الدول النامية والتنمية الاجتماعية: مسارات معقدة

إيهاب علي النواب

2018-01-17 06:24

التنمية الاجتماعية بحسب هوبهاويس هي تطور البشر في علاقاتهم المشتركة وهذا ما يسميه بالتوافق في العلاقات الاجتماعية، فتغير البناء الاجتماعي لا يعنى شيئا بالنسبة له ما لم يحدث تغيير في طبيعة العلاقات الاجتماعية، ولهذا ينظر إلى التنمية الاجتماعية على أنها تنمية علاقات الإنسان المتبادلة. ولقد وضع "هوبهاوس" أربعة معايير تستند إليها" التنمية العالية على حد قوله ويعنى بها التنمية المتواصلة الشاملة، ويذهب إلى أنه من أجل تقدم المجتمع يجب توافر هذه المعايير الأربعة وألا فستكون التنمية منقوصة غير كاملة، لو تخلف أحد هذه الشروط وهذه المعايير هي: - الحجم (السكان)

- الكفاية

- الحرية

- المشاركة

ولهذا التعريف عناصر:

أن التنمية عملية داخلية ذاتية بمعنى أن كل بذورها ومقوماتها الأصلية موجودة في داخل الكيان نفسه وأن أي عوامل أو قوى خارج هذا الكيان لا تعدو أن تكون عوامل مساعدة أو ثانية.إن التنمية عملية ديناميكية مستمرة أي أنها ليست حالة ثابتة أو جامدة. وإن التنمية ليست ذات طريق واحد أو اتجاه محدد مسبقا و إنما تتعدد طرقها واتجاهاتها باختلاف الكيانات وباختلاف وتنوع الإمكانيات الكامنة في داخل كل كيان وعلى ذلك فهناك شرطان لعملية التنمية:

الشرط الأول: هو إزاحة كل المعوقات التي تحول دون انبثاق الإمكانيات الذاتية الكامنة داخل كيان معين (الفرد- أو المجتمع).

الشرط الثاني: هو توفير المؤسسات التي تساعد على نمو هذه الإمكانيات الإنسانية المنبثقة إلى أقصى حدودها، وأن المعوق الرئيسي لعملية التنمية هو "الاستغلال" بكل صورة ومستوياته، وأن التنمية بهذا المفهوم تعنى التحرر، فالتنمية والتحرر هما مفهومان لنفس المضمون كلاهما يعنى الآخر وكلاهما يعني الإزاحة والاستغلال. وكلاهما ينطوي على تفجير كل الإمكانيات البشرية الكامنة للإنتاج والخلق والإشباع والتنمية. فضلا عن أن التنمية لن تتم إلا في جو نضالي شعبي، وهي الطريقة الوحيدة لخلق تراكم مادي ومعرفي.

ونستنتج من هذا أن التنمية الإجتماعية معناها تطبيق العلم بكل صوره في تيسير حياة الإنسان على هذا الكوكب ، وإبراز القوى المودعة في بنيته. تحسين المجتمع ، وتحسين الفرد , وهذا هو الغرض من التنمية الاجتماعية. تعتني التنمية الاجتماعية من حيث الاختصاص بثلاثة مرافق في الدولة, هي:

- الحكومة

- المؤسسات الأهلية

- المؤسسات الخيرية

وعلى أي حال فإن كافة التعريفات وغيرها تحصر في ثلاثة اتجاهات وهي:

الاتجاه الأول: مؤداة أن التنمية مرادفة لاصطلاح الرعاية الاجتماعية بالمعنى الضيق لمفهوم الرعاية.

الاتجاه الثاني : يعتبر أن التنمية مجموعة من الخدمات الاجتماعية التي تقدم في مجالات كثيرة كالصحة والتعليم، والتنمية عملية تخطيطية وديناميكية للتحول في ثلاثة مستويات هي:

- التحول في اتجاه الأفراد: لتصل بهم إلى تأكيد الأيمان بقدرتهم على تغيير الواقع و الاشتراك في العمل الجماعي والرغبة في الإنجاز على أسس عملية.

- التحول في البناء الاجتماعي ووظائفه : لتحقيق تذويب الفوارق بين الطبقات وسهولة الحراك الاجتماعي والعدالة في توزيع الثروة والدخول وتوسيع مجالات الاقتصاد ليكون متنوعا، كل ذلك في ظل مؤسسات لا مركزية ديموقراطية.

- التحول في علاقة المجتمع بالعالم الخارجي: تحقيق الاستقلال السياسي والتحرر الاقتصادي للوصول إلى علاقات تجارية متكافئة مع دول العالم، مع الاحتفاظ بالخصوصية الثقافية وتطويع وتطوير التكنولوجيا الملحية وانتقاء التكنولوجيا المتقدمة. وكل ذلك يهدف إشباع رغبات الأفراد المتزايدة المتغيرة، ولا يتم ذلك إلا عن طريق ثورة اجتماعية من جانب الدولة.

أما الاتجاه الثالث: ويرى أن التنمية الاجتماعية هي عمليات تغير اجتماعي تلحق بالبناء الاجتماعي ووظائفه بغرض إشباع الحاجات الاجتماعية للفرد والجماعة بمعنى أنها عملية تغير اجتماعي لكافة الأوضاع التقليدية من أجل إقامة بناء اجتماعي جديد ينبثق عنه علاقات جديدة وقيم مستحدثة تشبع رغبات وحاجات الأفراد وتطلعاتهم ولا يتم ذلك إلا عن طريق دفعة قوية لأحداث تغيرات كيفية ولإحداث التقدم المنشود، فالتنمية الشاملة هي: تلك العمليات المستهدفة لخلق التقدم الاجتماع والاقتصادي للمجتمع ككل معتمدة على إسهام المجتمع المحلى والمشاركة الشعبية.

التنمية والتغيير الاجتماعي

السؤال هنا هو كيف تؤدي التنمية الى التغييـــر الاجتمـــاعى؟ أو مـــاهو الـــدور الـــذى تلعبـــه الصـــفوة فـــى مجـــالات التنميـــة الاقتصـــادية و التغيـــر الثقـــافي؟ ومـــا مـــدى فعاليـــة قيادتهـــا وقبـــل الاجابـــة علـــى هـــذا السؤال يجب أولا تحديد ماهى هذه الصـفوة.. هـل هـى صـفوة حاكمـة أم أنهـا عـدة صفوات تختص كل منها بصنع القرارات الرئيسية فى مجال تخصصها؟

اذا أخذنا بمفهوم "روبرت دال" للصفوة الحاكمة وهى على حد قوله "مجموعـة ضــابطة أقــل حجمــا مــن الأغلبيــة وليســت نتاجــا خالصــا للقواعــد الديمقراطية، وانما هى أقلية مـن الأفـراد تسـود أراءوهـا بصـفة منتظمـة فـى حـالات الخلاف فى التفضيل حول القضايا السياسية الرئيسية".

بيـد أنــه لـيس مــن المنطـق ولا مــن الناحيـة الأمبريقيــة أن الصـفوة الصــغيرة ذات درجة عالية من النفـوذ فـى مجـال معـين، سـيكون لهـا بالضـرورة هـذه الدرجـة العالية من النفوذ أيضا مجال آخر. فبــالرغم مــن أن جماعــات الصــفوة الصــغيرة مــن النــاس تضــع الكثيــر مــن القرارات الرئيسية ولكن هذا يكون في مجال تخصصها فقط. فالصــفوة التــى تقــود التعلــيم العــام تختلــف عــن الصــفوة التــى تقــود أحزابـــا سياسية وتختلف أيضا عن الصفوة التى تقود التنمية الحضرية على سبيل المثال، بدرجة عالية من الكفاءة، بل أنها سوف تحقق إذا ما امتد نشاطها إلى التعليم أو إلى قيادات أحزاب سياسية.ومـــن ثـــم فـــإن القـــوة تتـــوزع علـــى جماعـــات متعـــددة ولا تتركـــز فـــي أيـــدى جماعة واحدة بحال من الأحوال، فـلا تـتحكم جماعـة واحـدة فـي القـوة وانما تتوزع فــي المجتمــع كلــه مــن القاعــدة إلــى القمـــة. وهــذا هــو المنطلــق الــذي انطلــق منـــه روبرت دال فمن هذه الفقرة سنتفق على أن القوة ستتوزع على عـدة جماعـات أي أننا سنأخذ مفهوم تعدد الصفوات وليست الصفوة الأحادية.

وفى هذا الصدد نجد أن هنـاك اختلافـات بـين العلمـاء الاجتمـاعيين حـول تصنيف الصفوات المختلفة بوجه عام في الدول النامية.ومــن أمثلــة ذلــك تصــنيف ريمــون أرون للصــفوة فــى المجتمــع الحــديث فقــد صنف المجتمع الحديث إلى خمس صفوات كما يلي:

- الزعماء السياسيون

- اداريون الحكمـة

- المـديرون الاقتصـاديون

- الزعمـاء

- الجماهيريون والرؤساء العسكريون

وهناك تصنيف آخر لسوزان كيلر للصفوة فى المجتمع الحديث كمـا يلـي:

- الصفوة السياسية

- الصفوة الاقتصـادية والعسـكرية والدبلوماسـية والعلميـة

- الصـفوة الدينية الفكرية

- صفوة المشاهير من الفنانين والكتاب والقائمين بدور الترقية في المجتمع.

مستقبل التنمية الاجتماعية

والآن نتساءل.. هل نظريات التنمية التي كانت متبعة فى العقـود الأربعـة السابقة حققت أية نتيجة مرجوة منها لدول العالم الثالث..؟ للأسف نجد أن أكثر من بليون نسمة أو نحو ثلث إجمالى سـكان العامـل النــامي يعيشــون بأقــل مــن 370 دولارا للفــرد ســنويا، ويعــاني الملايــين فــى أفريقيــا جنوب الصحراء وجنـوب آسـيا وأمريكـا اللاتينيـة حرمـا متزايـدا ويعيشـون فـى بـؤس بــالغ وفقــر مــدقع، كــذلك الفجــوة بــين الأكثــر غنــى والأكثــر فقــرا التــى تشــمل خمــس سكان العامل قد تضاعفت الآن كما كانت عليه منذ ثلاثين عاما مضت.

على الجانب الآخـر، يمكـن ملاحظـة أن بعـض الـدول خصوصـا شـرق آسيا قد نمت بشكل سريع للغاية ومع ذلك فإن صعود نجم منـاطق أو مجموعـات جديــدة مــن الــدول فــى الاقتصــاد العــالمي، ولايجـب علــى حــد قــول "هوجفيلــت" أن يعمــي بصــرنا عــن رؤيــة الطريقــة التــى تــرتبط بها الثروة والغنى. وكمـــا كانـــت المقولـــة المشـــهورة والتـــى طالمـــا تشـــدق بهـــا أنصـــار نظريــــة التبعيــة والتــى مؤداهــا أن التقــدم والتــأخر وجهــان لعملــة واحــدة. فإنــه الآن بــدأت تظهــر المقولــة البديلــة وهــى أن الفقــر وخلــق الثــروة همــا وجهان لعملية تاريخية واحدة.

حتـــى لـــو كانـــت هـــذه العمليـــة التاريخيـــة ذاتهـــا تمـــر بتغيـــرات جوهريـــة مـــن حيث الطريقة الى تسير فيها بترتيب معين. والآن.. لعل الذى يشكل الخطـر هـو أنه بـدلا مـن العمـل علـى اقضـاء علـى الفقـر، فإنـه فـى النهايـة سـيعتبر شـكلا مـن أشـــكال الاخـــتلاف، بـــل إن الهـــرم المعـــروف الـــذى يمثـــل القلـــب والمحـــيط وشـــبه المحيط الذى طالما أجهدت نظريـة "النظـام العـالمى الجديـد" فـي التنميـة نفسـها فيـه لــم يعـد هرمــا جغرافـا بــل صـار تقســيما اجتماعيـا للإقتصــاد العـالمى، بــل أن التناقضــات الملازمــة للرأســمالية التــى كــان يجــري معالجتهــا فــى الأطــوار المختلفــة للتوســـع، بحيـــث كـــان يـــتم فيـــه إعـــادة ترتيـــب الـــدول والعلاقـــات الداخليـــة باعتبارهـــا بنــاءات سياســية، قامــت بتثبيــت العلاقــة الاســتغلالية ذاتهــا بــين اقتصــاديات القلــب والمحيط، بـــل لعـــل الرؤيـــة أكثـــر قتامـــة حـــين نجـــد أن عمليـــة العولمـــة تعطـــي علاقـــة علـــى مســـتوى أعلـــى مـــن الشـــبكات

الاقتصـــادية والماليـــة والثقافية والاجتماعية الكثيفة التي تتجاوز حـدود الـدول بـأكثر مـن ذي قبـل، وهـذه العمليـة تقتــرن بعمليـات تفكــك حيـث بــدأت تتآكـل البنــاءات القديمـة للقــوة السياســية وللتنظــيم الاجتمــاعي الاقتصــادي، مــع مشــروع بنــاءات جديــدة فــى التكــوين، وهنــا يحــذر "انكــي هوجفيلــت" مــن الأزمــة الرهنــة فــي تجربــة التحــول التــى كــان مــن مظاهرهــا أن شــرائح عريضــة مــن شــعوب العــالم وأكثرهــا تقــع فــي العــالم الثالــث صار يجري استبعادها من شبكة التفاعل الاجتماعي والاقتصادي والبشري، ومن ثم فستكون عملية العولمة الراهنة بدلا مـن أن تكـون عمليـة توسـع فإنهـا أقـرب لأن تكون عملية انكماش بل نجد أن نظريــــات التنميــــة لــــم تــــؤدي إلــــى نتيجــــة فــــى النهوض بالمجتمعات النامية، كذلك لم تحقق اي هدف من الأهداف التى تصبوا اليها التنمية من تقدم ورفاهية للإنسان وبخاصة في الدول النامية.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا