إدارة الغضب في حياتنا العملية

فهيمة رضا

2017-05-16 06:57

الناس أصناف بعضهم كالأخشاب اليابسة، عند الغضب يشتعلون ويشعلون الدنيا وما فيها، وبعضهم مثل عود البخور، عند الغضب يحترقون ويعطرون الجو بوجودهم، فتجد الجمال في كل حركاتهم وسكناتهم حتى في غضبهم (الهادئ)، فيتألق في محيط وجودهم اللؤلؤ والمرجان .

يا ترى كم مرة حُجبت الحقيقة عن أبصارنا بسبب نار الغضب المشتعلة في قلوبنا، وكم من فعل نتمنى لو لم نفعله، وكم من كلمة خرجت من أفواهنا عند الغضب وكسرت حواجز الحب والاحترام التي كانت تحافظ على علاقاتنا في صورة إنسانية كاملة البهاء؟، وكم من علاقة جيدة تهشّمت في لحظة جنون، فلم يستطع صاحبها تقييدها بسبب حالة الغضب التي ألمّتْ يه وسطرت عليه؟.

يا ترى ما عدد النسوة اللاتي فقدن الكثير، بسبب حالات غضب أزواجهن، وكم عدد الأطفال الذين فقدوا براءتهم وعنفوانهم بسبب الغضب، وكم قصة حب جُرحت وانمحت من قاموس الدهر بسبب الغضب؟، في تلك اللحظة هناك من يفقد ممتلكاته، حاضره مستقبله وفِي بعض الأحيان حتى حياته بسبب لحظه جموح غاضبة، بالتأكيد ليس المغضوب عليه فقط بل سوف يفقد الإثنان حياتهما تحت بركان الغضب.

فعندما يغضب الانسان يفقد القدرة على التفكير والصبر، لذلك يُقدم على كثير من المآسي كما فعل ذلك الرجل الذي كان في منتهى الفرح والسرور لأنه أخيراً وصل إلى أمنيته التي لطالما كان ينتظر تحقيقها ولكن لم يهنأ بها طويلا بسبب عدم قدرته على امتلاك نفسه في تلك اللحظة التي قرر أن يخرج مع العائلة إلى نزهة ليحتفلوا معاً بشراء سيارته الجديدة وتفاجأ من منظر وجده أمامه وجن جنونه لما رأىٰ خطوطا وخربشات على باب سيارته الجديدة، لم يستطع الأب أن يحافظ على هدوء وأخذ يضرب الطفل بعنف، سقط الولد على وجهه فجأة وغطى الدم جميع ملامحه البريئة، في تلك الأثناء خرجت الوالدة من البيت لتجد ولدها مغشيا عليه في حادث مفاجئ تبدل الفرح إلى غصة، ولكن ليت القصة كانت تنتهي عند هذا الحد فالطفل فقد بصره في ذلك الحادث وأصبح عالمه كله أسود ومؤلم، وبعد ذلك ذات مرة كانت العائلة جالسة أمام التلفاز وتنظر بلهفة واشتياق، الأصوات كانت متعالية ونبرة الشوق كانت تدخل إلى القلب دون استئذان، طلب الولد أن يحكون له ما هو المقطع المعروض على الشاشة وقال حينئذ بابا لو كبرت واشتريت لك سيارة جديدة هل ستعيد لي عيوني؟ انهمرت دموع الندم من عينيه ولكن لا يوجد هناك عيون لتشترى كي تعود الأمور الى ما كانت عليه.

لحظة غضب دمرت حاضر عائلة بأكملها بل مستقبلها وروحها ونشاطها، فقدت عائلة كاملة طعم الفرح بسبب تلك الحادثة! هذه قصة مؤلمة عن لحظة غضب وهناك قصص كثيرة يتألم القلب عند سماعها.

أضرار الغضب

الغضب هو انفعال، وقيل هو تغير يحصل عند غليان دم القلب؛ ليحصل عنه التشفي للصدر. ويشمل التأثير الجسدي للغضب زيادة في معدل ضربات القلب وضغط الدم، ومستويات الأدرينالين والنورادرينالين، بعضهم أوضح بأن الغضب يعد جزء من شجار أو حركة استجابة سريعة من المخ لتهديد محتمل من الضرر، ويصبح الغضب الشعور السائد سلوكيا، ذهنيا، وفسيولوجيا عندما يأخذ الشخص الاختيار الواعي لاتخاذ إجراءات على الفور من شأنها وقف السلوك التهديدي من قوة أخرى خارجية.

يتسبب الغضب بإجهاد القلب؛ فعند الغضب تزداد كمية الدم التي يضخها القلب نتيجة للإنفعال الشديد، مما يجهد عضلة القلب فيؤدي ذلك إلى تصلب الشرايين وإفقادها لمرونتها، ويعمل ذلك على رفع ضغط الدم ويتسبب في ارتفاع نسبة السكر في الدم ومن الممكن أن يتسبب في العمى المفاجئ نظراً لما يحدثه من تأثير على الأوعية الدموية الموجودة في العينومن العلامات المرافقة لمثل هذه الحالات:

- السرعة في الكلام والحركة مع التوتر.

- الارتعاش.

- النقد المستمر.

- النفور.

- السلوك العدواني.

- عدم القدرة على استيعاب الأمور بوضوح.

- إصدار الآراء السلبية.

- شد العضلات.

ما هي أسباب الغضب

الإرهاق، الجوع، الألم، الفشل، التغييرات الهورمونية، الانسحاب من تأثير المخدرات، الاضطرابات النفسية، لذا فإن الغضب غير محبب في الديانات المختلفة لأنه يعتبر مفتاح الشر كما ورد حول الغضب في الاسلام، فهناك آيات قرآنية وروايات كثيرة عن كظم الغيظ منها (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، وفي الأحاديث يُحث الانسان على الحلم وهو نقيض الغضب والظلم.

قال رجل لرسول الله (ص): يا رسول الله، أوصني!.. قال: (لا تغضب).

يقول الإمام علي (ع): (إياك والغضب!.. فأوله جنون، وآخره ندم).

الغضب في الديانة المسيحية

هو بمثابة واحدة من الخطايا السبع المميتة، فالقديس باسيليوس ينظر للغضب على أنه "جنون مؤقت يستحق الأنكار."

الهندوسية

في الديانة الهندوسية: فإن الغضب يتساوى مع الحزن بوصفه شكلا من أشكال الرغبة غير المتبادلة (طرف واحد). الغرض من الغضب ينظر إليه على أنه يشكل عائقا لإرضاء رغبات الشخص الغاضب. وإلا إذا كان أحد يعتقد أن أحدا أفضل منه، فان النتيجة هي الحزن. والغضب يعتبر محملا بقوة شيطانية أكثر من الرغبة. في البهاغاباد غيتا كريشنا يتعلق الغضب بالجشع، والشهوة مما يؤدي إلى الجحيم.

البوذية

الغضب في البوذية يعرف على النحو التالي: "عدم القدرة على تحمل الشيء، أو نية إلحاق الضرر بالشيء." والغضب يمكن رؤيته على شكل كره مع مبالغة أقوى، ويتم سرده بوصفه واحدا من العوائق الخمس.

اليهودية

في اليهودية فان الغضب على مرأى هو من الأخطاء المقدسة. وإذا اشتعل الغضب إلى شغف، فسوف يصبح مساعد على الفتنة. ووفقا للكتاب المقدس العبري: "وقال أنه بطيء الغضب فهو ذو تفاهم كبير، ولكن هذا المتسرع في الغضب فهو ذو حماقة عظيمة. والرجل المحتدم غضبا يثير الفتنة: والذي هو بطيء الغضب يهدئ الفتنة.

علاج الغضب

حالة الغضب تبدأ من ضيق بسيط وتؤدي إلى بركان من الثورة العارمة وتقضي على الجميع، من الأمور التي تساعد على إطفاء حالة الغضب ما يلي:

‎1- الاسترخاء مع التنفس العميق. والاستعاذة بالله من شر الشيطان الرجيم لأن الغضب مفتاح كل شر وربما يبدأ الأمر من كلمة أو موقف بسيط لينتهي إلى كارثة !.

2- أن يغير الغاضب مكانه وحالته فيجلس إذا كان قائما، وينام إن كان جالسا، ويمشي إذا كان واقفا، يقول أمير المؤمنين: داووا الغضب بالصمت، والشهوة بالعقل .

‎3- أن يفكر بتمعن في الأمر وبعد ذلك يقوم بما يراه صالحاً لأن الانسان في حالة الغضب يقفز عادة إلى الخلاصة وغالباً تكون غير واضحة وتؤدي إلى استياء الأمور أكثر فأكثر.

4- أن يتوضأ كما ورد في الروايات ويتذكر الغاضب نتيجة سوء عاقبة الغضب في الدنيا والآخرة.

‎5- الاستشارة الطبية، فإذا شعر الغاضب بأنه لا يستطيع أن يسيطر على غضبه وانه سوف يؤدي إلى تخريب جوهر علاقاته باستطاعته أن يراجع المستشار النفسي ليرشده إلى أفضل الطرق للتعامل مع الأمر .

الغضب بين المدح والذم

بما أن الغضب نار القلب ولكن هناك أمور يجب أن يهتم بها الشخص السليم، ومن المستحسَن أن يغضب فيها بصورة عقلانية كالدفاع عن الدين والواجبات وحفظ عرضه وفِي النهي عن المنكر.. عن الإمام الصادق (ع): (المؤمن إذا غضب لم يخرجه غضبه من حق.. وإذا رضي، لم يدخل رضاه في باطل.. والذي إذا قدر، لم يأخذ أكثر مما له).. البحار / ج 78.

ولا شك أن الغضب يُبين جوهر الانسان الحقيقي كما قال الشاعر:

مَنْ يدّعِ الحِلم أغضِبْه لتعرفه *** لا يُعرف الحِلْمُ إلا ساعة الغضب

لهذا يجب أن يعرف الانسان، بأنه لا يستطيع أن يفعل الصواب وهو في حالة الغضب، كما قيل سابقا ليس هناك شخصا يستطيع أن يفكر بشكل صحيح وقبضتاه مشدودتان للقتال.

إذاً بستان الحياة مليئة بالأشواك وساحة الحرب جاهزة على الدوام وتصرفات الآخرين غير متوقعة لذلك لا يستطيع الانسان أن يغير كل هذا، ولكن باستطاعته أن يلزم نفسه ويتعلم كيفية التصرف في ظل العوائق الموجودة، ويغير من الأحداث التي تؤثر عليه ليتجنب الهلاك تحت مخالب الغضب، فالسيطرة على الغضب تؤدي إلى السعادة، إذاً خذ نفساً عميقاً وابدأ الحياة.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي