسع".
الا ان بلدية باريس احتاطت لهذا السيناريو. وقال برونو جوليار "سنتخذ الاجراءات نفسها عند جسر بون دو لارشوفيشيه" وراء كاتدرائية نوترودام وهو موقع اخر يستهدفه الازواج ايضا. وقال عضو البلدية المنتخب "نرغب ان تبقى باريس عاصمة الحب والرومنسية" كاشفا عن حملة توعية مقبلة تدعو العشاق الى التعبير عن حبهم بطريقة مختلفة من خلال التقاط صور "سيلفي" على سبيل المثال. بحسب فرانس برس.
وقد انتقلت عدوى "اقفال الحب" الى عواصم اخرى مثل روما وبرلين مرورا بموسكو واتخذت اشكالا قصوى في الكثير من المدن الاوروبية في ظاهرة تسمح بها السلطات بنسب متفاوتة. ويبدو ان تقليد الاقفال التي ترمز الى الحب الابدي انطلق في روما من خلال روايتين عاطفيتين لفيديريكو موتشا بعنوان "ثلاثة امتار فوق السماء" (1992) والجزء الثاني المكمل لها "اريدك" (2006). وفي الجزء الاخير يعلق بطل وبطلة الرواية قفلا يحمل اسميهما على جسر "بونتي ميلفيو" قرب روما ويتبادلان قبلة ويرميان المفتاح في مياه نهر تيفيري. وقد تحول الامر الى ظاهرة عالمية مع وضع اقفال حب في مدن كثيرة من مراكش في المغرب وصولا الى الصين حتى.