الثبات على الحق مفتاح النهضة
اخلاص داود
2021-09-29 07:17
يتطلب اخذ الحق انسانا قويا يعرف حقه ويصرّ على أخذه ويصعب التنازل عنه، ويبذل الجهد لاسترداده، من منطلق معرفته بقيمته وقيمة جهوده وحدوده التي يتعامل بها، ويرفض ان يكون مستكينا كسيرا ذليلا مهما اشتد عليه الظلم، ايمانا منه ان السكوت يُذهب الحق ويساعد على الجشع والتمرد.
وهو لا يشتبه او يخلط بين الخوف والخجل والتنازل، ولا يملك نظرة الانكسار ان شعر ان حقه سيضيع او يصبّر نفسه بفكرة انتظار انتقام الله جل جلاله، فهو مؤمن ان الله هو المنتقم والناصر، وللبشر السعي ومن الله التدبير.
دور التنشئة الاجتماعية في الثبات على الحق
ان صفات البقاء والصمود والحزم امام الظلم وسلب الحق أي كان نوعه سواء التي منحت للإنسان من قبل رب العزة كالحق في الحياة والحرية والرفاهية او الحقوق في العمل والمال، والموجودة عند البعض وغائبة عند الاخر، تأتي من البناء الذاتي المكتسب من خلال ما يمر عليه في غمار الحياة اليومية من المواقف والعبر والتجارب والمعرفة، كما ان العامل الوراثي والتنشئة الاجتماعية تلعب دورا مهما.
ويوضح المتخصصون في علم النفس السلوكي والتنمية البشرية، دور الاسرة المتعلق بالتربية في معرفة كيف يأخذ الشخص حقه ويكون قويا وصلبا، حيث يمر الانسان في ثلاث مراحل او كما تسمى في علم التنمية البشرية (البرمجة الخارجية)، وهي تشكيل القيم وتحولها تبدأ من السبع سنوات الاولى للطفل وتسمى بعمر التمثيل وهو تقليد ما يفعله الاب والام والعائلة، والسبع سنوات الثانية تسمى السن الاجتماعي اي كسب بعض العادات من الاصدقاء والمقربين والثالثة السبع سنوات في حياتنا تسمى سن الاستقلال وتشكيل البناء الذاتي.
وللمجتمع دورا اذا تداخلت فيه التقاليد والأعراف المؤثرة سلباً على حقـوق الفرد، والذي يدل على وجود الإكراه أو التـدخل غير المبرر والذي يؤدي الى الإقلال من قـدراته. ويكون رادعاً كبيراً خصوصا للمرأة واليتيم والفقير ويمنعهم من المطالبة او الثبات حتى استرداد الحقوق.
ينبغي التأكيد على أن الثبات على الحق متأصلة في الكائن البشري، وليست مشروطة دائما بوجود اعتبارات ودوافع واسباب اخرى، في ذات الوقت لا ينطبق على الجميع، وعليه ان لا نغفل ان المسؤولية المؤثرة والمهمة التي تقع على عاتق، الأسرة والجماعة والمجتمع والمؤسسات التعليمية، في منع انتهاكات حقوق الفرد وتساعده في تحقيق تطلعاته وبناء ذاته وتعلمه احترام حقوق الاخرين.
دور الدولة في تجسيد العدالة بين الافراد
ان الثبات على المطالبة بالحقوق وثيقة الارتباط بالكرامة والمساواة، كما انه ثمرة التعاون الفكري والأخلاقي بين المجتمع والدولة، ولا يمكن تحقيق المثل الأعلى المتجسد في مجتمع عادل يحاسب به الظالم مهما علا شأنه وينصر المظلوم المعدم، إلا إذا وُجدت الظروف التي تتيح لكل شخص التمتع بحقوقه الاجتماعية والاقتصادية و السياسية ..الخ.
وغياب القانون أو ميوعته يلعب دورا كبيرا في ضياع الحقوق والحاق الضرر والأذى بالأفراد البسطاء والطبقة المتوسطة والفقيرة، فصاحب الحق لا يمكنه استرداد كامل حقوقه في منظومة يغيب بها مبدأ تساوي الأفراد امام القانون، ويمكن للظالم ان يجعل القضاء في صالحه، وتجعل اشجع الشجعان لا يستطيع ان يقف بثبات ويدافع عن حقه في مجتمع ودولة كثر فيها السكوت على الظلم والتنازل عن الحق.
تتحمل الدول المسؤولية الرئيسة في حماية وتطبيق قوانين حقوق الانسان وتعزيزها والنهوض بها، وضمان عدم انتهاك الحقوق التي كفلها القانون والوقوف بوجه من اعاق تطبيقها مهما كانت هذه الجهات فاعلة في الدولة والمجتمع، وترسيخ هذه الحقوق في التقاليد التي لا تتسق مع القانون.
من كلام الحكماء يقال: إن إرادة الإنسان جزءا مهما بالثبات على المطالبة حتى لو كان استعادة ولو جزء يسير من حقه ولا يخضع او يستسلم لفساد السلطات والنظم والأعراف غير العادلة، ونحن نقول الله يعين كل مظلوم في هذا الزمن الذي كثر فيه الظلم والتواطؤ والسكوت عن الباطل.