المبادرات التنموية والإنفاق الخيري
عبد الرزاق عبد الحسين
2019-01-23 06:36
المجتمعات التي تمر في طور التحول إلى ضفة التقدم، تحتاج إلى الكثير من الخطوات التي تساعدها على الولوج في سكّة التغيير، والتحوّل من التخلف أو التأخر إلى التطوّر والنمو والتقدم، وهذه الخطوات وخرائط الطريق المتعددة يمكن أن تشمل القطاعات كافة، ومن أهمها خطوة التحفيز نحو المبادرة، وجمعها مبادرات ويبدأ القائمون بها من أسفل الهرم إلى أعلاه، فالفرد المبادر هو نواة لمشاريع طوعية تنموية في المجالات المختلفة.
يرافق المبادرات فعل بالغ الأهمية يردفها ويحيلها من مرحلة التخطيط الذهنية إلى التأسيس والتشييد الفعلي، هذا الفعل المرادف هو الإنفاق الخيري الداعم للمبادرات في مجالات الصحة والاجتماع والتدريب والتثقيف وتعلّم الحرف المهنية وغير ذلك من المشاريع التي إن تحوّلت إلى التجسيد الواقعي سوف يندفع المنفقون الخيرون وينبرون لتقديم العون والتبرعات المادية المختلفة، فمن طبائع الإنسان أنه لا يندفع في دعم مبادرة افتراضية، ولكن حين يرى المشروع بعينه ويلمسه بيده سوف يبادر بالتبرع والدعم عن طيب خاطر.
إن المبادَرة في اللغة هي السبْق إلى اقتراح أمرٍ (مشروع) والمبادرة مسألة تتعلق بالثقافة الاجتماعية العامة حيث يبادر بها الناس عن طريق الالتماس، وقد تطور مفهوم المبادرة خلال السنوات الأخيرة، فأصبحت المبادرة فكرة وخطة عمل تطرح لمعالجة قضايا المجتمع وتتحول إلى مشاريع تنموية قصيرة المدى وبعيدة المدى، وتصدر عادة عن المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية والجمعيات الخيرية والتطوعية، تأخذ طريقا فرعيا عن الأهداف الرئيسية للمؤسسة أو الجمعية، فتحقق أهدافها الفرعية بشكل مستقل، ويمكن أن تصدر بصورة فردية في البداية لتتحول مع الوقت والنمو إلى الصفة الجمعية التي تستقطب مبادرون جدداً، وفي موضوعنا هذا يوجد ركنان أساسيان:
الأول: المبادرة.
الثاني: الإنفاق الخيري.
ولابد من تفصيل الركن الثاني ونعني به الإنفاق ومدى دوره في إنجاح المبادرات بمختلف توجّهاتها، ولن نخطئ إذا قلنا أن نجاح جميع المبادرات وفي جميع القطاعات يتوقف على الإنفاق أو ما يُطلَق عليه في الأعم الأغلب بـ (التمويل أو التبرع) لوضع الهيكلية الأساسية التي يقوم عليها المشروع التطوعي، فمثلا توجد لدينا نماذج من المبادرات بالأخص الشبابية منها، تخطط للمبادرة وتنجح في ذلك نظريا وتبقى تنتظر مَن يُنفق على المشروع.
هناك حملة قام بها شبان في بغداد لتجميل المدينة الساحات والجدران والحدائق، وقدّم الشباب جهودا فعالة، واستقطبوا أعدادا كبيرة من المتطوعين، وباشروا بحملاتهم فعليا وحين بدأوا بتمويل يقارب الصفر، تمكنوا من الحصول على تبرعات وإنفاق خيري يُشار له بالبنان، ومن المفرح أن تجربتهم هذه انتقلت إلى مدن ومحافظات أخرى، وهناك نماذج أخرى في مدار الصحة ومكافحة مرض السرطان بالأخص فقدان الجرعات العلاجية في مراكز علاج هذا المرض الخبيث، وتمكن قادة هذه المبادرة من الشبان بجمع أموال من منفقين خيريين أنقذت حياة العديد من مرضى كانوا على حافة الموت.
ولدينا نماذج مبادرات ناجحة أخرى منها الرجل الذي جمع المشردين والأيتام – هشام الذهبي- وأمن لهم السكن والتعليم بإمكانيات ضئيلة لكنه نجح في الحصول على داعمين ومتبرعين وإن لم يصل ذلك إلى الدرجة المثالية، ومن حسن الحظ أن هذه المبادرات تصنع موجات ارتدادية تؤثر في الآخرين، فتتناسل وتكثر لأن الإنسان بطبيعته يحب أن يقلّد الأخيار، وقد ساعدت مواقع التواصل الاجتماعي على تنمية وتوسيع هذه النماذج بصورة أسرع، وإن كان المرتجى والمطلوب من مشاريع طوعية كهذه أكثر وأكبر، نظرا لضعف أو تصفير بعض الخدمات بسبب العجز الرسمي وتفشي الفساد.
في المجتمعات الغربية تجد الكثير من منظمات العمل الطوعي، مدعومة بأموال الإنفاق الخيري، صحيح إن القدرة المالية هناك أكثر وفرة وسيولة، لكن الصحيح أيضا أن تلك المجتمعات مادية النزعة، ومع لك تعززت ثقافة الإنفاق الخيري بين الأثرياء وهناك قصص كثيرة وكبيرة في هذا الحيّز، وما ينقصنا بصورة لافتة ليس قلة المبادرات لكن لدينا تردد في دعم المشاريع الطوعية وعدم ثقة بمن يطرح أفكاره وخططه، وثقافة أو سلوك الإنفاق الخيري لم ترسخ على نحو ناجز في مجتمعنا، وهذا يتطلب نشر هذا النوع من الثقافة خصوصا بين المتمكنين.
ولكن في كل الأحوال ينبغي أن نشجع إطلاق المبادرات عبر تحويلها إلى منظومة سلوك معتاد يقوم به الناس من ضمن نشاطاتهم المعتادة، وهذا يعني أننا يجب أن نمهد لهذا النوع من التفكير والسلوك عبر تحويل معوقات المبادرة من التثبيط إلى التحفيز من خلال:
- عدم الالتزام بحرفية القواعد والتعليمات التي تحصر المبادرات في مجال ضيق، والإصرار على التمسك بما هو واقعي ومعقول، ورفض الأفكار التي تبدو خيالية بالإضافة إلى الخوف من الفشل، فإذا ساور المبادر فشل مبادرته فإنه سوف يكف عن ذلك ويقطع دابر أي نشاط بسبب الخوف من الفشل، فالصحيح أن يثق المبادر بقدراته، ويدرس خطواتها جيدا ويضع الحلول للمعوقات قبل وقوعها.
- لدينا حاجز آخر ينبغي تجاوزه بقوة وإصرار، وهو تنفيذ الأفكار التي تتعلق بالمبادرة دون تأخير أو تأجيل، وعدم سوْق الحجج والذرائع في هذا السياق، فالمهم هو تنفيذ الأفكار التي تجعل المبادرة حقيقة متأصلة بالواقع وترك التأخير والتردد بصورة حاسمة.
- يجب تشجيع المبدع والوقوف معه بجدية تامة في تنفيذ فكرة المبادرة، وتكيل خلية عمل تطوعية فعالة من خلال توفير الدعم المادي أو المعنوي الذي سيعطي زخما قويا للمبادرين في تحقيق خططهم الذهنية في الواقع.
- هناك عائق آخر كبير يجب تجاوزه، وهو يخص التعاطي مع القوانين وإجراءات العمل التي لابد أن يتعامل معها المبادرون بمرونة تعطي زخما قويا لدفع المبادرين ومبادرتهم نحو حيز التطبيق.
- مدراء المبادرة أو قادتها يجب أن لا يكونوا تقليديين، فاختيار القادة الديناميكيين شرط بالغ الأهمية لإنجاح المبادرة، لأن المدير التقليدي هو الذي يصنع التعقيدات ويعجز عن اكتشاف الحلول.
- وأخيرا يوجد بند من ضمن الجوانب او الشروط المحفزة والضامنة لتطوير المبادرات، هو الابتعاد الكلي عن التفكير السلبي، فالأخير سيقتل جميع فرص الانجاز الأجود والمضمون، ويجعل المبادرة وأصحابها يدورون في دائرة مفرغة لا طائل منها.
هذه الاشتراطات يجب الانتباه لها من قبل قادة المبادرات، لأنها تقدم عناصر الديمومة لصنع ما يربو إليه المبادرون من خطط ومشاريع طوعية يمكنها أن تغيير واقع البلاد والمجتمع من حال إلى حال.