ارسطو ومفهوم السعادة

حاتم حميد محسن

2016-03-07 07:24

"تعتمد السعادة على انفسنا"، اكثر من اي شخص آخر. ارسطو اعتبر السعادة كهدف مركزي في حياة الانسان وهدف بذاتها، ولذلك هو خصص مجالا اوسع لموضوع السعادة اكثر مما فعل اي مفكر آخر قبل العصر الحديث. عاش ارسطو في نفس فترة كونفشيوس، لكنه في الجانب الآخر من العالم، توصل الى استنتاجات مشابهة. ذلك ان السعادة تعتمد على إعداد وتنمية الفضيلة وان فضائل ارسطو هي نوعا ما اكثر فردانية من الفضائل الكونفوشيوسية ذات الصبغة الاجتماعية. غير اننا سنرى، ان ارسطو كان مقتنعا بان الحياة السعيدة حقا تتطلب تحقيق نطاق واسع من الظروف، بما فيها الرفاهية الفيزيقية والذهنية. بهذه الطريقة هو ادخل فكرة علم السعادة بالمعنى الكلاسيكي، كحقل جديد من المعرفة.

اساسا، يجادل ارسطو ان الفضيلة تتحقق بالمحافظة على الوسط، الذي هو عبارة عن التوازن بين حدّين متطرفين. عقيدة ارسطو في الوسط تذكّرنا بالمسار الوسطي لبوذا، لكن هناك اختلافات هامة بين الاثنين. بالنسبة لارسطو يمثل الوسط طريقة لانجاز الفضيلة، لكن بوذا يشير للمسار الوسطي بالطريقة السلمية للحياة التي توفّق بين حدّي الإنكار الشديد للذات والبحث عن المتعة الحسية.المسار الوسطي كان اقل المتطلبات للحياة التأملية وليس مصدرا للفضيلة ذاتها.

ارسطو: خلفية تاريخية موجزة

يُعد ارسطو احد اعظم المفكرين في تاريخ العلوم والفلسفة الغربية، بمساهماته الكبيرة في المنطق والميتافيزيقا والرياضيات والفيزياء والبايولوجي وعلم النبات والاخلاق والسياسة والزراعة والطب والمسرح. هو كان تلميذا لأفلاطون الذي بدوره درس على يد سقراط. وبالرغم من اننا لا نمتلك اي من كتابات ارسطو الخاصة الموجهة للنشر، لكننا لدينا نسخ من المحاضرات التي القاها على طلبته. في هذه المحاضرات كان ارسطو يمارس تأثيره العميق عبر العصور. في الحقيقة، رؤية القرون الوسطى اعتُبرت احيانا "رؤية ارسطو العالمية" اما توما الاكويني فهو يشير لارسطو بـ "الفيلسوف" باعتباره لا فيلسوف غيره.

كان ارسطو اول منْ صنف مجالات المعرفة الانسانية الى موضوعات متميزة مثل الرياضيات، البايولوجي، الاخلاق. بعض هذه التصنيفات لا تزال تُستعمل حتى اليوم، مثل نظام التصنيف المستخدم في البايولوجي species-genus system. هو كان اول من ابتكر نظاما منطقيا للتفكير تتقرر فيه صلاحية الجدال بهيكله بدلا من محتواه. انظر في الاستنتاج التالي: كل الناس يموتون، وبما ان سقراط انسان، لذلك فهو سيموت. هنا نستطيع رؤية انه طالما الاساس صحيح، فان الاستنتاج يجب ان يكون صحيح ايضا، لا يهم لو استبدلنا اي شيء في مكان "الناس" او "يموتون"(1). طراز ارسطو في المنطق سيطر على هذا المجال من التفكير حتى ظهور المنطق الرمزي الحديث في اواخر القرن التاسع عشر.

كان ارسطو مؤسسا لمؤسسة التعليم والبرامج العامة Lyceum، وهي اول مؤسسة علمية مقرها في اثينا – اليونان. والى جانب استاذه افلاطون، كان ارسطو من اشد المحرضين على تعليم الفنون الليبرالية التي تؤكد على تعليم كل الفرد بما فيه شخصيته الاخلاقية، بدلا من مجرد تعليم عدد من المهارات. طبقا لارسطو، هذه الرؤية للتعليم هي ضرورية اذا اردنا انتاج مجتمعا من الافراد السعداء والمنتجين ايضا.

السعادة كهدف نهائي للوجود الانساني

من اهم اعمال ارسطو هي عمله في الاخلاق (Nicomachean Ethics) (2) وفيه يعرض نظرية في السعادة لا تزال تصلح ليومنا هذا. السؤال الاساسي الذي يسعى ارسطو للاجابة عليه في هذه المحاضرات هو "ما هو الهدف النهائي للوجود الانساني؟ ما هو الهدف او الغاية التي يجب ان نوجّه نحوها كل نشاطاتنا؟ في كل مكان نرى الناس يبحثون عن السعادة، الثروة، السمعة الحسنة. ولكن مع ان كل واحدة من هذه لها قيمة، لكن اي منها لا يمثل الخير الرئيسي الذي يجب ان تهدف له الانسانية. لكي يكون الفعل غاية نهائية، يجب ان يكون نهائيا ومكتف بذاته، " هو المرغوب دائما بذاته وليس لأجل اي شيء آخر" (Nicomachean Ethics, 1097a30-34)، ويجب ان يكون قابلا للتحقيق بواسطة الانسان. يدّعي ارسطو ان كل شخص تقريبا يتفق بان السعادة هي الغاية التي تلبي كل هذه المتطلبات. انه من السهل رؤية اننا نرغب بالنقود، المتعة، الشرف فقط بسبب اننا نعتقد ان هذه الخيرات سوف تجعلنا سعداء. ان كل الاشياء الخيرة الاخرى هي وسائل للحصول على السعادة، بينما السعادة هي دائما غاية بذاتها.

الكلمة اليونانية التي تُترجم عادة الى السعادة هي eudaimonia، وكأي من الترجمات الاخرى من اللغات القديمة، هذا المصطلح ربما يحمل بعض الالتباس. المشكلة الرئيسية هي ان السعادة (خاصة في امريكا الحديثة) يتم تصورها كحالة ذاتية للذهن، كما عندما يقول احد انه سعيد عندما يتمتع بالماء البارد في يوم حار، او الاستمتاع عبر "الذهاب مع اصدقاء". بالنسبة لأرسطو السعادة هي غاية نهائية او انها هدف يحتضن حياة المرء كلها. هي ليست شيء يمكن الحصول عليه او فقدانه في بضع ساعات، كالإحساس بالمتعة. انها تشبه القيمة النهائية للحياة لحد اللحظة، تقيس مدى الخير الذي نمارس به مقدرتنا الكاملة كنوع انساني. لهذا السبب، لا يستطيع احد التصريح بانه عاش حياة سعيدة الا لحين انقضاء حياته، تماما كما لا نستطيع القول ان لعبة كرة القدم كانت "لعبة عظيمة" ونحن لازلنا في منتصف اللعبة. يقول ارسطو "مثلما ان يوما جميلا لا يصنع ربيعا، كذلك اليوم الواحد او الفترة القصيرة لا تجعل الانسان سعيدا"(Nicomachean Ethics, 1098a18).

الرؤية الهرمية للطبيعة

لكي يوضح ارسطو السعادة الانسانية، فهو يرسم رؤية للطبيعة مشتقة من التحقيقات البايولوجية. حين ننظر للطبيعة، نلاحظ ان هناك اربعة انواع مختلفة من الاشياء، كل نوع يُعرّف بهدف مختلف:

معدني: الصخور، المعادن والاشياء الاخرى غير الحية. الهدف الوحيد الذي تسعى له هذه الاشياء هي عدم الحركة. انها بلا حياة وبلا روح.

نباتي: وتشمل النباتات والاشياء الاخرى في الطبيعة. هنا يبرز نوع جديد من الاشياء، شيء ما حي. لأن النباتات تبحث عن الطعام والنمو، فهي لها روح ويمكن القول انها تكون راضية عندما تحقق هذه الاهداف.

حيواني: كل المخلوقات التي ندرسها تعود لمملكة الحيوان. هنا ينشأ مستوى اعلى من الحياة: حيوانات تسعى الى المتعة والتكاثر، ونستطيع، مثلا، التحدث عن كلب سعيد او حزين، بمقدار ما هو في صحة تامة ويمارس حياة سارة.

انسان: ما الذي يجعل الانسان مختلفا عن بقية الحيوانات؟ يجيب ارسطو: العقل. فقط الانسان قادر على التصرف طبقا للمبادئ، وبعمله هذا يتحمل المسؤولية عن خياراته. نحن نستطيع لوم شخص ما لسرقته شخص اخر طالما يعرف انه خطأ، لكننا لا نستطيع لوم الحيوان لأنه لا يعرف اي شيء افضل من ذلك.

ان الوظيفة المتميزة للانسان هي التعقل: بتعقل الاشياء نحقق الغايات، نحل المشاكل، ومن ثم نعيش حياة مختلفة نوعيا عن النباتات والحيوانات. الخير بالنسبة للانسان مختلف عن خير الحيوان لأنه يمتلك قدرات مختلفة. حين نمارس طاقتنا العقلانية تكتمل طبيعتنا ككائن انساني. لهذا السبب، لا تشكل المتعة لوحدها سعادة الانسان، لأن المتعة هي ما يبحث عنه الحيوان اما الكائن الانساني لديه امكانات اعلى من الحيوان. الهدف هو ليس الحط من حوافزنا الفيزيقية، وانما توجيهها بطرق تتلائم مع طبيعتنا كحيوانات عاقلة. وهكذا يضع ارسطو تعريفا للسعادة كالتالي:

وظيفة الانسان هي ان يعيش نوع معين من الحياة، وهذه الفعالية تنطوي على مبدأ عقلاني، وظيفة الانسان الخيّر هي الآداء الخير والنبيل لهذه الفعالية، واذا تم أداء اي فعل بشكل حسن فهو يتم وفق التميز المناسب: اذا كان الامر هكذا، عندئذ فان السعادة تصبح فعالية للروح متطابقة مع الفضيلة (Nicomachean Ethics, 1098a13).

السعي للسعادة كممارسة للفضيلة

في الاقتباس اعلاه نستطيع ملاحظة خاصية هامة اخرى في نظرية ارسطو: وهي الربط بين مفهوم السعادة والفضيلة. يقول لنا ارسطو ان العامل الاكثر اهمية في جهود تحقيق السعادة هو امتلاك شخصية اخلاقية جيدة – ما يسميه "فضيلة تامة". لكن كوننا فضلاء لا تعني موقفا سلبيا: يجب على المرء التصرف طبقا للفضيلة. ولا يكفي ايضا امتلاك عدد قليل من الفضائل، وانما يجب الكفاح لامتلاكها جميعها.

طبقا لارسطو، السعادة تأتي من انجاز كل الاشياء الخيرة كالصحة والثروة والمعرفة والصداقة اثناء الحياة كلها، والتي تقود الى كمال الطبيعة الانسانية واغناء حياة الانسان. هذا يتطلب منا عمل خيارات، بعضها ربما صعب جدا. عادة الخيارات الاقل خيرا تأتي بمتعة فورية وتكون كثر اغواءا، بينما الاكثر خيرا يكون مؤلما ويتطلب نوعا من التضحيات. فمثلا، ربما من الاسهل واكثر متعة امضاء ليلة في مشاهدة التلفزيون، لكننا نعلم انه من الافضل لو امضينا الليلة نبحث في ورقتنا الخاصة. تطوير شخصية جيدة يتطلب جهدا قويا مع الرغبة لعمل الشيء الصحيح، حتى في اصعب المواقف.

مثال اخر هو تعاطي المخدرات، والتي اصبحت من أخطر المشاكل في مجتمع اليوم. مقابل سعر بسيط يستطيع المرء ابعاد ذهنه عن المشاكل ويمارس استرخاءا عميقا عبر تناول شيء من المخدرات. هذه المتعة المؤقتة ستقود حتما الى ألم طويل المدى. بعد عدة ساعات ستشعر بالتعاسة وستحتاج لتناول المخدرات مرة اخرى، والذي يقود بدوره الى حلقة لا متناهية من الحاجة للمخدر ثم الراحة. الادمان بالنهاية سيستنزف اموالك ويضع عبء على عائلتك واصدقائك. جميع تلك الفضائل كالكرم والاعتدال والصداقة والشجاعة وغيرها – التي تصنع الحياة الخيرة تبدو وبوضوح غائبة عن حياة مستخدمي المخدرات.

ينتقد ارسطو بقوة ثقافة المتعة السريعة instant gratification التي تسيطر على مجتمع اليوم. لكي ننجز حياة الفضيلة التامة، نحتاج لعمل خيارات صحيحة وهذا يتطلب ابقاء عيوننا مفتوحة نحو المستقبل، ونحو المحصلة النهائية التي نريدها لحياتنا ككل. نحن سوف لا ننجز السعادة بمجرد التمتع باللحظة. لسوء الحظ، معظم الناس لا يستطيعون التغلب على هذا بانفسهم. يذكر ارسطو"ان جماهير واسعة من البشر هي خاضعة بالمطلق لرغباتها، مفضلة حياة ملائمة للبهائم"(Nicomachean Ethics, 1095b 20). ولاحقا في الاخلاق يوجه ارسطو الانتباه الى مفهوم الـ akrasia، او ضعف الرغبة. في عدة حالات تؤدي الآمال الساحقة لبعض المتع العظيمة الى حجب تصور المرء لما هو خير حقا. لحسن الحظ، هذا الميل الطبيعي يمكن علاجه من خلال التدريب، والذي يعني بالنسبة لارسطو التعليم والتوجه المستمر نحو الفضيلة التامة. هو يصف ذلك بالقول، رماة السهام الثقيلين ربما يصبحون افضل في الممارسة حينما يحافظون على اهدافهم نحو المستقبل.

لاحظ ايضا انه لا يكفي التفكير بعمل الشيء الصحيح، او حتى النية بعمل الشيء الصحيح: نحن يجب ان نعمل ذلك الشيء فعلا. وهكذا، فان التفكير بكتابة رواية امريكية عظيمة شيء وكتابتها بالفعل شيء آخر. عندما نفرض شكلا او نظاما على جميع تلك الرسائل لكي ننتج حقا قصة او مقالة مقنعة، فنحن انما نجسد امكانيتنا العقلانية، والنتيجة من ذلك هي احساس بالانجاز العميق. وكمثال آخر عندما نمارس المواطنة عبر التصويت، نحن نجسد قدرتنا العقلانية بطريقة اخرى، عبر تحمل المسؤولية تجاه جماهيرنا. هناك اعداد هائلة من الطرق بها نستطيع ممارسة فضيلتنا الممكنة اللامرئية، وسيبدو ان انجاز السعادة الانسانية التامة هو الذي يجلب جميع هذه الطرق مجتمعة في خطة حياة عقلانية شاملة.

لا تزال هناك فعالية اخرى حسب ارسطو يشترك بها القليل من الناس لكي يعيشوا حياة سعيدة حقيقية: هي التأمل الفكري. بما ان طبيعتنا عقلانية، فان الكمال النهائي لطبيعتنا هو تفكير عقلاني. هذا يعني امتلاك فضول فكري يديم الدهشة الطبيعية للمعرفة والذي يبدأ في الطفولة لكنه يختفي حالا بعد ذلك. يرى ارسطو ان التعليم يجب ان يكون حول تربية وغرس الشخصية، وهذا يستلزم عنصرين عملي ونظري. العنصر العملي هو اكتساب الشخصية الاخلاقية، كما ذكرنا اعلاه. اما العنصر النظري هو عمل الفيلسوف. هنا لا توجد مكافأة ملموسة، وانما التحقيقات النقدية للاشياء ترفع اذهاننا فوق عالم الطبيعة واقرب الى مكان الآلهة.

الصداقة

يرى ارسطو، ان الصداقة هي من بين اهم الفضائل في تحقيق هدف السعادة. بينما هناك مختلف انواع الصداقات، فان الأعلى هي تلك المرتكزة على الفضيلة. هذا النوع من الصداقة يرتكز على رغبة الفرد بحصول الافضل لأصدقائه بصرف النظر عن المنفعة او المتعة. ارسطو يسمي هذا "نوع تام من الصداقة بين الناس الخيرين والمتشابهين في الفضيلة". هذا النوع من الصداقة يستمر طويلا ويصعب الحصول عليه لأنه نادر وسيأخذ جهدا كبيرا لكسب صداقة تامة وفاضلة. يلاحظ ارسطو ان المرء لا يستطيع امتلاك عدد كبير من الاصدقاء بسبب ما تتطلبه الصداقة الفاضلة من وقت طويل وعناية. ارسطو يقيّم الصداقة عاليا لدرجة يجادل فيها ان الصداقة تتجاوز العدالة والشرف. اولا، الصداقة تبدو ذات قيمة كبيرة لدى الناس لدرجة لا احد يختار البقاء بلا صديق. الناس الذين يقيّمون الشرف عادة يبحثون اما عن المديح ام انهم لديهم قوة اكثر مما يقومون به، لكي يحصلوا على مكاسب فردية من هذه العلاقات. يعتقد ارسطو ان حب الصداقة اكبر من هذا لأنها يمكن التمتع بها كما هي.

التأكيد على المتعة هنا هو جدير بالملاحظة: الصداقة الفاضلة هي تلك الاكثر متعة لأنها تضم كل من المتعة والفضيلة، وهكذا تحقق طبيعتنا العاطفية والفكرية.

الاعتدال The Golden Mean

يُشار احيانا لأخلاق ارسطو بـ "الاخلاق الفاضلة" لأنها ينصب تركيزها ليس على الوزن الاخلاقي للواجبات او الالتزامات، وانما على تطوير الشخصية واكتساب الفضائل كالشجاعة والعدالة والاعتدال وحب الخير والحصافة. كل من يعرف ارسطو سمع بمذهبه في الاخلاق كونه يمثل الاعتدال بين الافراط والنقص. الشجاعة، مثلا، هي الوسط بين عدم التهور(خوف قليل جدا) وجبن مفرط (خوف كثير). العدالة هي الوسط بين اعطاء او الحصول على الكثير جدا واعطاء او الحصول على القليل جدا. حب الخير هو الوسط بين اعطاء ما لا يستحقون وعدم اعطاء شيء ابدا لأي شخص. ارسطو لا ينصح بان يكون الانسان معتدلا في كل الاشياء طالما يجب على المرء في كل الاوقات ممارسة الفضائل. لا يستطيع احد التبرير "انا يجب ان اكون قاسيا تجاه جاري اليوم لأني كنت لطيفا جدا معه في السابق". الوسط هو وسط بين رذيلتين وليس وسطا بين كثير جدا وقليل جدا.

ان الوسط هو "نسبي لأنفسنا"يشير بان وسط فرد ما ربما التطرف لدى شخص آخر. المصارع ميلو كما يذكر ارسطو يحتاج الى الطعام اكثر من الشخص العادي، كذلك بالنسبة للاخلاق الفاضلة. يرى ارسطو ان بعض الناس وُلدو برغبات أضعف من الاخرين، هؤلاء الناس يكون الوسط لديهم هو الفرار من المعركة لأن الحد المتطرف يعني التعرض للذبح او ارتكاب الانتحار.هنا نلاحظ المرونة في تفكير ارسطو، فهو بعد ان يضع القواعد الاخلاقية، يقوم بارخائها لكي يأخذ بالاعتبار التباين واحتمالية وجود طباع معينة.

ان مذهب ارسطو في الوسط ينسجم مع الطرق القديمة للتفكير التي تصورت العدالة كحالة من التوازن بين قوتين متضادتين. في علم الفلك القديم، الكون يستقر كنتيجة للتسوية بين قوتين متضادتين من الفوضى والنظام. الفيلسوف اليوناني هيرقليطس تصور العيش الصحيح كعمل طبقا للوغس، مبدأ الانسجام بين المتضادات. افلاطون عرّف العدالة في الروح كتوازن ملائم بين اجزائه. وكما افلاطون، اعتقد ارسطو ان الشخصية الفاضلة هي في نفس الخط مع الجسم الصحي. طبقا للنظرية الطبية في زمانه، تتألف صحة الجسم من توازن ملائم بين الخصائص المتضادة للحر والبرد والجفاف والرطوبة. هدف الفيزيائي هو خلق توازن ملائم بين هذه العناصر، عبر تشخيص التدريب الملائم ونظام تغذية والذي يختلف تبعا للافراد.

ونفس الشيء، بالنسبة للروح: ابداء الكثير من العاطفة يقود الى افعال متهورة من الغضب والعنف والذي سيكون مؤذيا لرفاهية الفرد الذهنية وللآخرين كذلك، لكن عدم ابداء اي عاطفة هو انكار للطبيعة الانسانية ويؤدي الى مظاهر مرضية من الكسل والسلوك غير الاجتماعي. الممر الصحي هو "الممر الوسط" مع انه يجب التذكر انه ليس الوسط بالضبط، لأن الناس الذين ولدوا بطبيعة عاطفية مفرطة سيكون لديهم وسط مختلف عن اولئك المتجهمين ذوي الطبائع اللاعاطفية. يستنتج ارسطو "ان خيرية الشخصية هي حالة مستقرة للروح ترغب او تختار الوسط نسبيا، هذا الوسط يتقرر بالقاعدة او اي شيء يستخدمه الانسان الحكيم".

استنتاج

طبقا لارسطو السعادة هي:

- الهدف النهائي والغرض من الوجود الانساني

- هي ليست المتعة ولا هي الفضيلة. انها ممارسة الفضيلة.

- السعادة لا يمكن تحقيقها الا عند نهاية الحياة. ولذا هي هدف وليست حالة مؤقتة.

- السعادة هي كمال الطبيعة الانسانية. طالما الانسان حيوان عاقل، فان السعادة الانسانية تعتمد على ممارسة العقل.

- السعادة تعتمد على اكتساب الشخصية الاخلاقية.

- السعادة تتطلب التأمل الفكري، لأن هذا هو البلوغ النهائي لقدراتنا العقلانية.

......................................
الهوامش
(1) الاستنتاج الذي يبدأ من العام وينتهي بالخاص (او من الكل الى الجزء) يسمى بالجدل النازل، على عكس الجدل الصاعد الذي يبدأ من الخاص وينتهي بالعام، حيث سنبدأ في مثالنا من ان سقراط سيموت، وبما ان سقراط انسان اذاً كل انسان سيموت.
(2) The Nicomachean Ethicsهو الاسم الذي اعطي لأشهر اعمال ارسطو في الاخلاق. ويتألف من عشرة كتب ارتكزت بالاساس على محاضراته. Nicomaches هو ابن سقراط الذي قام بنشر الكتاب. هذا العمل اعتُبر من اهم الاعمال الفلسفية في التاريخ، وكان له تأثيرا بارزا على اوربا في القرون الوسطى واصبح لاحقا له الدور الحاسم في تطوير جميع الفلسفة الحديثة.
...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا