إليك عشرة كتب علمية ممتعة لتقرأها في 2023

موقع للعلم

2023-01-28 05:11

بقلم: شادي عبد الحافظ

منذ اللحظة الأولى التي نُشر فيها كتاب "تاريخ موجز للزمن" للفيزيائي واسع الشهرة ستيفن هوكنج، في الثمانينيات من القرن الفائت، بدأت ثورة كتب تبسيط العلوم في الاشتعال، فانتعشت سوق الكتب العلمية وأقبل الناس عليها، دفع ذلك بالعديد من العلماء إلى النزول إلى سوق الكتب بمجموعة من أفضل الأعمال وأهمها من حيث جودة المحتوى وقيمته، وفتح ذلك الباب أمام غير المتخصصين كي يتعلموا عن أشياء لم تبدُ يومًا ما قريبةً إليهم، كالنظرية النسبية، وعجائب الكوانتم، وأصول الحياة على الأرض، والكيمياء البسيطة لكل شيء في حياتنا.

ولأن الكتب من هذا النوع لا تحصل على ما تستحق من حظوظ الترويج والتعريف بمحتواها على النطاق العربي، فقد قررت مجلة "للعلم" ترشيح عشرة من أبرز الكتب العلمية وأكثرها تأثيرًا، للقراءة والاطلاع في عام 2023.

جرى اختيار هذه الكتب وفق عدد من المعايير، جاء في مقدمتها أن تكون مبسطةً وواضحةً قدر الإمكان للقارئ غير المتخصص، بالإضافة إلى مدى أهمية موضوعها وجودة محتواها.

مستقبل البشرية

منذ أن قدم الفيزيائي الأمريكي، ومبسط العلوم واسع الشهرة، ميشيو كاكو، كتابه "فيزياء المستحيل" في عام 2008، الذي يتوقع فيه شكل العلم الفيزيائي، وما يمكن أن يقدمه للعالم في المستقبل، كان الكثير من المياه قد جرى في النهر، وظهرت تطورات في نطاقات أخرى متنوعة، ولأن كاكو يهتم بالمستقبليات، فقد قدم كتابًا جديدًا تُرجم إلى العربية مؤخرًا هو "مستقبل البشرية"، وفيه ينتقل من الفيزياء إلى عوالم أخرى مثيرة بالقدر ذاته، فيذهب بنا إلى الاندماج المتوقع بين الإنسان والآلة، وكيف يمكن أن يعزز من قدراتنا على التفكير والأداء، ثم يعود مرةً أخرى إلى عوالم الفضاء، إذ يتوقع أن ينجح البشر في السفر بين الكواكب والسكن عليها من أجل استصلاحها وإعادة تأهليها للحياة البشرية، بادئين بالمريخ، ثم ينتقل إلى الطب في قفزة مختلفة، فيتحدث عن التقدم الكبير الذي يحققه العلماء في علم الوراثة، الأمر الذي سيصل بنا يومًا ما إلى إمكانية علاج مرض شديد الشراسة كالسرطان، وإيجاد سبل لإطالة عمر البشر إلى حدٍّ لا نتصوره.

في كتابه، يقف كاكو على التطورات الأخيرة في النطاقات التي يتناولها، مقارنًا إياها بما كان عليه الوضع في الماضي، ليقيس حجم القفزة التي حصلت، ثم يستخدم ذلك في التنبؤ بالقفزات الممكنة في المستقبل، سواء المحتمل وقوعه منها في المدى القريب، أو بعد مئات أو آلاف السنوات.

أغنية الخلية

حسنًا، إنه سيدهارتا موكيرجي، يعود مجددًا إلى الأضواء، هو طبيب أورام أمريكي هندي وعالِم أحياء وكاتب ذو أسلوب بديع، نعرفه من الكتاب واسع الشهرة "إمبراطور المآسي"، الذي صدر في 2010 ولا يزال إلى الآن يتصدر قوائم الكتب الأكثر قراءة، تلاه كتاب "الجين: تاريخ حميم"، والأخير هو تاريخ مبسط وقصصي الطابع لعلم الوراثة، ويبدو أن موكيرجي قد أحب تاريخ الطب، فهو هنا في كتابه الصادر عام 2021 "أغنية الخلية" Song of the Cell يأخذنا في رحلة إلى تاريخ آخر، يتعلق بعلم الخلية، ليبدأ من روبرت هوك الذي وضع -قبل أكثر من 350 عامًا- قطعةً من الفلين تحت المجهر ووجد أنها تتركب من عدد كبير من الصناديق الصغيرة، فأطلق عليها اسم "سيلا"، الاصطلاح الذي يعني غرفة صغيرة في اللاتينية.

في كتابه الجديد، لا يميل موكيرجي فقط إلى تعريف القارئ بالجوانب المثيرة جدًّا لتاريخ دراسة الخلية، بل يستخدم تلك القصص الملهمة إلى جانب أسلوبه الشائق ليعرِّف الناس بطبيعة هذا العلم، فيطلب من القارئ أن يتخيل أنه رائد فضاء شاءت الأقدار أن يوجد داخل سفينة فضائية لحضارة غير معروفة، ثم يُضطر إلى البحث في جوانب تلك السفينة ليستكشف كيف تعمل لعله يهرب من هذا الأَسر، هذه السفينة هي الخلية.

الفيزياء الفلكية بإيجاز

كتابا كاكو وموكيرجي كبيران حقًّا، ينتهي الأول في قرابة أربعمئة صفحة والثاني يقف على حدود الخمسمئة صفحة، لذا يمكن أن نلطف الأجواء قليلًا بكتاب صغير لا تتخطى مادته الأساسية حاجز المئة صفحة، وهنا نتحدث عن آخِر ما قدم الفيزيائي واسع الشهرة نيل ديجراس تايسون، الذي تُرجم إلى العربية مؤخرًا "الفيزياء الفلكية بإيجاز"، في هذا الكتاب يوجه تايسون حديثه إلى مَن لا يعرف أي شيء عن الفيزياء الفلكية وفي الوقت ذاته هو شخص مشغول دائمًا ولا يمتلك الكثير من الوقت، فيعرِّفه بتراكيب الكواكب والنجوم، ونشأة الكون وأكبر ألغازه من مادة وطاقة مظلمتين، كعادة المؤلف، فإنه ينزع إلى السلاسة والتبسيط الشديد، وينجح بدرجة كبيرة في ذلك.

قوانين سائلة

من عنوانه، يبدو هذا الكتاب باردًا بعض الشيء، لكنه أبعد ما يكون عن ذلك، مؤلفه هو مارك ميوداونك، أستاذ علم المواد في كلية لندن الجامعية، وهو واحد من ألمع مبسِّطي الكيمياء وعلوم المواد حول العالم، حقق كتابه الأول الذي تُرجم إلى العربية مؤخرًا "المادة في حياتنا" شهرةً كبيرة، ثم هاهو يعيد الكرة في عام 2020 ليُصدر كتابه الجديد "قوانين سائلة: المواد المبهجة والخطيرة التي تتدفق خلال حياتنا" Liquid Rules: The Delightful and Dangerous Substances That Flow Through Our Lives.

في كتابه، يقسم ميوداونك السوائل وفق حالتها التي نشعر نحن بها، فمنها المتفجر ومنها السام ومنها المنعش ومنها اللاصق ومنها المنظف، ومنها الذي يجري داخل أجسامنا، ومنها أهم سائل وهو الماء، ميزة محتوى ميوداونك أنه عادةً ما يكون له جانبٌ تاريخيٌّ وإنسانيٌّ مميز، ما يجعل الصابون السائل على سبيل المثال أو نوعًا محددًا من العطور أو النيتروجليسرين ينتقل من كونه شيئًا كيميائيًّا باردًا إلى كونه جزءًا من التجربة البشرية في هذا العالم، هذا هو سر قوة كتاب ميوداونك الجديد وجماله، وهو يتبع منهج الكتابة نفسه الذي اتبعه في كتابه السابق.

الأقرباء

هل تعرف أن الجذوع الثلاثة الرئيسية لشجرة الحياة على كوكب الأرض تهيمن عليها الميكروبات، بينما نقع نحن البشر وكل الحيوانات وكل النباتات التي نعرفها أو لا نعرفها في غصن علوي صغير ضمن أحد الجذوع؟! في هذا الكتاب الذي تُرجم إلى العربية في 2020 يقدم جون إنجرهام -وهو أستاذ متقاعد لعلم البيولوجيا من جامعة كاليفورنيا في ديفيس- للكيفية التي دخلت بها تلك الكائنات الدقيقة (الميكروبات) إلى شجرة الحياة من ناحية تصنيفية، وكيف قارب حلم تشارلز داروين الذي بدأ قبل قرنين من الزمن على الاكتمال بعد أن تمكن العلماء من فهم إرث الميكروبات، أسلوب الكتاب ثقيل بعض الشيء، لكنه بسيط في المجمل، ويمكن هضمه بدرجة من السهولة.

الذكاء الاصطناعي

الاصطلاح الذي تراه في كل مكان هذه الأيام، يرسم اللوحات الفنية ويتحدث بلغة البشر، يشرح العلوم المعقدة ويساعد الأطباء والفيزيائيين في عملهم، يومًا بعد يوم، يتدخل الذكاء الاصطناعي في كل شيء تقريبًا في حياتنا، ورغم ذلك فنحن لا نعرف الكثير عنه بعد، في هذا الكتاب، من سلسلة مقدمة قصيرة جدًّا، تساعدنا مارجريت بودين -أستاذ العلوم الإدراكية من جامعة ساسكس البريطانية- على فهم طبيعة الذكاء الاصطناعي، وتاريخه ونجاحاته ودوره في حياتنا، كذلك فإن الكتاب يتطرق إلى بعض النقاشاتِ الفلسفيةِ المتعلِّقة بطبيعة العقل والذكاء، وهل حقًّا يمكن أن نقول عن الذكاء الاصطناعي إنه "ذكاء" بالمعنى الذي نعرفه نحن البشر؟ كتب هذه السلسلة عادةً ما يتراوح عدد صفحاتها حول مئة صفحة، وهي مقدمة بسلاسة واختصار لأولئك الذين يودون فهم لمحات مختصرة لكن وافية عن نطاقٍ ما.

المراوغ

أما فرانك كلوز، الفيزيائي والكاتب البريطاني المعروف، فقد نشر في 2022 كتابًا جديدًا عن بيتر هيجز، وهو فيزيائي بريطاني آخر حصل على جائزة نوبل عام 2013 مع البلجيكي فرانسوا إنجليرت عن اكتشافهما النظري للآليات التي تُسهم في فهمنا لأصل كتلة الجسيمات دون الذرية والتي تم تأكيدها تجريبيًّا في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية (سيرن) CERN، عنوان الكتاب: "المراوغ - كيف وجد بيتر هيجز حلًّا للغز الكتلة؟" Elusive: How Peter Higgs Solved the Mystery of Mass.

في الكتاب يتعرض كلوز لحكاية هيجز الغريبة التي بدأت من ورقة بحثية نُشرت قبل حصوله على الجائزة بتسعةٍ وأربعين عامًا، يشرح فيها ما سنعرفه فيما بعد باسم بوزون هيجز، وهو جسيم يعطي بقية الجسيمات كتلتها، إنه ببساطة السبب في أننا -نحن البشر- والنجوم والهواتف الذكية والسدم في الفضاء السحيق تمتلك شكلًا مميزًا لها، لا يقدم الكتاب فقط لحكاية هيجز نفسه، بل يمثل كذلك مقدمةً علميةً ممتازةً لفيزياء الجسيمات (وبالتالي أسس ميكانيكا الكم)، وصولًا إلى إنجازات مصادمات الجسيمات مثل المصادم الهادروني الكبير في سيرن.

المخ السعيد

لاقى عالِم الأعصاب والكاتب البريطاني، دين برنيت، شهرةً واسعةً حينما أصدر كتابه "المخ الأبله" The Idiot Brain في عام 2016، الأمر الذي فتح الباب بعدها بقرابة ثلاث سنوات لإصدار كتاب لاحق له هو "المخ السعيد" The Happy Brain، الذي تُرجم إلى العربية قبل عامين فقط، ويتحدث فيه عن العلم الخاص بالسعادة، مصادرها وأسبابها.

في كتابه الجديد، يعتمد برنيت على أسلوب سلس ساخر (وهو يعمل أيضًا ككوميديان) لتوصيل فكرة طالما كانت بعيدةً عن عقولنا، وهي أن هناك علم أعصاب خاصًّا بالسعادة، عادةً ما نظن أن السعادة هي شأن شاعري روائي أو على الأقل فكري وتأملي وربما فلسفي، لكن لا يعرف الكثيرون أن هناك علومًا صلبة تدرس هذا المفهوم، في كتابه، يتنقل برنيت من الحب إلى الصداقة ومن الثروة إلى الضحك، ويعلمنا كيف تتأثر أدمغتنا ونواقلها العصبية بما يقع قبالة أعيننا من مواقف وأحداث وما نتخذه من قرارات، لا شك أن هذا الكتاب سيدفعك إلى إعادة تعريف السعادة بشكل لم تتصوره من قبل.

بهجة العلم

أما جيم الخليلي -الفيزيائي البريطاني عراقي الأصل، ومقدم مجموعة من أهم الوثائقيات العلمية والكتب العلمية أيضًا- فقد قرر في 2022 أن يعود إلينا مع كتابه الجديد "بهجة العلم" The joy of science، الكتاب هذه المرة لا يشرح جوانب ممتعة للعلم الفيزيائي كما اعتدنا من الخليلي، بل يتحدث عن العلم نفسه ومنهجيته، بدرجة من البساطة.

يظن الناس أن العلم هو مجموعة من الحقائق حول العالم الذي نعيش فيه، وهذا وفق الخليلي خطأ، إذ إن هذا هو تعريف "المعرفة"، أما العلم فهو عملية تُستخدم فيها تلك المعرفة لإنشاء معرفة جديدة بشكل مستمر.

لكن الخليلي، في هذا الكتاب، لا يعرفك بالمنهج العلمي بينما تقف لتتفرج، بل يحاول أن يقدم لك دليلًا عمليًّا موجزًا يعلمك طريقةً من أجل عيش حياة أكثر عقلانيةً باستخدام المنهج العلمي في التفكير، من خلال مناقشة طبيعة الحقيقة والفارق بينها وبين الفرضية أو النظرية، ومعنى عدم اليقين، ودور الشك في إيجاد المعرفة، وإيجابيات تبسيط المفاهيم وسلبياته، والكيفية التي يمكن أن يؤثر بها التحيز على قراراتك دون أن تدري، وأهمية التفكير القائم على الأدلة، إلى جانب موضوعات أخرى مثيرة حقًّا للاهتمام.

تاريخ العلم

حسنًا، هذا الكتاب لا يتعلق بالعلم بل بتاريخه، ومؤلفه هو جون جريبن، الفيزيائي من جامعة كامبردج، وأحد أهم أعلام تبسيط العلوم في العالم، تأتي ترجمة هذا الكتاب للعربية في جزأين كبيرين لهما هدف واحد وهو تلخيص تاريخ العلم من العصور المظلمة إلى مطلع القرن الحالي، إنها ببساطة الحقبة التي نشأ فيه العلم بمنهجه الحالي وتطور ليصل بنا إلى أبعد المجرات، وأدق الخلايا والذرات، يتنقل جريبن بسلاسة بين الفلك وعلمي الكيمياء والأحياء، وبأسلوب روائي شائق يعلمنا أن العلم ليس قصةً لها بطل واحد، بل أبطال كثر، منهم مَن نتذكره ومنهم مَن لا نعرفه.

التعرف إلى تاريخ العلم له الأهمية ذاتها من أجل التعرف على العلم نفسه؛ لأنه يعطينا فكرة عن التحولات التي اختبرتها المعرفة العلمية لتصل إلى ما نعرفه اليوم، الأمر الذي يعلِّمنا أن الطريق إلى الإنجازات الكبرى مسكون بالكثير من الفشل واليأس والإحباط، إلى جانب عدد من النجاحات الصغيرة المتراكمة مع الزمن.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي