استثمار الموارد البشريَّة
حسين علي الحمداني
2025-12-28 04:28
نتائج التعداد العام للسكان الذي جرى قبل عام من الآن أفرز جملة من الحقائق التي يجب التعامل معها بعلمية وواقعية، وبالتالي نجد أن مخرجات التعداد العام للسكان لا تتوقف عند معرفة عدد السكان فحسب، بل تتعدى ذلك لنتائج كثيرة ومهمة تضع على طاولة المناقشة والدراسة لجميع الوزرات حسب اختصاصها، وأيضا تضع الخطط المناسبة وفق هذه المخرجات التي تحمل أبعاداً اجتماعية واقتصادية كبيرة جداً .
وأبرز هذه النتائج ارتفاع نسبة السكان الذين هم في سن العمل عن باقي الفئات مثل الأطفال وكبار السن وشكلت أكثر من 60 بالمئة مما يتطلب الوقوف عند هذه النتيجة التي تعني أن العراق يمتلك ثروة بشرية كبيرة قادرة على تنفيذ الخطط التنموية بشكل كبير جدا، وأيضا أنه في هذه المرحلة لا يحتاج لأيدي عاملة اجنبية في مختلف المجالات بحكم إن نسبة القادرين على العمل أكثر من نصف السكان، وبالتالي يجب استثمار هذه الطاقات من خلال إعادة الحياة للكثير من المعامل والمصانع عبر السعي لمبادرات صناعية وزراعية ودعم القطاع الخاص الذي بإمكانه إنتاج الكثير من السلع، التي يتم استيرادها مما يوفر العملة الصعبة من جهة، ومن جهة ثانية فرص عمل كبيرة وتحويل هؤلاء الشباب القادرين على العمل من مستهلكين دون عمل إلى منتجين.
وأيضا هذه النتائج تجعل الكثير من الوزارات، لا سيما التربية والتعليم العالي أن تربط مخرجات التعليم بسوق العمل، وهذا ما لمسناه في السنوات الأخيرة عبر تفعيل الإعداديات المهنية التي فتحت الكثير من الاختصاصات التي يتطلبها سوق العمل.
ونجد أن تجارب الدول التي تكون نسبة القادرين على العمل فيها كبيرة أعدت الخطط الكفيلة لاستثمارهم ونجحت في ذلك بشكل كبير جداً وفي مقدمة هذه التجارب تجربة كوريا الجنوبية وماليزيا والصين وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية. وحققت هذه الدول طفرة اقتصادية كبيرة بالاعتماد على الموارد البشرية في مجتمعاتها، ونحن في العراق بالتأكيد نحتاج لخطط تنموية تستثمر هذه الطاقات البشرية، بدلاً من تركها والنظر لأرقام البطالة التي تزداد، وعملية الاستيعاب لهذه الطاقات كبيرة جداً تبدأ كما اشرنا بالقطاع الصناعي والزراعي سواء الحكومي منه أو القطاع الخاص، وصولا لدعم مشاريعهم الخاصة ومتابعتها، وهذا ما يخفف العبء على طلب الوظائف الحكومية.
وكما أشرنا يجب أن تكون هذه النتائج حاضرة في برنامج الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية في المحافظات التي تقع عليها مهمة تنشيط القطاع الخاص وتسهيل الاستثمار في المشاريع الصغيرة والمتوسطة ومتابعتها بشكل مستمر من أجل أن تعطي نتائج كبيرة وتؤدي الغرض منها عبر توفير فرص العمل. مع الأخذ بنظر الاعتبار إن هذه النسبة العالية من الشباب أو من هم في سن العمل ستستمر لسنوات عديدة قادمة بحكم زيادة عدد المواليد وهذا ما يعني إن الموارد البشرية العاملة في العراق بإمكانها إحداث طفرة تنموية نوعية وكبيرة إذا ما تم استثمارها بالشكل المطلوب.