دواخل الإنسان والسلام

وجدان عبد العزيز

2025-12-28 04:30

الحقيقة تؤكد أن السلام يشكل علاقة أزلية ومطلب أبدي للإنسان، وبدأ البحث عنه منذ وجوده، سلام مع ذاته، ومع الآخر، فالسلام قيمة إنسانية، حتى بوجود اختلاف الثقافات والديانات والفلسفات، تبقى هذه العلاقة أزلية وأبدية، وخلافه الحرب، حيث يشكل السلام مع الحرب، علاقة منطقة بيضاء وأخرى سوداء، تعكس لنا لوحتين: الأولى مطرزة بنبض وجمال الحياة، والأخرى قاتمة القبح لا حياة فيها، خالية من معاني الوجود، فقضية الحرب وإعمال العنف تنتمي للمرحلة الحيوانية، والحيوان غير الإنسان، كون العقلانية البشرية، تؤكد لا وجود لحالة أو مشكلة، إذا ما أخضعت للنقاشات العقلانية، ستكون النتيجة الحتمية لها، هو الحل.

وحين نزيل مبررات العنف عند الآخر، قد نجد ضالتنا في ذات الإنسان نفسه؟، فالخطوة المتحصلة، أن يقوم الإنسان بإصلاح عيوبه، وهذا الانشغال ستكون نتيجته النموذج الايجابي للآخرين، وهنا يقدم مثالا يُحتذى به، يقلده الإنسان الآخر في التفكير والتأني، والحروب لا غرابة وجدتْ من تاريخ سحيق، أكدتها أقدم الصور التوضيحية للجيوش في حالة حرب؛ فإن تاريخها يعود إلى عام 3500 قبل الميلاد تقريبًا، وعثر المختصون على أدلة قوية تفيد وجود قرية محصنة، يعود تاريخها إلى 7000 قبل الميلاد داخل مدينة أوروك.

إذن الحروب موجودة، ولكن حروب اليوم ليست حروب الماضي، فهي أكثر دموية وأكثر تفننا في الإبادة البشرية، بإيقاع مئات الآلاف من الضحايا دفعة واحدة، وحين يمتد تاريخ العنف والحروب إلى وقتنا الحاضر، يقدم بلا شك صوراً بشعة من دمار الإنسان، وكل جماليات الحياة.

وهذا التاريخ لقيام الحروب باعتقادنا لا يمنع من إقامة السلام من دون اللجوء إلى العنف، بسبب رفض دواخل الإنسان لكل إشكال العنف، فما أحوجنا ان نرفع شعار السلام، وندعو كل منظمات المجتمع الدولي من الأمم المتحدة ومجلس الأمن مراجعة نتائج كل حروب الكون وتأثيراتها الكارثية على صحة الأمم ورفاهيتها، إذ تدمر المجتمعات والأسر، وغالبا ما تعطل تنمية النسيج الاجتماعي والاقتصادي، ناهيك عن أضرارها الجسدية والنفسية طويلة المدى على الأطفال والبالغين، فضلا عن الفقر، وسوء التغذية والإعاقة والتدهور الاقتصادي والأمراض النفسية والاجتماعية.

وهنا تكون الحاجة ملحة جدا، بل اكثر إلحاحاً لرفع شعار التسلح بالعلم والمعرفة، وإبطال حالة العنف والحرب اللاجدوى منها، والاتجاه إلى تسليح الإنسان بمعرفة نبذ العنف والحرب ومحاكاة دواخل الإنسان الفطرية، ويكون شعار السلام وشعار العلم، عنوان العالم بكل دوله لدراسة إحلال سلام دائم، وذلك بضبط سلوك حكام جميع الدول، وإيجاد أرضية متفق عليها، لدالة حلول تلافي نشوب الحرب، والحد من حالة التسلح الهمجية، باستثمار التكنولوجيا الالكترونية الحديثة لأغراض صناعة السلام.

فالعالم مقبل الآن على ثورة رقمية هائلة، إذا اتجهت، نحو صناعة الحرب، قد يقدر لهذا العالم الفناء وحرق كل ما هو حي، وهذا يحتم على العالم ان يتقبل الاختلافات والاستماع إلى الآخرين، لتعزيز السلام والتسامح والتضامن والتفاهم والتكافل، والإعراب عن رغبة أفراد المجتمع في العيش والعمل معًاً متحدين على اختلافاتهم، لبناء عالم ينعم بالسلام والتضامن والوئام.

فما أحوجنا ان نحيي ميثاق الأمم المتحدة بثقة التطبيق الذي صدر في 26 حزيران 1945 بديباجته التالية: (نحن شعوب الأمم المتحدة، وقد آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب، التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزاناً يعجز عنها الوصف، وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره، وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية، وأن نبيّن الأحوال التي يمكن في ظلها تحقيق العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي، وأن ندفع بالرقي الاجتماعي قدماً، وأن نرفع مستوى الحياة في جو من الحرية أفسح).

فالاختلافات بينك وبين الآخرين هي سنة الحياة، التي لا تحيد ولا تتبدل، أما تعاملك معها هو الفارق، فإما أن تجعلها خلافات، أو أن تحولها لمشاريع تستثمر بها، وبذلك تحول مشاعرك إلى عناوين حب وجمال، تخدم نية الخير في داخل الانسان الحديث، وبذرة الخير هي الفطرة الإنسانية.

ذات صلة

أزمة الجهل في الفكر الدِّيني.. تحليل في المفهوم والنتائجمستقبل إدارة قطاع غزة.. سيناريوهات التحول السياسي والأمني والإقليميمدراء تحت الوصاية: قرار إداري أم تبعية تُعطل مؤسسات الدولة؟بين الكائن الثقافي بالطبيعة والكائن الطبيعي بالثقافةالعلم أساس الدولة