العلاقة بين العار والفقر

بروجيكت سنديكيت

2017-11-23 05:20

كيتي رولين

 

برايتون - الفقر أمر مخجل للغاية ومهين لكرامة ولشعور الإنسان. وإذا كانت مظاهر الفقر وأسبابه تختلف، فإن الإذلال الذي يرافقه عالمي. كشفت الأبحاث التي أجريت مؤخرا في جامعة أكسفورد أن من الصين إلى المملكة المتحدة، يواجه الأشخاص الذين يعانون من صعوبات اقتصادية - حتى الأطفال – إكراها هجوميا على اعتزازهم بالنفس وعلى احترامهم لذاتهم.

ومع ذلك، على الرغم من الأدلة الواضحة التي تربط الفقر بالقلق النفسي، فإن السياسات التي تعالج الفقر لا تأخذ الشعور بالعار بعين الاعتبار. وبدلا من ذلك، تميل جهود الحد من الفقر إلى التركيز على المظاهر الملموسة للحرمان مثل نقص الدخل أو التعليم. ونتيجة لذلك، غالبا ما تفترض الحلول للتخلص من الفقر أن المزيد من الثروة المادية أو تحسين ظروف المعيشة سوف يترجم تلقائيا إلى فوائد غير ملموسة، بما في ذلك تحسين الصحة العقلية.

إن عدم التركيز على الجانب "النفسي والاجتماعي" للفقر - التفاعل بين القوى الاجتماعية والموقف أو السلوك الفردي - هو أمر مضلل. وإذا أردنا أن نخفف المعاناة الإنسانية ونحقق هدف التنمية المستدامة الأول للأمم المتحدة المتمثل في القضاء على الفقر "بجميع أشكاله" بحلول عام 2030، فإن التصدي للآثار الجوهرية للعار التي تسببها مشكلة الفقر يجب أن يكون في مقدمة جهودنا.

وبات الشعور المدمر بالاٍهانة الذي يرافق الفقر، ويعيق الناس عن اتخاذ إجراءات إيجابية لتحسين حالتهم، أمرا شائعا في جميع أنحاء العالم. وفي الهند، دفع العار المرتبط بخسائر المحاصيل الزراعية والضغوط المالية المزارعين إلى تعاطي المخدرات، وفي حالات قصوى إلى الانتحار. في تنزانيا، وجد الباحثون الذين يدرسون التعليم المزدوج اللغة أن الخوف من التعرض للسخرية يمكن أن يمنع الطلاب ذوي مهارات ضعيفة في اللغة الإنجليزية من المشاركة في الصف. وفي أوغندا، يقول طلاب المدارس الثانوية الفقراء إن عدم القدرة على دفع الرسوم أو شراء الزي الموحد أو الحصول على اللوازم المدرسية يشكل مصدرا دائما للإذلال.

وبغية معالجة العار المرتبط بالفقر، وتوضيح الدور الذي يلعبه العار في إدامة الفقر، يجب اتخاذ عدد من الخطوات اللازمة.

في البداية، يجب على صناع السياسات إدراك هذه المشكلة. وبدلا من اعتبار العار منتجا مؤسفا للعيش في الفقر، ينبغي لمخططي التنمية البشرية أن ينظروا في كيفية إضعاف الفقر لكرامة الإنسان. وقد بين عالِم الاقتصاد اٍمارتيا سين، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، ومن أكثر الناس دفاعا على الحد من الفقر، منذ فترة طويلة أن العار هو محرك الفقر "المطلق". ويجب أن يُؤخذ العار على محمل الجد كجزء من أي إستراتيجية لمحاربة الفقر.

وعلاوة على ذلك، يمكن أن يؤثر العار وانعدام الثقة بالنفس تأثيرا سلبيا على الطريقة التي ينظر بها الناس إلى قدرتهم على التغيير، وإدامة الشعور بالعجز الذي يمكن أن يضعفهم ويبقيهم في الفقر مدى الحياة. ولإنقاذ الناس من آفة الفقر، يجب أن تأخذ استراتيجيات التنمية البشرية بعين الاعتبار كيفية تعزيز القدرات الشخصية والطموح والكفاءة الذاتية - الإيمان بقدرة المرء على التأثير في الأحداث التي تؤثر في حياة الفرد.

وأخيرا، يجب على واضعي السياسات أن يدركوا أن البرامج الرامية إلى الحد من الفقر، إذا لم تنفذ بشكل صحيح، يمكن أن تزيد في الواقع من الشعور بالعار. فعلى سبيل المثال، وجد الباحثون العاملون في الهند في عام 2005 أن النساء الهنديات توقفن عن الذهاب إلى العيادات الصحية من أجل تجنب معاملة العاملين الصحيين المهينة - وذلك على حساب صحتهم وصحة أطفالهم. وأعربت النساء في جنوب أفريقيا المتقدمات للحصول على منح إعالة الطفل عن تجارب مماثلة، وكذلك بالنسبة لمستخدمي البنوك الغذائية في المملكة المتحدة. في الواقع، قال العديد من المستجوبين في بريطانيا إن وصمة الحصول على الغذاء المجاني كانت شديدة لدرجة كان الشعور ب "الخوف" و "الإحراج" شيئا مشتركا.

ومؤخرا أضحى الوعي بقضية الشعور بالعار، والحاجة إلى أخذها على محمل الجد في سياسات الحد من الفقر، يعرف تقدما ملموسا. وقد اعترف الأكاديميون الذين يبحثون في مجال المعاناة الإنسانية بأن "كرامة المتلقين" عنصر حاسم في التخفيف الناجح من حدة الفقر. فعلى سبيل المثال، خلص استطلاع أجري في عام 2016 لبرامج التحويلات النقدية في أفريقيا إلى أن غياب الإجهاد والعار يعزز ثقة المتلقين، مما يؤدي إلى تحسين عملية صنع القرار والإنتاجية. وبناء على هذه الأدلة، توسع جامعة أوكسفورد أبحاثها حول "العلاقة بين العار والفقر" لدراسة كيف يمكن لقطاع التنمية الدولي تجنب الشعور بالعار في سياسات مكافحة الفقر.

إن البرامج الرامية إلى الحد من الفقر تتحرك في الاتجاه الصحيح، ولكن يجب بذل المزيد من الجهود لإدماج العنصر النفسي والاجتماعي للفقر في السياسات والتخطيط. وعندما يدرك صناع السياسات حقا أن الكرامة واحترام الذات هما شرطان لا بد منهما في الكفاح ضد الحرمان - بدلا من نتائج التخفيف من حِدته - سيكون للعالم فرصة رائعة للقضاء على الفقر بجميع أشكاله.

* كيتي رولين، زميل باحث ومدير مشارك لمركز الحماية الاجتماعية في معهد دراسات التنمية
https://www.project-syndicate.org

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا