وباء المخدرات يكتسح البنية الاجتماعية
علي حسين عبيد
2023-05-23 07:21
البنية الاجتماعية هي حاصل جمع الشرائح التي يتكون منها المجتمع كله، وإذا صحّت شريحة ما يسهم ذلك إيجابا بتطوير الشرائح الأخرى، فإذا تطورت شريحة الشباب والطلاب سوف ينعكس هذا بشكل إيجابي واضح على تطور البنية الاجتماعية كلها، أما إذا حدث العكس وتخلخلت هذه الشريحة الكبيرة في العراق، فإن بنية المجتمع كله تُصاب بالاختلال.
مهمة الدولة والمؤسسات التربوية والتعليمية هي ترصين البنية الاجتماعية وليس العكس، لهذا فإن معظم المشكلات الاجتماعية يمكن أن نتحاشاها في حال كانت البنية التربوية والتعليمية مصانة ومحمية ومتطورة وراسخة في إجراءاتها ومناهجها ونشاطاتها المختلفة، ويُقال إن التجارب أثبتت بأن قوة المجتمع تبدأ بقوة مؤسساته التربوية والتعليمية وسلامتها، وتصاعد دورها التطويري للشباب وعموم المراحل العمرية لاسيما صغار السن.
هذا الدور المهم لقادة المؤسسة التربوية يوجب عليهم أن يتنبّهوا للخروقات السلوكية المختلفة التي قد تشكل وباءً خطيرا يمتد للشرائح الاجتماعية الأخرى، فتبدأ هذه البنية المهمة بالضعف والتراجع، ومن ثم الانهيار، وبالتالي علينا أن نتوقع انهيار شامل للمجتمع في حال إهمال التهديدات الاجتماعية الخطيرة التي تخترق البنية التربوية بشكل خاص.
أولويات الحلول وأهميتها
فهناك بعض المشكلات العصية على الحل، قد يُسمَح للمعني بتركها إلى وقت آخر مناسب، مع عدم إهمال البحث عن حلول جادة وصحيحة لها، لكن هنالك مشكلات تشكل تهديدا مصيريا للناس وهذا النوع من المشكلات لا يمكن تأجيله، لأنه سوف يقود إلى تدمير المجتمع بشكل مروّع، والصبر على مثل هذه المشكلات والأزمات ليس صحيحا مطلقا.
ومن أبشع الأزمات والمشكلات التي نواجهها اليوم في العراق،، أزمة أو مشكلة انتشار المخدرات بشكل يفوق التصور، فحين يمتد خطر هذه الظاهرة أو المشكلة إلى أطفالنا، فعلينا أن نفهم حجم الخطر الذي نتعرض له في وجودنا وكينونتنا وما يتهدد أجيالنا الحالية والقادمة.
لقد دق ناقوس الخطر الكبير بعد وصلت المخدرات إلى مدارسنا الابتدائية، وهذا ما حصل في إحدى مدارس السماوة كما رأينا ذلك في أحد الفديوهات التي تم بثها بشكل واضح وعلني على إحدى الفضائيات في حوار حول مشكلة المخدرات وانتشارها بشكل غير مسبوق.
إن المخدرات مرفوضة جملة وتفصيلا ولكل الأعمار، وهذا ما يتفق عليه الجميع، ولكن الآن تصل هذه الظاهرة الخطيرة إلى المدارس الابتدائية، وتهدد حياة أطفال العراق، فهذا ما لا يجب السكوت عنه مطلقا، والحقيقة كلنا نعيش حالة من الاستغراب على كيفية بلوغ هذه التجارة البشعة إلى المدارس الابتدائية.
تهديد حياة الأطفال
وهناك تساؤلات عديدة حول من يسوقها ومن يسمح بها وكيف تدخل إلى المدرسة الابتدائية وكيفية المتاجرة بها ومن يروجها؟، ولا أحد يجيب عن هذه الأسئلة وسواها، لذلك لابد من العمل الفوري والتصميم الحقيقي على محاصرة هذا الخطر المتفاقم الذي يسعى لتدمير أطفالنا، وبالتالي تدمير المجتمع كله، وإسقاط أركان الدولة العراقية حاضرا ومستقبلا.
وأي مستقبل يمكن أن نتصوره في ظل أجيال تُبنى طفولتها بالمخدرات، علما أن هؤلاء الأطفال هم أمانة في أعناق الكبار وأن المتعاطين منهم لا يدركون ما يفعلون، وإن من أوصل المخدرات إليهم ونشرها بينهم هم الأشرار من كبارهم، لهذا لابد من وضع خطط متخصصة تقوم بمحاصرة هذه المشكلة الظاهرة، وتضع لها الاجراءات اللازمة بحيث تتم معالجتها بشكل صارم ودقيق.
إن حالة الاهمال وعدم المبالاة التي تسود في معالجة الأزمات، وعدم التصدي لها بشكل حازم، يجب أن لا تستمر، وهذه الظاهرة التي نتكلم عنها هنا في هذه المقالة السريعة، يجب أن تُستثنى من (الاهمال واللامبالاة)، ولابد من المباشرة الفورية في التعامل معها بشكل جاد وسريع ودقيق ومناسب لمنع امتدادها إلى مدارس ومؤسسات واجيال أخرى.
علما ليس الحكومة وحدها من يتحمل المسؤولية عن هذه الظاهرة الخطيرة، ولا الأجهزة المتخصصة وحدها، بل هناك مسؤولية كبيرة ومباشرة على الآباء والأمهات وعائلات الطلاب الصغار، عليهم أن يتعاونوا ويتصدوا لهذه الظاهرة من خلال مراقبة أطفالهم ومتابعتهم والاهتمام بمشكلاتهم وإبعادهم عن دائرة خطر المخدرات المحدق بهم.