المعاملة الصامتة: سلوك عقابي ام اصلاحي؟

عزيز ملا هذال

2021-05-23 02:02

بعد مشاجرة او اختلاف في الآراء بين طرفي علاقة يفضل احدهم الى تجاهل الاخر وعدم الرد على فعله او كلامه او التواصل معه بأي شكل من الاشكال في محاولة منه لإشعاره بتأنيب الضمير او الاذعان والاعتذار او تصحيح الخطأ على اقل تقدير، هذه الطريقة في للعقاب او ابقاء الود تحصل بين الاصدقاء او زملاء العمل او بين الاب وابناءه لكن الميدان الاوسع لها في العلاقات الزوجية، ويزداد ألاثر الماً كلما كان الشخص الذي يمارسه ذو صلة حميمة، وهذه السلوكية تدعى بـ(المعاملة الصامتة).

الرجال والنساء يستخدمون هذا الاسلوب التعبيري، وقد يقع احيانا أحد الزوجين دون الآخر ضحية لهذه المعاملة الفاترة ما قد يدلل على وجود خلاف لباقي العائلة سواء من اهل الزوجين او اطفالهم، صمت الشريك قد يكون ليس انتقامياً بقدر ماهو وسيلة للتعبير عن الاستياء وقد يصاحب باهتمام أكثر من ذي قبل بالأطفال او غيرهم ممن يتواجدون في المنزل.

مصطلح المعاملة الصامتة ظهر للمرة الاولى في القرن التاسع عشر في اوروبا حيث كان يمنعون المساجين من التحدث وعدم التحدث ايضاً سوى مناداتهم بأرقام مجردة بدل من أسمائهم وتغطية وجوهم بحيث لا يرون بعضهم بعضا لاعتقادهم ان هذا قد يحفزهم على التفكير بجرائمهم، معتبرين ان هذا الاسلوب اشد اذاً نفسياً من العقوبات الجسدية الضرب والتعذيب وغيرها.

وتعتبر المعاملة الصامتة في بعض حالاتها من أكثر الوسائل سلبية وأعمقها عدوانية، ويستخدمها الفرد كوسيلة للتعامل مع الطرف الآخر او هو تكتيك يعرفه ويستخدمه كلا الزوجين لكن الأبحاث الحديثة وجدت مؤخرا أن الأشخاص الذين يعاملون أحباءهم معاملة باردة كهذه سيكونون هم أنفسهم بنهاية المطاف غير سعداء ومتألمين بنفس القدر او أكثر من شركائهم.

الباحثون في العلاقات الاسرية والزوجية يصفون المعاملة الصامتة بأنها جمود سلبي او هو شكل من اشكال فك الارتباط في الحالات الزوجية إذا يوصل الزوجان الى حالة من الغليان والاستياء ما يمنعهما من التواصل مع بعضهما بعد وقوع الاختلاف وقد يؤدي الى نتائج وخيمة إذا استمر لفترة طويلة.

قد يستخدم اسلوب المعاملة الصامتة كتكتيك دفاعي كما يقول استاذ علم النفس في جامعة بايلور بتكساس (كيث سانفورد): "انه تكتيك دفاعي، يستخدمه الأزواج عند شعورهم بالتعرض بهجوم في علاقتهم وثمة ارتباط مباشر بين الانسحاب العاطفي والارضاء الضعيف عموما في العلاقة"، مما قد يؤدي الى الانسحاب العاطفي الذي يعد من أكثر الامور صعوبة بالعلاقات الزوجية لكنه المخرج النهائي منها حين تفشل كل المحاولات للإصلاح.

بعض المختصين في العلاقات الاسرية يقولون ان اسلوب المعاملة الصامتة يهدف صاحبه من خلاله الى التحكم في الآخرين ورفض آرائهم عبر التجاهل واللامبالاة ويسبب الم نفسي للطرفين لكن بنسب متفاوتة قد يكون الاكثر عطفاً هو صاحب النصيب الاكبر منهم، اما الفريق الآخر من النفسين والاجتماعين فأنهم يرون انه منفذاً مهماً للتهدئة في لحظات الانفعال والغيان فالأكثر تحكماً في انفعالاته يحاول ان ينزوي في أحد زوايا المنزل منعاً للتصعيد بين الطرفين وهو موقف متعقل ومسؤول يراد من وراءه البقاء على الكيان.

وهناك غايات اخرى للمعاملة الصامتة غير التي ذكرناها وهي: قد تحدث بدافع الحماية من علاقة مؤذية وهو أحد أشكال الانسحاب الإيجابي الذي يتعبه الفرد لحماية نفسيته، او قد يكون ضعف القدرة على التواصل وهو نوع شائع لدى الأشخاص الذين لم يتلقوا تدريبا كافيا يؤهلهم للتعامل مع المشكلات التي يواجهونها فيفضلون الصمت وقد لا يفرق البعض بين كونهم ذوي شخصيات غامضة او انهم لا يمتلكون القدرة على التعبير، هذه هي الغايات التي تشكل في مجملها اسباب حدوث هذه السلوكية.

اما الاستراتيجيات التي تحد من هذه السلوكية غير المريحة او التي تخمد جزء من نيرانها فهي: اذا كان الغرض من الصمت هو التهدئة لتجنب قول او فعل انفعالي يؤدي للندم فيما بعد فيجب الاستمرار على هذا المبدأ الجميل الذي يرمي الى حفظ العلاقة وديمومتها، ومن ثم بعد فوات مدة زمنية يكون خلالها الزوجين قد وصلا الى حد كبير من الهدوء لابد ان ينتهي الصمت وتبدأ فترة بيان اسباب المشكلة والعتب اللطيف والاعتذار الذي يطيب النفوس، وحين يصر احد الطرفين على ابقاء الصمت هو المتحكم فالأفضل ابقاء الاحترام قائماً مع ابعاد الصراع عن الاطفال لأن ذلك سيؤثر على نفسيتهم او قد تتشوه صورة آبائهم في اذهانهم، هذه ابرز الاستراتيجيات التي تبقي العلاقة في اطار المقبولة وان كانت صامتة وحتماً ستعيد الامور الى جادة الصواب ولو بعد حين.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا