ادفع عقلك إلى العمل

فهيمة رضا

2017-10-11 05:10

العقل هو أقوى حاسب آلي في العالم بل يفوق في قدراته كل شيء في هذا الكون، باستطاعة المرء أن يجلس على الأريكة ويريح نفسه من كل الصعوبات، ويتردد في أداء أي عمل، ويقنع نفسه بأنه ليس باستطاعته أن يدخل إلى الساحة ويعمل ويصل إلى ما يريد، لكن العقل يزداد قوة إذا دفعه صاحبه إلى العمل، ويزداد بؤساً وخمولا إذا دفعه صاحبه إلى الكسل، فـجملة "لا أستطيع" ترشدنا إلى الكسل العقلي.

وكما يحتاج الإنسان الذهاب الى صالة الرياضة ليتدرب بانتظام، كي يحافظ على صحة جسمه، فإنه يحتاج إلى التدريب العقلي كي يزيد من فرص نجاحه وسعادته، لأن الكسل في كلا الحالتين يقضي على صحة الجسم والعقل معا.

وتدُلّ الدراسات على أنَّ الذين يُواظبون على الرياضات العقليّة وتدريب أذهانهم يوميّاً يكونوا أقلّ تعرُّضاً للإصابة بالخرف، أو مرض الزهايمر، وكما أن الإنسان يهتم بعضلات جسده ويمارس الرياضة لأجل الوصول إلى جسد رشيق، كذلك المخ يتطلب منا الاهتمام ويستحق أن نعتني به لأجل الإرتقاء بوظيفته، لذلك نجد الأديان الإلهية تحث الناس على التفكر والاهتمام بسلامة العقل، لأنه مصدر الخير والشر.

كما جاء في الروايات عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما خلق الله العقل استنطقه ثم قال له: أقبل فأقبل ثم قال له: أدبر فأدبر ثم قال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أحب إلي منك ولا أكملتك إلا فيمن أحب، أما إني إياك آمر، وإياك أنهى وإياك أعاقب، وإياك أثيب.

إذاً العقل هو معيار الخير والشر، فبقدر ما أوتي المرء من العقل يثاب ويجازى، لذلك نوم العاقل أفضل من عبادة العابد لأن العاقل يعرف ماذا يعمل وكيف يعمل، والعابد لا يعرف ذلك بمعرفة كاملة ترشده إلى الصلاح، لذلك نجد في التاريخ هناك نماذج من العباد وقع في فخ الشيطان، أو لم يعبدوا الله حق عبادته فأثابهم الله بقدر عقولهم.

كما رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الدَّيْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ أنهُ قَالَ:

قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) فُلَانٌ مِنْ عِبَادَتِهِ وَدِينِهِ وَفَضْلِهِ.

فَقَالَ: "كَيْفَ عَقْلُهُ"؟.

قُلْتُ: لَا أَدْرِي.

فَقَالَ: "إِنَّ الثَّوَابَ عَلَى قَدْرِ الْعَقْلِ، إِنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فِي جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ خَضْرَاءَ نَضِرَةٍ كَثِيرَةِ الشَّجَرِ ظَاهِرَةِ الْمَاءِ وَإِنَّ مَلَكاً مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَرَّ بِهِ فَقَالَ يَا رَبِّ أَرِنِي ثَوَابَ عَبْدِكَ هَذَا، فَأَرَاهُ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ فَاسْتَقَلَّهُ الْمَلَكُ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ أَنِ اصْحَبْهُ.

فَأَتَاهُ الْمَلَكُ فِي صُورَةِ إِنْسِيٍّ فَقَالَ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟.

قَالَ: أَنَا رَجُلٌ عَابِدٌ بَلَغَنِي مَكَانُكَ وَعِبَادَتُكَ فِي هَذَا الْمَكَانِ فَأَتَيْتُكَ لِأَعْبُدَ اللَّهَ مَعَكَ، فَكَانَ مَعَهُ يَوْمَهُ ذَلِكَ.

فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ لَهُ الْمَلَكُ: إِنَّ مَكَانَكَ لَنَزِهٌ وَمَا يَصْلُحُ إِلَّا لِلْعِبَادَةِ.

فَقَالَ لَهُ الْعَابِدُ: إِنَّ لِمَكَانِنَا هَذَا عَيْباً.

فَقَالَ لَهُ: وَمَا هُوَ؟.

قَالَ: لَيْسَ لِرَبِّنَا بَهِيمَةٌ، فَلَوْ كَانَ لَهُ حِمَارٌ رَعَيْنَاهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَإِنَّ هَذَا الْحَشِيشَ يَضِيعُ.

فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ الْمَلَكُ: ومَا لِرَبِّكَ حِمَارٌ.

فَقَالَ: لَوْ كَانَ لَهُ حِمَارٌ مَا كَانَ يَضِيعُ مِثْلُ هَذَا الْحَشِيشِ .

فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى الْمَلَكِ : إِنَّمَا أُثِيبُهُ عَلَى قَدْرِ عَقْلِهِ " *1

إن العقل هو الرائد المثالي في كوكب الدنيا وما فيها، يدير وظائف الجسد ويتحكم بكل شيء في الإنسان، وبالرغم من قدراته الخارقة لا يستخدم الإنسان سوى جزء بسيط لا يتجاوز 10% من عقله، والعقل باستطاعته السفر الى ما وراء الماديات كما يقول نجيب محفوظ.

‎النباتات لا تملك العقل، ولو غطيتها بصندوق فيه ثقب لخرجت من هذا الثقب متتبعه للضوء، فما بالنا لا نتبع النور ونحن نملك العقول؟؟.

هناك خطوات كثيرة عرفت بالروايات وكتب التنمية مخصصة لتنمية قدرات العقل، نذكر هنا بعضا منها على وجه الاختصار:

الاستعانة بالله والطلب منه "وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً".

كما طلب أهل البيت عليهم السلام في الأدعية: اللهم ارزقني عقلا كاملا.

ويشير أمير المؤمنين علي (عليه السلام) إلى ضرورة التوكل على الله، وعدم الغرور بالعلم والعقل والمال لأن كلها من عند الله:

من توكل على العلم ضل

ومن توكل على العقل زل

ومن توكل على المال ذل

- السواك.

- ألعاب العقل و الـ قدرات.

- التحدي مع النفس مثلا يتحدى الإنسان نفسه بقراءة كتاب جديد خلال فترة محددة.

- التفكر في خلق الله بأن يجعل فترة خاصة لإعادة شحن قدرات عقله عن طريق السير بين الأشجار وممارسة التأمل قرب البحار ورؤية النجوم.

- العصف الذهني لتنمية الـقدرات من جديد.

- المواظبة على نوع الطعام الذي يأكله الإنسان، هناك أطعمة كالسمسم، العدس، السفرجل والكندر ووو ينشط خلايا الدماغ وأثبتت الدراسات إن نوعية الطعام تلعب دوراً مهما في صحة العقل وفعالياته.

- الابتعاد عن التدخين والكحول.

- استعمال قانون الجذب في مساعدة وتقوية قدرات العقل والثقة به لرؤية العجائب.

- أنبل وأغلى وأثمن ما خلق الله في وجود الإنسان هو العقل لذلك فلندفع عقلنا إلى العمل كي نفوز في الدنيا قبل الآخرة ونجني ثمار هذا الذكاء بالعيش الرغيد في الدنيا وقصور تجري من تحتها الأنهار.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر:
‎1-الكافي: 1/ 1، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني، المُلَقَّب بثقة الإسلام، المتوفى سنة: 329 هجرية، طبعة دار الكتب الإسلامية، سنة: 1365 هجرية/ شمسية.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا