احذروا السقوط في فخ التعاطف
عزيز ملا هذال
2021-05-20 06:54
التعاطف هو ما يبقينا بشر ويعرف على انه القدرة على الاحساس الحقيقي بالمحيط والتعرف على حاجياتهم والشعور بهم والتعامل مع المهم ومعاناتهم وهو أفضل ما يقدمه الانسان لأبناء جنسه، ويعبر عنه علم النفس بعبارة (أن ننزف معا)، لكن هل يعتبر هذا التعاطف في جميع حالاته صحياً؟، ومتى يدلل التعاطف على وجود خلل في علاقة مجهدة وليست علاقة تمنحك شعورا بالقوة والاتزان.
بالرغم من اهمية التعاطف وامكانية وصفه بالجذوة التي تلهب انسانية الانسان على المستوى الفردي والجماعي الا انه تمت اساءة استخدامه وتوجيه فيمكن ان يدفع الفرد الى تعطيل تحكيم العقل وأنْ يزيح المنطق او انه يتخذ خيارات متحيزة، فمقطع فديو صغير مقتطع من فلم او قصة ملفقة تنشر على حساب فيس بوك بإمكانها ان تحمس الناس وتستميل تعاطفهم وتدفعهم لتكوين آراء أو اتخاذ قرارات لا علاقة لها بالصحة بداعي التعاطف والشعور بالآخر.
من المنطقي ان نتعاطف مع من حولنا لكن بحدود لان التعاطف الزائد عن حده يوصل صاحبه الى مرحلة مرهقة جداً يصبح فيها التعاطف عبئاً، فالتعاطف الصحي هو فهم أننا مجرد زوار لعواطف الآخرين ولسنا ملاكا لها ولا يمكن أن نسمح لها أن تملكنا لا ذلك سيجعلنا نصاب بالإرهاق العاطفي، وفي هذا السياق تقول المختصة النفسية (سيغال): "عليك وضع حدود تحميك مقدما لإيصال ما تشعر به تجاه هذا الشخص ولا تسمح أبدا له أن ينتهك سلامك الداخلي تحت دعاوى التعاطف والانسانية.
ومن الطبيعي ان الاعتياد على ما يحصل حولنا يفقدنا الكثير من التعاطف على سبيل المثال اننا اعتدنا ان نرى الاطفال يبيعون الشاي والكلينكس او العلك عند اشارات المرور، في البداية كنا نتعاطف معهم ونشتري من بضاعتهم رغم عدم حاجتنا الحقيقية لها الا ان كثرة اعدادهم واستمرارهم على هذا النحو جعلنا قليلي الاكتراث لهم والامر لا يدلل على انانيتا او انحسار انسانيتا بل بسبب الإجهاد العقلي الذي اعترانا.
وبحسب المتخصص في تطوير الذكاء العاطفي (جاستن باريزو) فأن الاشخاص فالذين يظهرون درجة غير طبيعية من التعاطف، غالبا ما يفتقرون إلى القدرة على تنظيم هذا التعاطف ويؤدي إلى عادات وعلاقات غير صحية ونتائج سلبية على المتعاطف، على سبيل المثال حين نصادف حادث سير في احد الطرقات العامة يبادر احدنا الى نقل الاشخاص بداعي الانسانية والتعاطف وانقاذ حياتهم الا ان هذا التعاطف يحولنا من رحماء بنظرنا الى قتلة بنظر القانون سيما اذا كان ذوي المقتول او المصاب بالعنجهية والعصبية، وحينها يقع الانسان في ما يعرف بـ (فخ التعاطف).
يبدو ان هناك عوامل عديدة تسهم في كمية تعاطف الفرد مع الاخرين منها التنشئة الاجتماعية اذا تحدد البيئة التي ينشأ فيها الانسان فيما اذا كان متعاطفاً في حدود طبيعية ام متعاطف بصورة غير طبيعية وفي الغالب ما يكون التعاطف انعكاساً للقيم والعادات والافكار التي غرست فينا في سن مبكر عن طريق الاهل ، اما السبب الاخر هو ان المتعاطف قد عانى في مرحلة زمنية من فقدان التعاطف معه وهو يمر بأزمة او مشكلة معينة وحين يرى احد يمر بنفس المشكلة يشعر به ويحاول الوقوف معه لحالها او لتخفيف العبئ عنه، او قد يحدث ان تكون خبرة الفرد المتعاطف مع المستحق وغير المستحق لأنه قليل الخبرة وحديث عهد بمشاكل الشارع مما يجعله يقع ضحيت تعاطفه، وانا شخصياً وقعت ضحية تعاطفي مع امرأة بعمر الستين او اكثر كانت تدعي انها بحاجة الى علاج وحين ذهبت معها الى الصيدلية لوح لي الصيدلاني بأنها محتالة تأخذ العلاج وتسترجع بعد دقائق وتنتفع من قيمته مما اضطرني الى ارجاع العلاج.
ولتفادي الوقوع في فخ التعاطف والبقاء على نسبة تعاطف مقبولة ينبغي ان يكون المتعاطف متعقلاً باحثاً عن اسباب الهزيمة او الخسارة او الانكسار ومساعدة المعطوف عليه في حل مشكلته بيده فلم تنفعه الحلول الجاهزة المقدمة بل تضعفه اكثر وتجعله يتكل على الاخرين ويلجأ اليهم عند حدوث اصغر مشكله له وبذا عمقنا المشكلة ولم نحلها، ومن الافضل ان يترك الانسان لنفسه مساحه للتفكير عند سماعه او رؤيته حالة تستدعي التعاطف فلربما يكون الموضع مفتعل لكسب ود الناس او كسب المال مثلما يحصل في الكثير من الحالات التي نراها ونسمع بها سيما في مواقع التواصل الاجتماعي والتلفاز، فمن المهم اجراء تقييم ذاتي صادق لكيفية شعورك بمجرد الانتهاء من تصفح تلك المواقع، وفي الختام اود الاشارة الى انني لست بصدد منع التعاطف والوقوف بوجه بل اشدد على اهمية تنظيم التعاطف وجعله في محله وبالتالي تحقيق المنفعة لمن يستحق.