لماذا غابت الثقة بين الناس؟
عزيز ملا هذال
2025-09-21 03:19
يعاني المجتمع من أزمة انعدام الثقة بين أفراده بصورة مخيفة، وهذه المشكلة تهدد بطريقة أو بأخرى السلم والأمن المجتمعين، وهو ما قد يوصل كل فرد إلى الانزواء في زاويته الخاصة بعيدًا عن الاختلاط حمايةً لأنفسهم من هذا الخطر، فما هي أبرز صور أزمة الثقة بين بني البشر؟ وما هي الأسباب والحلول؟
تُعرّف عدم الثقة على أنها شعور أو حالة من عدم اليقين تجاه شخص آخر أو موقف ما، ويمكن أن يشمل هذا الشعور عدم الثقة بالنوايا، أو الكفاءات، أو الالتزامات، ومن هذا ينتج حاجز نفسي يصعب تخطيه.
من أعقد الأمور في الحياة التي يمكن أن تحدث للإنسان وأصعبها هو انهيار الثقة بين الناس، إذ تلتئم الجروح الجسدية التي تسببها الكوارث الطبيعية، لكن لا يمكن أن تلتئم الجروح النفسية والمجتمعية والتفكك وانهيار العلاقات والثقة التي يمكن أن تحدث إلا بعد مرور عقود وعقود.
وحين يرن ناقوس انعدام الثقة بين أبناء المجتمع الواحد وبين أبناء المجتمعات، فإننا نتحدث عن فقدان الثقة الذي يتحلل أساس المجتمع وينتج انعدام الثقة الذي يشير بدوره إلى كل علامات التآكل الاجتماعي الذي من الممكن إن بقي على حاله أن يوصل الإنسانية إلى الانطمار وسط ركام الحياة، فيبقى الإنسان إنسانًا بالصورة لا بالمعنى.
ما هي صور غياب الثقة بين الناس؟
من أمثلة غياب الثقة بيننا نحن البشر في وقتنا الحالي هو البحث عن فاتورة الراتب بعد استلامه على سبيل المثال، للتحقق من كونه أعطاك المبالغ كاملة أم لا، ومثلها تحققنا من أية بضاعة نشتريها من السوق سواء كانت أكل أو دواء أو ملبس أو أي أمر آخر، وهذا للأسف أقول إنه مؤشرات دقيقة على غياب الثقة أو تدني مستوياتها بين البشر على أقل تقدير وهذا الأمر مدعاة للقلق والإحباط معًا.
أزمة عدم الثقة في الآخرين من أخطر المشكلات التي بإمكانها تدمير كافة العلاقات في حياة الفرد، وهي تؤثر على مدى رفاهية الإنسان النفسية، وتقلل من قدرته على التكيف مع الحياة بصورة طبيعية، وهو ما يجعل الإنسان المعاصر يعيش أزمة إنسانية متفاقمة.
لماذا غابت الثقة؟
غابت الثقة لعدة أسباب محتملة قد تكون واحدة منها وأكثر هي من أوصلت الأمر إلى هذا الحد، وهذه الأسباب باختصار هي:
من الأسباب التي تؤدي إلى انهيار الثقة بين الناس هو التجارب التي تعرضوا لها في مراحل عمرية سابقة مما يجعلهم لا يأمنون المحيط ولا يثقون به رغم تبدل الأجيال وتقادم الأحداث المؤلمة.
ثاني الأسباب المحتملة هي ذهاب المجتمعات صوب البراغماتية التي جعلت الإنسان يبحث عن المصلحة بكل الطرق والوسائل المشروعة وغير المشروعة، فالإشباع في مثل هذه الحالات هو الهدف مما يتسبب بأذى كبير لأبناء المحيط لذلك تنعدم الثقة.
كيف تُعاد الثقة بين الناس؟
لكي نعيد الثقة بيننا نحن البشر لا بد من إعادة ترميم القيم المتهالكة لتكون الدعامة الرصينة لحماية مصالحنا البشرية بعيدًا عن الاستغلال البشع الذي يغيب حضور أحد أركان الإنسانية وهو التراحم وتبادل المنفعة باحترام.
وعلى الإنسان الذي يعاني من فقدان الثقة بالمحيط أن يبحث في سلوكيات من حوله ويمحصها ويجرب أفرادها، وبعدها يقرر الاشتراك معهم إن حصل الارتياح أو الابتعاد إن لم يحصل الارتياح، وبالتالي لا يدخل أي فرد في نشاطات عشوائية قد يتضح فيما بعد أن فيها انتهاكًا للثقة مما يجعل من انهيارها أمرًا حتميًا، وبهذين الأمرين قد يعيد الإنسان لنفسه الثقة بمجتمعه ويغادر أزمته.