الحماس نعمة لنحافظ عليها
محمد علي جواد تقي
2023-01-22 05:10
هناك صفات لدى الشعوب لها تعبر عن هويتها وطابعها الثقافي، منها؛ الحماس والتفاعل مع الاحداث والقضايا داخل البلد وخارجه، فتكون منفتحة على الثقافات وعلى أصحابها، أو تجد أنسها في استقبال الزائرين من مختلف بقاع العالم، كما تجد المكسب والفائدة من تجارب الآخرين في مختلف نواحي الحياة، مع احتفاظها بهويتها الثقافية، وخلفيتها الحضارية، وهو ما يمكن ان نجده نسبة لا بأس بها في الشعب العراقي.
بينما ثمة نماذجاً من نوع آخر لها طابع الانطواء مثل الشعب الياباني، والشعب الألماني، كما هناك شعوب في العالم معروفة بحبها للترف والمُتعة أكثر من بذل الجهد للتطور والتقدم بفضل مواردها المالية الوفيرة، فلا تجد حاجة للآخرين مطلقاً.
الحماس له مظاهر عديدة، ربما نجده في مناسبات الفرح والابتهاج، كما نراه في مناسبات الحزن والرثاء، وكما نراه في التفاعل مع الزائرين الوافدين من مختلف بلدان العالم، بل نجده في السلوك الفردي داخل المجتمع الواحد، بما يُسمى في العراق بـ "النخوة" وإغاثة المحتاج والملهوف.
ويمكن عدّ التجمهر على ملاعب كرة القدم لمشاهدة المباريات عن قرب، وتشجيع المنتخب الوطني أحد مظاهر الحماس والتفاعل مع الحدث الرياضي، وإن تحصل أخطاء قاتلة، كالتي حصلت بوفاة اثنين من المشجعين، أو اكثر-حسب المصادر- في التدافع نحو الملعب قبل ساعات من انطلاق المباريات النهائية في بطولة الخليج بنسختها الخامسة والعشرين في مدينة البصرة، فهي تعود الى الجهات المعنية بالتنظيم، وليس الى حالة الحماس نفسها.
معيار لمستوى الثقافة
مثل أي تجمع بشري في أي مكان يكشف عن طبيعة الافراد في سلوكهم وأخلاقهم وعاداتهم، كأن يتجمهر المحبون لاستقبال زعيم لهم، او يتجمهرون لاتخاذ موقف سياسي ضد النظام السياسي القائم، او ضد سياسات دول أخرى، او حتى للتجمهر حول محال تجارية للحصول على سلع ضرورية في أوقات الازمة، بل حتى في الشارع العام التي تزدحم فيه السيارات والمارة، كذلك الحال في الملاعب الرياضية بشكل عام، تكون الفرصة لمعرفة ثقافة الافراد والمجتمع كاملة في احيان كثيرة.
وما اذا كان السلوك العام يميل الى العنف والفوضوية، أم الى التعقّل والهدفية، فنحن نلاحظ أحداث العنف القاتلة في بعض الملاعب الاوربية خلال مباريات الاندية التي تمثل للمشجعين رمزاً مناطقياً وقومياً وعرقياً، ومن أجلها تسيل الدماء، ويحلّ الدمار، بينما لا نلاحظ مناظر من هذا النوع في بلدان اخرى، منها بلادنا الاسلامية، ولهذا خلفيات عديدة تعود الى ذات الأفراد، ودوافعهم للعنف مثل؛ تغوّل الامراض النفسية، والمراهنات، وغيرها، الى جانب العادات والتقاليد الاجتماعية.
قرأت مقالاً عن حالة المشجعين في إحدى البلاد الاسلامية التي شهدت انفجاراً هائلاً للمشاعر الجماهيرية بسبب نفس هذه المباريات، وعزا الكاتب في تحليله لهذه الظاهرة بأنها "فرصة من ذوي العقد النفسية والمبتلين بعقدة الحقارة والدونية للظهور أمام المجتمع بعد تهميش لفترة طويلة".
فكما يكون ذلك التجمهر في تلك الدولة إشارة الى حالة نفسية خاصة في ذوات الافراد، فانها في العراق ربما تكون فرصة للتعبير عن حب الوطن، وإلا ما الذي يدفع بامرأة ترفع يديها في الشارع أمام شاشة العرض العملاقة للدعاء بفوز المنتخب العراقي؟
الاستثمار
من المؤسف ان تنهدر سيول العواطف والمشاعر في ساعات معدودة وسريعة ثم ينتهي كل شيء دون الاستفادة من هذا الحماس الجماعي العظيم في التحشيد حول فكرة معينة، او قضية تهم الجميع، كأن تكون لفت الانظار الى شريحة الفقراء والمرضى والمحتاجين، او لمحاربة الفساد وغيرها مما يشكو منه المجتمع.
ولمن يسأل عن كيفية الاستثمار هذا ما عليه سوى الالتفات الى الكم الهائل من الدعايات حول ملاعب كرة القدم في العالم، وتخصص مؤسسات كبرى في صناعة الاعلانات، من حيث المحتوى والشكل، وكلما كانت الدعاية للسلع التجارية أكثر جذباً لانبتاه الجمهور كانت أعلى تكلفة، والقضية اليوم تُعد بملايين الدولارات.
وجود هذه الحالة النفسية المتحفزة لدى العراقيين يحمّل المعنيين مسؤولية الاستفادة من هذه الفرصة الزمانية والمكانية لخدمة المتحمسين انفسهم وخدمة الصالح العام، والقضية لا تعود الى المؤسسة الرياضية فقط، وإنما تشترك فيها مؤسسات اعلامية وثقافية ترسم للجمهور الطريق الصحيحة للتعبير عن مشاعرهم، وفي الوقت نفسه تصب كل هذا الحماس في رافد ثقافي ينشر الوعي ويعمّق المشاعر الايجابية والانتماء الى الهوية والقيم والمبادئ.