السيدة فاطمة الزهراء (ع): مظهر العظمة ومنتهى الكمال
الشيخ عبدالله اليوسف
2025-11-08 06:28
صدر عن دار الوارث للطباعة والنشر في كربلاء المقدسة –وهي تابعة للعتبة الحسينية المقدسة- كتاب جديد لفضيلة الشيخ الدكتور عبدالله أحمد اليوسف بعنوان: «السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام): مظهر العظمة ومنتهى الكمال» الطبعة الأولى 1447هـ - 2025م، ويقع في 304 صفحات من الحجم الكبير بقياس وزيري «17/24سم».
اختُصَّت سيِّدة النساء فاطمة الزهراء (عليها السلام) بمميزات وخصائص وصفات فريدة، وورد في مناقبها وفضائلها ومقاماتها ما لم يرد في غيرها من النساء، ويكفي في الدلالة على منزلتها العظيمة أنها أُمُّ الأئمة المعصومين، وأنها سيِّدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي سيِّدة نساء المؤمنين، وسيِّدة نساء أهل الجنة، وسيِّدة نساء أهل الأرض وأهل السماء كما نَصَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) على ذلك في أحاديث متواترة؛ وهذا يؤكد على أنها أفضل امرأة في الوجود على الإطلاق، وأكمل امرأة بلا منافس، وأن لها السيادة على النساء في الدنيا والآخرة.
إنها أعظم امرأة عرفتها الإنسانية، وخلَّدها التاريخ الإنساني؛ فلا يوجد مثيل لها ولا نظير في صفاتها وسماتها وخصالها وكمالاتها المعنوية والمادية؛ فهي المرأة المتفرِّدة بكل صفات الكمال والجلال والعظمة، والفضل والشرف والسؤدد.
وهي (عليها السلام) مجمع الكمالات كلها، وملتقى الفضائل والمحاسن والمحامد في جميع شؤونها الخاصة والعامة، فهي المرأة الطاهرة التقية النقية الزكية المباركة، وهي المثال البارز للشخصية الكاملة، وخير قدوة للمرأة الباحثة عن الرقي الأخلاقي والكمال الروحي والتكامل الإنساني.
وكانت حياة الصدِّيقة الطاهرة -مع قصر عُمرها الشريف- عامرة بكثير من الدروس والعِبَر، والآلام والآمال، والعلم والعمل، والعبادة والتهجد، والعطاء والتطوع، والأخلاق والآداب، والتربية والبناء، والإنجاز والتميز.
وقد تركت السيِّدة الزهراء (عليها السلام) بصمات عميقة في مسيرتها الحياتية المباركة، ولمسات مؤثرة في التربية الروحية والأخلاقية والإنسانية والعلمية؛ فهي شخصية مباركة في وجودها، وفي عطائها، وفي ذريتها، وفي تسبيحها، وفي علمها، وفي عملها، وفي كل شيء صادر عنها.
وهي كوثر الخير والبركة الذي تكاثر منه النسل الطاهر لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، وانحصرت ذريته الطاهرة فيها، ولم يقتصر هذا الامتداد على الاتساع والتكاثر المادي فقط، بل كان امتدادًا معنويًا وروحيًا وفكريًا وأخلاقيًا للنبي (صلى الله عليه وآله)، وامتدادًا لرسالة الإسلام، فقد تولَّد من هذا النسل المبارك الأئمة الطاهرون، والعلماء الربانيون، والقادة الإلهيون الذين حملوا راية الإسلام، ودافعوا بقوة وبسالة عن أحكامه ومبادئه وقيمه وأخلاقه وآدابه.
وفي حياتها الزوجية عاشت مع أمير المؤمنين (عليه السلام) في حدود تسع سنوات في حياة زوجية ناجحة ومليئة بالسعادة والاطمئنان والوئام والانسجام رغم الظروف الصعبة التي مرَّت بهما في حياتهما جرَّاء تحمل أعباء الرسالة، والوقوف مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) أيام الشدة والمحنة، والعمل على نشر رسالة الإسلام مع كل الصعوبات والعقبات والآلام الشديدة والقاسية.
وقد تحدَّث المؤلف في هذا الكتاب في فصله الأول عن شخصيتها العظيمة، وخصائصها الفريدة، وكمالاتها السامية، وتطرَّق في الفصل الثاني عن سيرتها الروحية؛ إذ عُرفت سيِّدة النساء (عليها السلام) بكثرة عبادتها، وانقطاعها التام إلى الله سبحانه وتعالى، ويؤكِّد المؤرخون على أنها كانت أعبد امرأة في تاريخ الإسلام؛ إذ عُرِفت بالاجتهاد في العبادة، والانقطاع التام إلى الله عَزَّ وجَلَّ، وكانت عندما تقف بين يدي ربها ترتعد فرائصُها رهبةً وخشيةً وخيفةً منه سُبحانه، وكانت تسهر الليالي -وخاصة في ليالي الجمع والعشر الأواخر من شهر رمضان- في عبادة ربِّها حتَّى تتورمَ قدماها من كثرة القيام والوقوف بين يدي الله جَلَّ جَلالُه.
ثم تناول المؤلف سيرتها الأخلاقية بشيء من التفصيل والبيان، وذكر شذرات من صفاتها الأخلاقية البارزة؛ كالرحمة، والصِّدق، والصبر، والحياء، والعفاف، والإيثار؛ فكان من الصفات البارزة في شخصيتها الأخلاقية: صفة الرحمة والعطف والشفقة والرأفة، فكانت (عليها السلام) في غاية الرحمة والعطف، وفي منتهى الشفقة والرأفة والرقة.
ثم عرَّج المؤلف بالحديث عن سيرتها التربوية، ومنهجها في التربية والتوجيه والتأديب. ولأنها جسَّدت في حياتها قيم الإسلام وأخلاقياته قولًا وفعلًا وسلوكًا، فكرًا وروحًا ومنهجًا؛ لذا فهي خير قدوة لكل امرأة مسلمة تبحث عن الارتقاء المعنوي والروحي والقيمي والتربوي والأخلاقي؛ لأنها تمثِّل الأنموذج الكامل للمرأة الكاملة، فهي القدوة الحسنة والأنموذج الكامل للاقتداء والتأسي بها.
وأنجبت السيِّدة الزهراء (عليها السلام) الذرِّية الطيبة والطاهرة التي لا تدانيها ذرية إنسانية أخرى في الإيمان والطهارة والسمو والشرف على مدى التاريخ؛ فهي قمة القمم، والمثل الأعلى في الفضيلة والتقى والورع والصلاح.
وقد اعتنت السيِّدة الزهراء (عليها السلام) غاية الاعتناء بتربية ذريتها الطيبة تربية إيمانية مبدئية، ترتكز على القيم والمبادئ والأخلاق والعلم، فكانت تعدهم للقيام بأدوار كبيرة في مستقبل الأيام، وتحمل مسؤوليات عظيمة في قيادة المجتمع والأمة. وفي سيرتها التربوية أيضًا جسَّدت السيِّدة الزهراء (عليها السلام) قِيم الحجاب والستر والعفاف قولًا وفعلًا، قلبًا وقالبًا، سلوكًا وتجسيدًا، مظهرًا وجوهرًا؛ فكانت رمز الطهارة والنقاء والصفاء، وعنوان العفة والحشمة والحياء والأدب.
وكانت (عليها السلام) تلتزم بأعلى مراتب الحجاب والستر والعفاف والعفة، لتُقدِّمَ لنساء الأمة أنموذجًا متميزًا في التمسك بالحجاب والاحتشام، ولتعطي درسًا في التربية الإيمانية، وتربية الفتيات في مختلف العصور على الحجاب والستر والاحتشام.
وتناول المؤلف في الفصل الأخير جوانب من سيرتها العلمية، فقد عُرفت السيِّدة الزهراء (عليها السلام) بالعلم الغزير، والمعرفة العميقة، والثقافة الواسعة، والبصيرة الثاقبة؛ فقد كانت تتلقى العلوم والمعارف الإسلامية من أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) مباشرة، ومن باب مدينة العلم زوجها أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فكانت عالمة بالإسلام، وعارفة بأحكامه ومسائله ومفاهيمه وأخلاقه.
وهي أعلم نساء زمانها بشهادة المعاصرين لها، واشتهرت بعلومها الغزيرة، ومعارفها الزاخرة؛ فكانت الأقدر على القيام بدور المعلم والمرشد والموجه والمربي لنساء عصرها اللاتي كن يتجمعن حولها ويتلقين منها أحكام الإسلام وعلومه.
وتعد السيِّدة الزهراء (عليها السلام) أول امرأة مسلمة ألَّفت كتابًا يحتوي على أحداث الحياة وما سيحدث فيها حتى يوم القيامة، والذي يطلق عليه (مصحف فاطمة)؛ كما كانت (عليها السلام) من رواة الحديث النبوي، وأبرز العالمات وأجلَّهن، وأكثرهنَّ علمًا وفكرًا وثقافة ومعرفة وبصيرة ووعيًا.
واهتمَّت (عليها السلام) بنشر العلوم والمعارف الإسلامية بين النساء، فكان لها مجلس علمي يحضره نساء المهاجرين والأنصار حتَّى يأخذن منها أحكام الإسلام ومسائله، وأصول الدين ومفاهيمه. ومن علومها معرفتها بالقرآن الكريم وتفسيره وتأويله، وكان من أحب الأشياء إليها في حياتها تلاوة القرآن الكريم والأنس به، وتعليمه لنساء عصرها، فهي أعلم النساء بالقرآن، وأعرفهن بصفاته وأسراره؛ لأنها كانت أقرب الناس للنبي (صلى الله عليه وآله)، وكانت في دار مهبط الوحي والتنزيل.
ومن علومها معرفتُها بفلسفة الأحكام، وقد بيَّنتْ في خطبتها الفدكية شطرًا من ذلك؛ إذ تحتوي أحكام الدين وتشريعاته على عِلَل وحِكَم، ومصالح ومنافع، ومقاصد وغايات تنتهي كلها في مصلحة الإنسان وفائدته، وفي انتظام الاجتماع الإنساني وسلامته.
وتكشف عِلَل التشريع في الإسلام عن فلسفة الأحكام ومقاصدها، كما تساعد على تكوين رؤية فلسفية لما وراء التشريع، إذ إن الأحكام -غالبًا- تتبع المصالح والمفاسد، وإنها تصب في نهاية المطاف في مصلحة الإنسان ومنفعته في الدنيا والآخرة؛ وقد أشرنا إلى بعض ما ذكرته سيِّدة النساء في هذا المجال.
ثم تطرَّق المؤلف إلى بلاغتها وفصاحتها؛ فقد امتازت في خطبتها المشهورة التي ألقتها في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأعلى درجات البلاغة والفصاحة والبيان؛ فهي بضعة المصطفى الذي كان أفصح من نطق بالضاد، وزوج المرتضى الذي كان سيِّد البلغاء وأمير الفصحاء؛ فجاءت خطبها جامعة بين جزالة الكلام وبراعة السَّبك، وقوة الأسلوب وثراء المعنى، ووجازة الألفاظ وعمق المعاني والدلالات.
وقد قسَّم المؤلف كتابه عن حياة وسيرة سيِّدة نساء العالمين على خمسة فصول، هي:
الفصل الأول- السيِّدة الزهراء (عليها السلام): الهوية والمكانة والشخصية.
الفصل الثاني- السيرة الروحية للسيِّدة الزهراء (عليها السلام).
الفصل الثالث- السيرة الأخلاقية للسيِّدة الزهراء (عليها السلام).
الفصل الرابع- السيرة التربوية في نهج السيِّدة الزهراء (عليها السلام).
الفصل الخامس- السيرة العلمية للسيِّدة الزهراء (عليها السلام).
وختم المؤلف كتابه بذكر طائفة من قصار حِكَمها ومواعظها البليغة لتستلهم منها الأمة الحكمة والبصيرة والوعي في حياتها الخاصة والعامة.