الاصلاح المجتمعي

محمد عبد الجبار الشبوط

2018-09-05 05:30

يتحرك الاصلاح المجتمعي في اطار الرؤية التي تقول ان المجتمع عبارة عن نظام منصف من التعاون بين مواطنين احرار ومتساوين. وعلى الاصلاح المجتمعي ان يضع كل واحدة من هذه المفردات موضع التطبيق. فالنظام مقابل الفوضى، والانصاف مقابل الظلم، والتعاون مقابل التنافر، والحرية مقابل العبودية، والمساواة مقابل التفرقة والتمييز. بمعنى ان الاصلاح المجتمعي يسعى الى بناء مجتمع قائم على التعاون بين افراده الذين يتمتع كل واحد منهم بالمساواة والحرية. مجتمع بهذه الصفات قادر ان يكون قاعدة صلبة للدولة الحضارية الحديثة.

يعمل الاصلاح المجتمعي على تحقيق الاندماج المجتمعي. ليس سرا ان المجتمع العراقي الان يعاني من نفرة بدرجة معينة بين افراده الذين ينتمون الى مذاهب واعراق متباينة. نسبة الزيجات المختلطة والسكن في مناطق مختلطة اضحت متدنية خاصة في السنوات الاخيرة. وهذا ينطبق على مؤسسات المجتمع المدني والمشاريع الاقتصادية المشتركة. يحتاج المجتمع العراقي الى توسيع الاختلاط بين افراد "المكونات" المختلفة، على عكس النظرة التي كرسها الدستور، من اجل الوصول الى درجة مؤثرة من الاندماج الاجتماعي ووحدة اللحمة الوطنية.

يظهر النجاح في هذا الصعيد بمدى بروز ظاهرة احترام افراد المجتمع لبعضهم البعض الاخر بغض النظر عن الدين او المذهب او العرق او اللغة الخ. وهذا هو معنى التسامح، اي القبول بالاخر المختلف، في المجتمع الحضاري.

ويقوم الاصلاح المجتمعي بتهذيب التقاليد والاعراف العشائرية وصولا الى جعلها متوافقة مع قيم الدولة الحضارية الحديثة والمواطنة. ليس سرا ان العشيرة اضحت في بعض الاحيان رديفة للدولة، وان الانتماء العشائري اضحى بديلا للانتماء الوطني وان الاعراف العشائرية اضحت بديلا للقانون. وهذا ليس من سمات المجتمع الحضاري وهو من معيقات قيام الدولة الحضارية الحديثة.

تقول المادة (45) من الدستور العراقي:

أولاً:- تحرص الدولة على تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني، ودعمها وتطويرها واستقلاليتها، بما ينسجم مع الوسائل السلمية لتحقيق الأهداف المشروعة لها، وينظم ذلك بقانون.

ثانياً:- تحرص الدولة على النهوض بالقبائل والعشائر العراقية، وتهتم بشؤونها بما ينسجم مع الدين والقانون، وتعزز قيمها الإنسانية النبيلة، بما يساهم في تطوير المجتمع، وتمنع الأعراف العشائرية التي تتنافى مع حقوق الإنسان".

لكن للاسف لم يتحقق الشيء الملموس من هذا.

يقوم الاصلاح المجتمعي باشاعة ثقافة ومفهوم والسلوكيات المجسدة لاحترام الدولة و القانون والمؤسسات. ادت الانظمة الدكتاتورية والقمعية الى تجفيف الشعور بالانتماء الى الدولة والالتزام بقوانينها واحترام مؤسساتها. وحين فرض صدام حسين التماهي بين شخصه وبين الدولة تولد شعور عند الناس ببغض الدولة.

ويحارب الاصلاح المجتمعي ظاهرة الامية بمعناها التقليدي والحديث. والامية الحديثة هي عدم معرفة استخدام الكومبيوتر وما في حكمه.

ويربي الاصلاح المجتمعي افراد المجتمع على رفض الفساد والظواهر السلبية كالرشوة والمحسوبية والواسطة والفواحش واللغة الهابطة والشتم والسب واستخدام المفردات غير اللائقة وغير ذلك. ان الفاسد لا يتحرك الا في وسط يتقبل الفساد ويسمح به. فلو كان المجتمع رافضا للفساد بحكم طبيعته ضاقت السبل على المفسدين.

لا يسعني في هذا المقال ان اذكر كل جوانب الاصلاح المجتمعي، لكني اشير في نهاية الحديث الى ان المدرسة تلعب دورا اساسيا في اصلاح المجتمع واشاعة الثقافة والتربية الصالحة. وهذا يتطلب وضع نظام ومنهاج تربوي يستهدف تربية جيل من المواطنين الصالحين. ان اعتماد نظام تربوي حضاري جديد يرافق المواطن ١٢ سنة كاملة من عمره يشكل العمود الفقري في العملية التغييرية الاصلاحية للمجتمع التي ندعو اليها في سياق العمل على اقامة الدولة الحضارية الحديثة في العراق.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي