السيناريوهات المتوقعة لمستقبل العراق السياسي
مسلم عباس
2016-04-14 01:41
الكتل السياسية العراقية تستمر بإنتاج الأوهام الهوليودية باحترافية منقطعة النظير.. وثائق شرف! وتوافقات واصلاحات. هذه هي الموضوعات المحورية لنشرات الاخبار اليومية في العراق، وسوق الاحاديث الشعبية يشهد صعودا كبيرا لاسهم أكثر العبارات تداولا مثل "الإصلاح" و "محاربة الفساد" والقضاء على المحاصصة الحزبية فيما تسير عليمة تدوير الأسماء منهية الصلاحية بنجاح كبير.
البرلمان العراقي رفض التشكيلة الوزارية التي قدمها رئيس الوزراء حيدر العبادي بعد فوضى شهدتها قاعة مجلس النواب يوم الثلاثاء، اعقبها اعتصام من قبل برلمانيين من كتل مختلفة لرفض التشكيلة الحكومية كونها لا تلبي "طموحات الشعب" حسب ما اعلنه بعض النواب وروجت له وسائل اعلام حزبية .
رفض التشكيلة الوزارية لم يكن وفاء للشعب العراقي ونصرة لقضيته كما يتم الترويج له من قبل مناصري اعتصام البرلمان بل ان الرفض يمكن ورائه سببين الأول: ان هناك خلاف حول اقتسام الغنائم السياسية فبعض الكتل وجدت ان التشكيلة الحكومية الجديدة تمثل خرقا لقواعد المحاصصة الجديدة التي يراد منها انتاج شرعية جديدة للوجوه الفاسدة. والسبب الثاني ان هناك بعض الساسة وجدوا انفسهم خارج اللعبة تماما فأرادوا صناعة ابطال جدد على وقع فوضى الإصلاح، فسوقوا لبطولاتهم كما فعل قبلهم كثيرون بتظاهرات شكلية او تصريحات تخديرية.
هذه اللعبة لم يكتب لها النجاح بسبب تراكم النقمة الشعبية ضد الطبقة السياسية الحاكمة وتمزق اغلب الأوراق التي مثلت السبيل لصعود سلم السلطة لكثير من ساسة العراق، وفي كل الأحوال فان الوضع السياسي في العراق يتجه نحو خلق بيئة جديدة مختلفة عن سابقتها الا انها محفوفة بالكثير من المخاطر على الكتل السياسية والشعب أيضا وذلك عدة أسباب وهي كالاتي:
أولا: الوضع السياسي يقف هذه الأيام على رمال متحركة والتحالفات السياسية في تغيرات سريعة وغير متوقعة، فالتيار الصدري الذي كان يحسب على الأحزاب الإسلامية الشيعية المتشددة لامتلاكه جناحا عسكريا نشطا، بات اليوم اقرب من أي وقت مضى الى التيار العلماني "المدني"، وهو ما دفعه لتبني خطاب عابر للطائفية والمحاصصة حسب ما تقول قيادات التيار الصدري.
ثانيا: نشاط التيار الصدري قد يهدد التحالف الوطني بالتفكك او إعادة الاندماج ونعتقد بان التفكك هو الرأي الصائب فهذا التحالف لم يتحد حول قضية معينة الا مرات قليلة فكيف به اليوم في ظل هذه الازمة شديدة التعقيد، ومنذ اندلاع موجة التظاهرات لم نسمع بيانا او رأيا موحدا لهذا التحالف المتهالك، وكان بيانه الذي تمخض عن اجتماع كربلاء يمثل احدث حلقات هذا التمزق والانحلال، إذ بدت الخلافات واضحة فيه من خلال رفض زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر ما نسب اليه في البيان.
ثالثا: الكتل الكردية والسنية هي الأخرى غير محصنة من التفكك، فأي تغيير وزاري يعني العودة للمربع الأول والبحث عن اقتسام المناصب وهو ما لا يمكن حصوله في ظل الخلافات الحادة على مستوى الأحزاب الكردية نتيجة عدم حسم ملف رئاسة إقليم كردستان، اما بالنسبة للكتل السنية فمن الصعوبة إعادة توافقها من جديد لأسباب تتعلق بالخلافات حول الدعم الإقليمي والدولي بالإضافة الى مشاكل مرتبطة باحتلال داعش لبعض المحافظات السنية .
رابعا: اما على مستوى المطالب الشعبية فهناك خطر كبير على تملص الكتل السياسية عن التزاماتها بتشكيل حكومة التكنوقراط "الموعودة" واقتلاع الفساد من جذوره وما "وثيقة الشرف" الأخيرة الا دليلا واضحا على هذه المخاطر، فالواضح من تلك الوثيقة هي تكريس المحاصصة السياسية وإعادة تدوير بعض الأسماء التي باتت غير مقبولة لدى الشعب العراقي لا سيما بعد ان اجتمعت بعض الشخصيات المتخاصمة سابقا حول التشبث بالامتيازات السياسية فيما لجأ البعض كما هو معتاد باللعب على وتر الازمة من خلال مطالب غير واقعية توفر له مكانا مع المصلحين الجدد .
وعلى كل حال فالمعروف ان أساس النجاح السياسي في دول العالم المتقدمة هو مقدار ما يحققه رجل السياسة لخدمة الأهداف القومية لبلده ومجتمعه، اما في العراق فان اكسير الحياة السياسية هو تقديم علكة لالسنة الناس التي لا تكل ولا تمل من الحديث في كل شيء وهي نتاج للفشل المستمر منذ عقود طويلة .
تشكيل كتلة ما يسمى باحرار العراق بعد فشل التصويت على التشكيلة الوزارية الجديدة والاعتصام في مبنى مجلس النواب فضلا عن عقد جلسة صورية برئاسة اكبر الأعضاء سنا النائب إسكندر وتوت تمثل احدث طرق الالتفاف على المطالب الشعبية لا سيما وانها تريد استبدال الرئاسات الثلاث بأسرع ما يمكن!. وهنا يطرح السؤال عن مدى جدية هذه الكتلة الجديدة ؟ ولنفترض انها ستنجح فهل تستطيع تمرير قوانين مهمة مثل قانون الأحزاب الذي لو تم اقراره لتجنبنا الكثير من ازمات البلد ... ولا نستطيع تقدير العمر الافتراضي لهذه الكتلة، وكل ما نعرفه ان الأنظمة الفاسدة حينما تجد الشعب متعطشا للإصلاح تقوم بتوفير علكة سياسية لتروي ظمأه او لتأجيل الحريق المحتوم .