العنف الاسري ويئد الاحياء

مريم الشرفاء

2016-06-18 01:44

توقفت سيارة الأجرة التي أقلها بجانب دكان صغير فيه من القدم ما يكفي لجعله مدفونا في زاوية صغيرة أعطيت السائق أجرته واتجهت نحو الدكان الصغير لأشتري بعض الحاجيات واذا بصوت عالي يخترق غشاء الطبل، استوقفني دويه في أذني، لماذا كل هذا الصراخ في الشارع حتى وإن كان الشارع يخلو من المارة؛ لا أحد هناك سوى أنا وقطة الحي المتجولة استدرت لأحدد مكان الصوت وإذا بي أجد رجلا مربوع القوام مع امرأة غير واضحة الملامح لأنها تغطي وجهها بحجابها ... وقفت دقيقة حداد أنعى نفسي بالمجتمع لرؤيتي هذا المشهد دون أن اتمكن من التدخل فهذا بمجتمعنا يعتبر شأن أسري خاص، لكن حرقه ما تجولت بقلبي تصرخ تقدمي إياك والوقوف استطعت أن أسحب ثقل قدمي المترددة التي تنهاني عن التقدم وإذا بي أقترب منهم.

العادات والتقاليد فوق القانون والدين!

أنت لا تفهمين ستصلك ورقة طلاقك غدا ولا تقولي اهلي وعمومتي وخوالي وبيت جيرانه أم حسن، ليعلم الجميع أن خروفا تعود بالنفع على صاحبها أكثر منك، يقول هذا وهو يمسك عضدها بقوة ويحدق بوحشية بملائكية عينيها المليئة بالدموع وحدها الدموع دافعت عنها وردت كل تلك الاهانات التي قالها في حقها لكن الدموع ضعيفة أنى لها الصراخ في وجه مجتمع كامل إنني لست كما يزعم هذا الرجل..

اقتربت من المرأة وسلمت عليها: كيف حالك منذ زمن لم أراك

أساسا لا أعرف ما هذا الزمن ولا ماذا أقول ولكن أردت أن أتدخل بشكل أو بآخر وإن كان الأمر لا يعنيني لكنني أشعر أنه يعنيني كثيرا ..

وقفت مصفرة الملامح قطبت حاجبيها هل تعرفينني أنا أعتذر لا أتذكرك؟

قلت لها: نعم مر وقت طويل لم تريني فيه

ردت بشرود ممزوج بخوف ضائع: ربما ذاكرتي لا تسعفني الآن

أخذت هاتفي على عجل وقلت لها سجلي رقمي الجديد عندك وأنا سأسجل رقمك عندي سأحادثك عندما أصل هناك موضوع ضروري أريدك أن تعرفيه، لم تعرف ماذا أقول ومن أنا بل وحتى لم تنتبه أنها أعطتني رقم الهاتف شعرت أنها في عالم لا ينتمي لعالمنا غير مدركة بعد صدمة ما تمر به.

قاطعت شرود ذهنها: ذكريني أم؟

قالت لي فورا أم بسمة والدموع تغطي وجهها بالكامل ..

وأنت أعتذر لا أتذكرك أبدا قلت لها لا مشكلة إطلاقا إسمي أم هادي

سلمت عليها ورحلت، فور مغادرتي بخطوات لم يسكت أبدا ذلك الصوت وبدأ بالارتفاع أكثر فأكثر، مرت على هذه الحادثة أسبوع وأنا منزعجة جدا أساسا لا اعرف لما تدخلت وأنا أعلم جيدا أن التعنيف الأسري يندرج ضمن قائمة شئون الأسرة الخاصة والجميع عليه أن ينصاع لتلك المسميات التي أدرجها المجتمع والصمت يأكل الألسنة ويصم الآذان ، وأنا افكر بحال من يعنف أسريا كيف يعيش وهل له الحق من وجهة نظر المجتمع المبني على أساس حقوق الإنسان أن يعيش لم أعد أدرك ماذا تعني كلمة حقوق الإنسان وحقوق المرأة وكل هذه المسميات وشعاراتها المطالب بها منذ قرون كيف نصل الى القرن الواحد والعشرين ومازالت كل الحقوق شعارات وملفات التنفيذ مركونة في غرفة الإصلاحات، تلك الغرفة لا مفتاح لها أو ربما مفتاحها موجود لكنه في أيدي خاطئة حتما يتوسل ذلك المفتاح أن يرأف به فقد كره الحياة في جيوب مليئة بالظلم والحرام أخذت هاتفي منزعجة واتصلت بالرقم مباشرة.

ردت قائلة: اهلا بك أم هادي كيف حالك

قلت لها: بخير

بعد السلام والكلام فاتحتها بالموضوع متلكئة في إيجاد مقدمة مناسبة

قلت لها من فوري: أعتذر عن تدخلي في ذلك اليوم

قالت: لا أبدا زوجي عصبي قليلا

قلت لها اريد ان أراك أتذكرين عندما قلت لك أريد ان أسألك عن شيء خاص

اجابت بنعم

انتهينا من حديث الغرباء واتفقنا على مكان لا يجتاحه ضجيج بشر

..

_ القصة كاملا

التقينا مرة أخرى وأخيرا

السلام عليكم كيف انت؟

أجابت بهدوء: وعليكم السلام الحمد لله

تحدثنا طويلا ونحن نتجاذب أطراف الحديث قاطعت حديثها بفضول كالعادة ، أعتذر عن التدخل ولكن هل تطلقتي؟

أجابتني بابتسامة ساخرة مع هالة حزن اجتاحت ملامح وجهها الباهت : لا مازالت عائلتي في مشاكل معه إن الموضوع خرج عن إطاري أنا وهو وصارت أكبر بكثير

ما قصتك؟

انا تزوجت منذ 20 سنة ولكن في كل تلك السنين وأنا افعل كل ما بوسعي لأوصل القطار إلى بر الأمان ولكن لا فائدة مع الأسف في كل مرة أتوقف في محطة الفشل ولا طاقة لي على السير أكثر ؛ تصوري بعد كل هذه السنين المفروض أنني الآن جدة ولدي أحفاد قالتها وهي تضحك .

قلت لها مجاملة تجاعيد وجهها تبدين أصغر هل أنت أربعينية؟

قالت لي مستمرة في ضحكتها الساخرة : نعم في منتصف الأربعين تصوري!

كل يوم يضربني لدرجة انه يغمى علي أحيانا يتركني في حبيسة المنزل حتى الطبيب ممنوع أن أزورة كي لا تظهر آثار الكدمات ويعرف الناس أنه يضربني أنه يظهر مظهر الإنسان المتواضع الذي يخاف على أسرته لا أحد يشهد على وحشيته سوا ربي واطفالي إن لم يرضى أحد بشهادة اولادي فالجدران كفيلة بأن تحفر وحشيته وتذكره بها مازالت على الجدران آثار من دمي ...أنظري أيضا كيف أن السجائر أكلت يدي يطفئها في جسدي ويضرم جمرها في قلبي لم يترك وسيلة إلا وعذبني بها

وفي المساء علي أن أعود إلى طبيعتي ولا كأن شيئا يكن أشعر بأن هناك إعصار قد دمر رغبتي بالحياة وجعلني جرداء من كل مشاعر صدقيني أنا تماما الآن كما الصحراء لا أشعر بالحزن أو السعادة لا أدري أساسا كيف يكون مذاق السعادة والحزن؟.

_ ردت متحيرة كحيرتها بالدنيا: لقد سكن بداخلي طويلا وتعودت بوقعة علي حتى بت لا أتذكر طعمه اصبحت أنا هو وهو أنا قلت لها بترجل واثقة من عينيها لأن عينيها تشبه عيون الطفل الذي فقد أمه إن عوده سيغدو قويا هي أيضا ستكون كذلك ولا أحد سيلومها أو يوقفها بظلمه.... أنت لست جرداء ما زلت مزهرة تأكدي أن الوردة وأن ذبلت لن تستحيل إلى صبار ستثمرين يوما ما سألتها مستغربة: لماذا يضربك بهذا العنف؟

ردت بشهقة سحبت كل الهواء لتزفر بكل النار التي بداخلها : يضربني لعدة أسباب وحجج ولكن جميعها تندرج تحت عبارة شهيرة حفظتها منه ومن الجميع منذ صغري : ( أنا رجل ) ولي حق في ذلك.. أتدرين عندما يضربني ويعنفني أشعر بأن الأرض ابتلعت نصفي وراح نصفي الآخر يعذب فوق الأرض، أفرغ كل موتي البطيء والجحيم الذي بقلبي بأولادي أضربهم لأتفه الأسباب

تجدين البيت عبارة عن كومة فوضى من الضياع؛ الجميع في المنزل بات يكره الحياة حتى أصبح أولادي يكرهون أنفسهم تجدينهم لا يتحملون أي شيء إما ينعزلون بمفردهم في المدرسة أو يضربون الأولاد لأنهم يرون حال باقي الأسر غير حالنا عندما انتقلنا إلى بغداد تعبت من محاولتي جمع شتات العائلة وأولادي الكبار بدوء يعصون أمري ولا يحترمونني بمجرد أن أضرب وأهان أمامهم وزوجي هذه المرة الثالثة له يريد الطلاق مني .. ثم تمتمت بصوت مبحوح بقولها يعني لا رجعة لا رجعة!

قلت لها لماذا لا تتطلقين وتبدئي حياتك من جديد أعتبري أن طلاقك بداية لا نهاية.. قالت لي بصوت منخفض : أهلي سيعتبروني عار عليهم لأننا ( بابة عروبية ) والمجتمع أيضا لقد جربت حياة المطلقة لمدة سنتين أنه وئد من نوع آخر .. صدقيني المجتمع لا يرحم، أقرب الناس لك لا ترحم ، أبنتي كانت خاطبة وتركها خطيبها بسبب طلاقي ، وحين عدت لزوجي مرة أخرى من أجل أولادي لا فائدة أنه هكذا منذ أول يوم تزوجته به ليس كل رجالنا هكذا لكن الدنيا حظوظ كما يقال .. غدا سيكون أول يوم للمحكمة ولكن لا فائدة .

قلت لها : أذهبي ولا تترددي أساسا هناك قانون والدنيا ليست سائبة وبالنسبة للمجتمع أنت تعلمين جيدا أن إرضاء الناس غاية لا تدرك أنت ستعيشين بهذا الجحيم والإذلال أم المجتمع؟ .

اقتربت مني وقالت لو كان الأمر بيدي صدقيني لفعلت لكنه أكبر مني بكثير لقد أصبح الآن .. وصمتت

ماذا أصبح؟ احتضنتني وهمست في أني أنه أصبح عشائريا ...

ماذا وماذا يعني؟ أنا اعتذر لم أفهم

سألتني أنت من أين؟

ابتسمت وقلت لها أتعلمين ينبغي أن لا يكون أحد فوق القانون أو الدين ولو عملنا بهما لكنا بألف خير ..

أنا لست من هنا ..

إذا من أين ؟ أنا صديقة الطريق وبالمناسبة أنا لا أعرفك وأسمي ليس أم هادي انا غير متزوجة ولكن شعرت أنك ، أنا للوهلة الأولى وتمنيت أن أساعدك حتى ولو بكلمة تثلج قلبك المدفون بين اجزائك التي تحاول التعايش مع الموت ..؛ أمسكت بيدي وقالت لي شكرا صديقة الطريق أو أيا يكن أسمك فأنت إنسانة ضميرها لم يمت بعد أو عقلها لم يغلف بعد أتمنى ان تبقي هكذا ولا تتغيري أبدا فأنت لا تعلمين كيف تكون حياة المرأة عندنا.. ابتسمت ووقفت بعزاء الابتسامة الكاذبة مرة أخرى ألتقط انفاسي من وسط البكاء الصامت إن البكاء صمتا موجع لم يكن بوسعي أن اقول شيئا ودعتها وتركت لساني يأكل مع باقي الألسنة لكن لم أرد أن أصم أذني معهم .. ؛ خفية كتبت لها في ورقة صغيرة تركتها بجانب حقيبتها لا أدري إن قرأتها لكن حتما إن لم تقرأها ستكتشفها بمفردها في يوم ما.. {إن الحياة سنعيشها مرة واحدة فلنعشها بما يمليه علينا ديننا وضميرنا لا أحد له الحق أن يوئد الاحياء}.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي