تربية الطفل وتحديات العولمة
ريما الحاج علي
2021-07-20 04:25
إن عملية تربية الطفل وتنشئته في عصرنا الحاضر تعتبر من معايير تقدم المجتمعات وتطورها؛ لأن أطفال اليوم هم رجال الغد، وبهم يقوم يبنى المجتمع ويتقدم، وتتطلب تربية الطفل وتنشئته إستيعاباً جيداً وفهماً لكثير من الحقائق التي تتعلق بخصائص المرحلة العمرية التي يعيشها الطفل في كافة الجوانب الحياتية، فالتنشئة الاجتماعية تعد من أهم المهام في حياة الفرد وتكوين شخصيته؛ لأنها عملية تفاعل إجتماعي يتعدل فيها سلوك الفرد بما يتفق مع مجتمعه وبذلك تسهم إسهامًا فعَّالًا في بناء الفرد، وتشكيل الأسرة، وتكوين المجتمع، وبناء المستقبل.
قد تواجه الجماعات الإنسانية عادةً بعضَ التحديات في تنفيذ عملية التنشئة الاجتماعية لأجيالها، لكن مشكلة التنشئة الاجتماعية في هذا العصر في ظل العولمة والتكنولوجيا الطاغية بدت أكثر صعوبةً وأشد تعقيدًا، خاصة وقد أصبَحت المؤسسات الإعلامية تنازع المؤسسات التقليدية للتنشئة، وتؤثر تأثيراً مباشراً في غرس القيم وتنمية الاتجاهات.
والعولمة هي العمل على تعميم نمط حضاري يخص بلداً معين على بلدان العالم أجمع، ومن أهم أنواع العولمة هي الاقتصادية، الثقافية، السياسية، العسكرية والتربوية التي تعتبر اكثرها اهمية وخطورة.
التطور السريع في مجال الثقافة الالكترونية حمل أساليب جديدة لجذب الإطفل ودفعه للإدمان وهي نوع من أنواع السيطرة على وعي الطفل في نمط ثقافي محدد يؤمن بقيم الصراع والقوة والدعوة للحرية غير المسؤولة.
ومن البديهي أن تنشأ لدى الطفل دوافع نفسية متناقضة بين ما يتلقاه عبر الثقافة الالكترونية وبين ما يعيشه في واقعه اليومي في البيت والمحيط الإجتماعي، مما يؤدي الى شعوره بحالة نفسية معقدة نتيجة لوجود مجموعة قيم متنافرة ومتناقضة.
ومن المؤسف ان أطفالنا لا يدركون سوى أبواب الألعاب الإلكترونية التي تتنافس الشركات المنتجة على ترويجها كنوع من أنواغ الغرس الثقافي الفكري المباشر مما يجعلهم ينغمسون فيها بصورة خطرة غير مدركين لاثرها السلبي عليهم.
فالتربية تعد أمرا صعباً لا يستطيع القيام به كل على حدة فهي مسؤولية البيت أولاً ومن ثم المدرسة والمحيط وكلما إتسع نطاق البيئة التي تتم فيها هذه المهمة إزدادت تحدياتها وصعوبتها وبرز فيها خطر التأثر بما يمكن إكتسابه وتلقيه من أفكار وسلوكيات، وفي عصر العولمة البيئة هي العالم كله على ما فيه من تنوع واختلاف في الثقافات والديانات.
إن زماننا هذا زمن الانفتاح والتغيرات ومع كثرة التقنيات والفضائيات وكثرة الثقافات أصبح الجيل يعيش اليوم في مفترق طرق وتحت تاثير هذه التغيرات ولا شك أنها تسبب لهم كثيرا من المشكالات النفسية والتربوية والاخلاقية.
فلا يمكن إعتبار الأسرة هي المسؤول الوحيد عن التنشئة الاجتماعية اذ أصبح هناك العديد من المؤسسات الاجتماعية الأخرى التي تشارك في هذه العملية إلا أنها تظل الأكثر أهمية وتأثيراً خاصة في سنوات الطفولة الاولى، ولا شك ان دور الأسرة في التنشئة الاجتماعية إكتسب أهمية مضاعفة مع أنتشار الفضائيات والبرامج الالكترونية وما تطرحه العولمة من فرص وتحديات جديرة بالتأمل والدراسة، فبقدر ما كانت عمليات التنمية والتغيير الاجتماعي تطرح على الأسرة مشاكل وتحديات تتعلق بتكوينها وتماسكها ودورها في عملية التنشئة بقدر ما كانت هذه المشاكل والتحديات تبرز دور الأسرة وتعقده وتؤكد أهمية الأدوار التقليدية التي يجب أن تقوم بها الأسرة خاصة في ظل الانفتاح اللامحدود الذي فرضه عالم العولمة الجديد كي لا تفقد قيمها ومبادئها.
العولمة تلعب دوراً رئيسياً في زيادة الفجوة والتباعد والتفاوت الاجتماعي والتعليمي والمعرفي بين الناس، كما أن نتائج العولمة الاقتصادية قد تفرض على بعض الدول الى التحكم بمؤسسات التنشئة الاجتماعية كالتعليم والاعلام وبالتالي تحجيم الرؤية التربوية، وفوق كل شيء تحديد أنماط العولمة الجديدة، إذ تصبح الأهداف الانسانية والثقافية والإجتماعية للتعليم تخدم أهداف القرية الكونية الواحدة.
فلسنا مبالغين ان قلنا أن العولمة أصبحت أمرًا واقعيًا أمام كل المجتمعات العالمية، واصبح العالم قرية واحدة تمارس أنشطتها الهادفة من خلال إمكانياتها المختلفة والمتطورة، متحدية كل الحواجز التي تحول بينها وبين جميع المجتمعات البشرية ومن هنا نوصي بالآتي:
1- يجب على الأباء ضرورة إعطاء الثقة لأطفالهم وتنمية الاستقلال لديهم لينشئوا اصحاب نفوس صحية سليمة ويصبح بإمكانهم أن يستجيبوا بايجابية لجميع عوامل التحدي الاتية من العولمة وما تحمله من توجهات قد لا تخدم تماسك الاسرة والمجتمع.
2- ضرورة وجود حاجة ملحة لبناء وتفعيل برامج التربية الوالدية السليمة والتي يتم عن طريقها تدريب الأباء وأولياء الامور على الممارسات والتفاعل السليم بين مكونات الاسرة، لكي تكون قيادة الاسرة على وعي وادراك لما سوف تؤدي إليه من نتائج لدى ابنائها.