العنف وتباطؤ النمو يفاقمان فجوة الفقر العالمي

إيهاب علي النواب

2019-02-12 06:16

لايزال الفقر الهاجس الذي يطارد حكومات العالم أجمع، والتي تسعى دائما للحيلولة الى عدم تفاقمه، ولكن يبدو انه مع كل هذا النمو الذي يحصل هناك ضحايا من شرائح محددة دائماً له يزداد فقرهم وعوزهم كنتيجة عكسية لهذا النمو وهذا مايجعل هذه الدول قلقة بشأن المعالجة المناسبة لانتشال الفقر من مجتمعاتها، سيما في دول آسيا وافريقيا، فعلى الرغم من نجاح العديد من هذه الدول في زحزحة فجوة الفقر الا انه لاتزال توجه مسألة التفاوت في الدخول والثروات بين افراد المجتمع.

تفاقم الفجوة بين الأغنياء والفقراء عالمياً

كشف تقرير، أعده أكثر من مئة باحث من 70 دولة يقارن توزيع الثروات على المستوى العالمي وتطوره، أن التفاوت الاجتماعي والفقر تزايدا في العالم بشكل كبير منذ ثمانينات القرن الماضي. وأوضح الباحثون أن الظاهرة تطورت بسرعات مختلفة، إلا أن الولايات المتحدة والصين وروسيا شهدت ارتفاعا كبيرا لهذا التفاوت. واعتبر معدو التقرير أن السياسات المعتمدة في دول الاتحاد الأوروبي هي الأفضل. وأعد مجموعة من الخبراء الاقتصاديين تقريرا تناول التفاوت الاجتماعي في العالم كاشفين عن تزايد كبير منذ ثمانينات القرن الماضي وارتفاع نسبة الفقر خصوصا في الولايات المتحدة محذرين من احتمال تفاقم هذه الظاهرة بحلول العام 2050.

واعتبر معدو التقرير أيضا وهم أكثر من مئة باحث من 70 دولة أن السياسات المعتمدة في دول الاتحاد الأوروبي هي الأفضل لخفض التفاوت في الثراء بين المواطنين. وأكد "التقرير حول التفاوت الاجتماعي في العالم" الذي يقارن بشكل غير مسبوق توزيع الثروات على المستوى العالمي وتطوره منذ حوالي أربعة عقود، أنه من أوروبا وصولا إلى أفريقيا وآسيا أو القارة الأمريكية "تزايد التفاوت في كل مناطق العالم تقريبا". وأوضح الباحثون أن هذه الظاهرة تطورت "بوتيرة مختلفة" بحسب المناطق وأشاروا إلى ارتفاع كبير للتفاوت في الولايات المتحدة لكن أيضا في الصين وروسيا، الدولتان اللتان اعتمدتا أنظمة اقتصادية ليبرالية خلال التسعينيات.

وبحسب التقرير الذي أشرف عليه خصوصا لوكا شانسيل من معهد باريس للاقتصاد وتوماس بيكيتي مؤلف الكتاب الشهير "الرأسمال في القرن الحادي والعشرين"، فإن حصة العائدات الوطنية التي يراكمها 10% من دافعي الضرائب الأكثر ثراء ارتفعت من 21% إلى 46% في روسيا ومن 27% إلى 41% في الصين بين 1980 و2016. في الولايات المتحدة وكندا، انتقلت هذه النسبة من 34% إلى 47% فيما شهدت أوروبا ارتفاعا "أكثر اعتدالا" (من33% إلى 37%). وأوضح التقرير "في الشرق الأوسط ودول أفريقيا جنوب الصحراء والبرازيل بقي التفاوت في الثراء مستقرا بشكل نسبي" لكن على مستويات مرتفعة جدا.

اما في العام 2016، كانت المناطق والدول التي تشهد أكبر معدلات التفاوت هي البرازيل (55% من العائدات الوطنية يملكها 1% الأكثر ثراء) والهند (55%) والشرق الأوسط (61%). في هذه المنطقة "لا يزال يتم التقليل من شأن التفاوت الاجتماعي" بحسب التقرير الذي يتحدث عن تناقض بين الإحصاءات الرسمية في دول الخليج "وبعض جوانب سياستها الاقتصادية مثل اللجوء المتزايد إلى عمال أجانب بأجر متدني". وفيما يتعلق بمسار تطوره، بلغ الاختلاف في التفاوت "حدا أقصى بين أوروبا الغربية والولايات المتحدة اللتين سجلتا مستويات تفاوت متقاربة في فترة الثمانينات لكن الأوضاع فيهما اليوم مختلفة تماما" بحسب الوثيقة.

وفي العام 1980 كانت حصة العائدات الوطنية التي يملكها 50% من دافعي الضرائب الأكثر فقرا متماثلة في المنطقتين تقريبا: 24% في أوروبا الغربية و21% في الولايات المتحدة. ومنذ ذلك الحين استقرت هذه النسبة على 22% في الجانب الأوروبي فيما تراجعت إلى 13% في الولايات المتحدة. وفسر توماس بيكيتي هذه الظاهرة "بانهيار الأجور الأكثر تدنيا" في الولايات المتحدة لكن أيضا "بتفاوت كبير في مجال التعليم ونظام ضريبي غير تقدمي" في هذا البلد. وأضاف "هذا يثبت أن سياسات الدولة لها أثر قوي على التفاوت". والضحية الأولى لهذه الدينامية بحسب التقرير الذي يستند إلى 175 مليون بيان ضريبي وإحصائي، هي "الطبقة الوسطى في العالم". وبين 1980 و2016 فإن الـ1% الأكثر ثراء كانوا يستحوذون على 27% من النمو العالمي. أما الـ50% الأكثر فقرا فكانت حصتهم 12% فقط من الثروات المنتجة لكن دخلهم ارتفع بشكل كبير. لكن الأمر لم يكن مماثلا بالنسبة لمن هم بين هاتين الفئتين والذين نما مدخولهم بصورة ضعيفة.

وحذر الباحثون من أن التفاوت سيتزايد بشكل إضافي في حال اتبعت كل الدول النهج الساري في الولايات المتحدة لكنه سيتراجع بشكل طفيف في حال اتبع مسار الاتحاد الأوروبي. وخلص بيكيتي إلى ان "هناك هامش مناورة، كل شيء رهن بالخيارات التي تعتمد" معتبرا أنه من الضروري إجراء نقاش عام حول هذه المسائل.

مكافحة الفقر المدقع تواجه تحديات في أفريقيا وآسيا

أعلن البنك الدولي عن تراجع نسبة الذين يعيشون في فقر مدقع حول العالم، لكن هذا التراجع يحدث بوتيرة بطيئة مع ازدياد التحديات في بلدان جنوب الصحراء الافريقية. ويثير هذا التباطؤ في التراجع والنجاح المتفاوت في مكافحة الفقر مخاوف مع تركّز وجود السكان الأكثر فقرا في منطقة أفريقية عرضة للنزاعات وتأثيرات الاحتباس الحراري، وفق التقرير السنوي للبنك الدولي. وذكرت المؤسسة الدولية التي تعنى بالاقراض من أجل التنمية أن نسبة الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع تراجعت الى مستوى منخفض جديد عند 10 بالمئة عام 2015، وهي آخر سنة تتوفر فيها البيانات، بعد أن كانت 11 بالمئة عام 2013، ما يعكس التقدم الثابت لكن البطيء في العالم.

كما تراجع عدد الاشخاص الذين يعيشون بأقل من 1,09 دولار في اليوم، وهي عتبة الفقر المدقع، من 1,9 مليار عام 1990 الى 736 مليون شخص عام 2015. بينما افاد رئيس مجموعة البنك الدولي جيم يونغ كيم "خلال ال25 عاما الماضية، انتشل أكثر من مليار شخص أنفسهم من الفقر المدقع، ومعدل الفقر في العالم الآن أدنى من أي وقت مضى في التاريخ الذي تتوافر في سجلات. هذا من أكبر الانجازات الانسانية في زمننا". لكن التقرير يظهر أن معدل تراجع نسبة الفقر في تباطؤ، خاصة في البلدان الأقل نموا.

وأشار كيم الى أنه اذا "اردنا القضاء على الفقر بحلول 2030، نحتاج الى استثمارات أكبر، خاصة في مجال بناء الرأسمال البشري، من أجل المساعدة في تعزيز النمو الشامل المطلوب للوصول الى الفقراء الآخرين"، مضيفا "لهذا السبب لا يمكننا أن تفشل". واعتبرت كارولينا سانشيز بارامو المسؤولة في البنك الدولي أن نسبة كبيرة من فقراء العالم سيتركز وجودهم في بلدان جنوب الصحراء الأفريقية، وهي منطقة تعاني في الأصل من نسبة فقر مرتفعة جدا تصل الى 41 بالمئة. وأضافت أن هناك العديد من النزاعات في بلدان هذه المنطقة التي هي ايضا أكثر عرضة لتأثيرات تغيّر المناخ. وبالرغم من أن نصف دول العالم تملك معدلات فقر أقل من ثلاثة بالمئة، الا أن التقرير يذكر أن العالم ليس على المسار الصحيح لتحقيق هذا الهدف على مستوى كل العالم بحلول عام 2030.

من جهة اخرى أفاد البنك الدولي أن الهوة المتزايدة بين الأغنياء والفقراء في كثير من دول شرق آسيا النامية تهدد أسس نجاح المنطقة اقتصاديا.وصرح كبير خبراء الاقتصاد في البنك لمنطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ سدير شتي إن "الأساس الشامل لنجاح شرق آسيا كان الشعور بأن كل شيء كان عادلا -- تعمل بجد فتتقدم. لكن ذلك بدأ يتلاشى قليلا". وأخرج النمو الاقتصادي الملايين في المنطقة من الفقر الشديد منذ ثمانينات القرن الماضي إلا أن موجة الازدهار لم تضمن تقدما نحو الأفضل وأمنا اقتصاديا لمجموعات واسعة من السكان، وفقا لما ذكر البنك الدولي في تقرير جديد.

وأضاف أنه على دول شرق آسيا والمحيط الهادئ تعزيز شبكات الأمن الاجتماعي ومساعدة المواطنين الفقراء على صعود السلم الاقتصادي اذا كانوا يرغبون بتجنب التأثيرات السلبية لعدم المساواة. وأشار البنك إلى أن تزايد الشيخوخة في أوساط السكان والتوسع الحضري واختفاء الوظائف التي تحتاج عمالة كثيفة في المصانع تهدد بدفع الملايين إلى ما دون خط الفقر الذي يعرف على أنه العيش على ما بين 3,10 و5,50 دولارا في اليوم.

على مايبدو ان موضوع الفقر في هذه السنوات عادت لتصدر المشهد الاقتصادي العالمي من جديد فبعد موجة الازدهار التي شهدها العالم بعد الازمة المالية في 2008 والتي تجازوتها العديد من الدول بشق الأنفس، يواجه العالم اليوم خطر الفقر وخطر تفاقم التفاوت في الدخول والثروات سيما وان الدول الرأسمالية وان حققت نتائج ايجابية الا انه يتضح من خلال التقارير ان الاكثر تفاوتاً في توزيع الدخول، في حين لاتزال المعالجات بطئية للغاية في تلك الدول التي تقبع في دائرة الفقر، ويبدو انها ستستمر في فلك هذه الدائرة سيما الدول العربية خصوصاً بعد تزايد الدين الخارجي والتراجع في مستوى النمو وبسبب الحروب والوضع الامني في منطقة الشرق الاوسط.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي