ما زال في القلب متسع للتسامح!

اسماء محمد مصطفى

2019-06-30 04:10

التسامح، يبدأ من الذات خروجاً الى العالم من حولنا، هكذا أرى الأمر، إذ لو أردنا أن نعرف إن كنا قادرين على التسامح والتصالح أم لا، فإنّ علينا النظر الى مرايا ذواتنا، لنرى أنحن بمستوى هذه المفردة الرائعة الراقية التي تزرع الخير في كل قلب أم لا؟!.

المسألة ببساطة، تبدأ من مقدرتنا على الحب، حب الإنسان، حب الآخر، ولست أقصد بالآخر ذاك الذي يعمل لنفسه فقط ويقوم عن قصد بأمور قد تسبب ضرراً للغير، وإنما الآخر الذي لم يسبب لنا الأذى، وإن اعتقد يوماً بأفكار أخرى لا نؤمن بها نحن، ذلك إن للآخر حق الإيمان بما يشاء، شريطة أن لا يؤذي أحداً، ولا يمكن أن نتشابه جميعاً، وإن تشابهنا، يستحيل أن نتطابق. وما يجمعنا هو حب الوطن. من هنا ينبغي لنا أن ننطلق نحو حياة أفضل.

في ملف التسامح كانت غايتي أن يبدأ الأمر من المثقفين، ذلك إن المصالحة الوطنية على مستوى السياسيين طال الحديث عنها من غير أن يتحقق منها ما يجعل الشعب العراقي يتنفس الصعداء وبما يساعد في تهدئة الأوضاع، لذا باتت المصالحة الثقافية نقطة بدء، أدعو اليها وصولاً الى المصالحة الأشمل، على مستوى السياسة وغيرها.

ولست أقصد بالمصالحة الثقافية القضاء على الاختلاف الفكري، فهذا يستحيل تحققه، لأنه غير منطقي، بل إن العافية في المشهد الثقافي قائمة على الاختلاف، لكن الغاية أن يتصالح المثقفون بينهم، بمعنى أن ننتهي من مصطلحات: مثقف الداخل.. مثقف الخارج.. مثقف السلطة.. الخ، إذ إن الأهم من كل هذه المصطلحات هو : المثقف الإنسان، المثقف الوطني.

أحد المثقفين قال إن المصالحة غير مطلوبة بين المثقفين، لأنه لاخلاف بينهم، وإنما هي مطلوبة بين السياسيين.

هنا، لابد أن اتوقف معترضة، فقد قام بعض المثقفين بعد عام 2003 بسلوكيات لاتمت الى الثقافة بصلة، حين ناصبوا العداء جميع مثقفي الداخل من أدباء وشعراء وإعلاميين، ووضعوهم جميعاً في خانة واحدة، ولم يفرقوا بين هذا وذاك.. وحاولوا أن يفرضوا فكرهم ورؤاهم هم، وكأنه الفكر الأصلح والرؤى الفضلى، وللأسف البعض ممن يسمون أنفسهم مثقفين راحوا يُصفّون حسابات شخصية ويعبرون بتصرفاتهم المتشنجة عن أحقاد يجب أن لا تكون لدى مثقفين.

وقد سبق لي أن كتبت في عمودي الأسبوعي في صحيفة عراقية عن هذه الحالة الشاذة التي لاتمت الى الإنسانية وروح المحبة بصلة، تحت عنوان: مفلسون يملؤهم الحقد !! وهذا محتواه: ((بعد توقف العمليات العسكرية على العراق سنة 2003، كشفت كل أفعى عن جلدها، وأبدلت بعض الأفاعي جلودها، فراحت تتملق الاحتلال والمحتلين وتدق الطبول على خراب البلاد..

وقد تذكرون كيف إن بعض ضعيفي النفوس وفارغي المضمون قد أخذوا يستخدمون صفحات الجرائد لتصفية ثاراتهم وبث سمومهم تجاه الأدباء والإعلاميين، وكأنهم كانوا يجلسون على قنبلة حقد موقوتة، ما أن حان الوقت الملائم حتى فجروها، لتحر ق الأخضر بسعر اليابس.. حتى إن البعض هاجم اصدقاءه، وكشر عن أنيابه تجاه من كان يتملقه قبل سقوط النظام السابق..

وبقي الوسط الثقافي وقتاً يعاني هذا الزعيق الناشز، وكأن من ينتمون اليه ليسوا عراقيين، همهم واحد، هو البلد.. أن يحدث ذلك في وسط يفترض به أن يضم النخبة المثقفة، هو أمر يدعو للغثيان، ويدل على إن هذا الوسط ليس الوسط الذي يصح أن نقول عنه إنه مثقف أو ثقافي حقاً، بل كأنّ الحقد عند بعض عناصره هو القاعدة، والتسامح هو الشذوذ.. حتى اليوم مازال بعض المتشنجين، ينصبون أنفسهم قضاة وأوصياء على الفكر، مع إنهم لو نظروا الى ذواتهم لوجدوها فارغة من كل محتوى إيجابي ينفع الثقافة والناس.. لاسيما أولئك الذين غايتهم خدمة المحتل او الاستفادة من الوضع الراهن تحت غطاء إقصاء الآخر، بعد تصويره كما لو إنه مجرم!.

السؤال الذي نود طرحه هنا على الدكتاتورية الجديدة التي تسيطر على فكر الفارغين: من أعطاهم حق محاسبة الغير على أفكارهم؟

وأين هي الحرية التي يرقصون على نغماتها إذن، إن كانوا يحاولون مصادرة حرية الآخر؟!! أي تناقض هذا، وأي تناقض يمارسه هؤلاء الذين يحسبون أنفسهم مثقفين ونقاداً ونخبويين؟!!

إن الثقافة قبل كل شيء، وجدان ووعي، وبصراحة وبرأينا، من لايتوفر على هذين العنصرين، فليطلق على نفسه أي تسمية ما عدا صفة مثقف أو واع ٍ، فكفى للوسطين الثقافي والإعلامي ما أصابهما من تشوه وقرف بسبب أولئك الذين يحاولون فرض رؤاهم قسراً على الآخر، ولاينتبهون الى إنهم مجرد طبول فارغة، بل الأحرى هم بالونات فارغة لاتعجب حتى الأطفال.. ومن الأفضل لهم أن ينزعوا جلودهم وينظفوا دواخلهم، ولاينسوا تلميع أسنانهم قبل أن يكشفوها بتسوسها المقزز أمام الآخرين)).

الى هنا انتهى العمود، معتذرة عن بعض المفردات التي قد تبدو انفعالية وذلك بدافع من حرص على تشخيص حالة غير صحية، وأضيف الى ماكتبته سابقا ً أن التشنج وفقدان المقدرة على التسامح وتقبل الآخر، انعكس أيضاً على عملية نقد النصوص الأدبية لدى البعض، فلم يعد غريباً أن نجد أحد المتشنجين يمارس إسقاطاته الذاتية على نص قد يكون مكتوباً بموضوعية، لكن ذلك المتشنج لايرى في النص سوى تلك العبارات التي يتصورها تلميعاً لعهد مضى واضعاً أمانته الأدبية جانباً إكراماً لتفكيره الأناني. بل إن من لديه حساب شخصي يريد تصفيته مع الآخر، يأخذ بالضرب على وتر هذا مثقف داخل، وهذا مثقف متملق، وهذا مثقف وصولي !! والمشكلة حين يصدقه أشباهه من الأدعياء.

إن الثقافة مسؤولية، والمثقفين قادة الفكر والشعب قبل السياسيين، من هنا ينبغي لهم أن يقودوا الشعب الى كل ما هو جميل، وكل ما فيه بناء لاهدم، وحيث إن الحياة قائمة على الحب، وهي بالتأكيد قائمة أيضاً على كل ما ينتمي الى مفردة الحب الإنساني الشامل.

.......................................................................................................... .
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا