ماهية النفقة المؤقتة والسند القانوني لفرضها
قراءة في قرار محكمة التمييز الاتحادية لعام 2025
القاضي سالم روضان الموسوي
2025-12-27 04:18
أصدرت محكمة التمييز الاتحادية الموقرة قرارها العدد 17083/هيئة الأحوال الشخصية/ وبموجبه قررت نقض محكمة الأحوال/ 2025 في 14/12/2025 والذي نشرته مواقع التواصل الاجتماعي وكذلك الموقع الرسمي لمحكمة التمييز الاتحادية، وبموجبه قررت نقض قرار محكمة الأحوال الشخصية في (.....) الذي قضى بفرض نفقة مؤقتة للمدعية عند اقامتها لدعوى المطالبة بالنفقة الماضية والمستمرة، وانحصر النقض على قرار فرض النفقة المؤقتة، وسبب النقض كان يتعلق بعدم جواز فرضها الا بعد مفاتحة المجلس العلمي وعلى وفق احكام المدونة، وليس على وفق احكام قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل ونوهت الى ضرورة عدم الاستناد الى ذلك القانون اطلاقاً وفي ادناه نص قرار محكمة التمييز محل القراءة:
اولاً: قرار محكمة التمييز:
(لدى التدقيق والمداولة وجد ان الطعن التمييزي مقدم ضمن المدة القانونية قرر قبوله شكلاً ولدى عطف النظر على الحكم المميز وجد انه غير صحيح ومخالف لأحكام الشرع والقانون قدر تعلق الأمر بالنفقة المؤقتة لا يمكن الحكم بها كونها تستند الى أحكام القانون ۱۸۸ لسنة ١٩٥٩ المعدل وليس لها وجود في مدونــة الأحكام الشرعية في مسائل الأحوال الشخصية وفق المذهب الشيعي الجعفري الصادرة بالقرار رقم ١٠ لسنة ٢٠٢٥ مما كان على المحكمة مخاطبة المجلس العلمي في ديوان الوقف الشيعي بخصوص ذلك استناداً لأحكام المادة ٣٣٥ من المدونة وحيث ان المحكمة حسمت الدعوى دون مراعاة ما تقدم مما أخل بصحة الحكم المميز لذا قرر نقضه وإعادة الدعوى الى محكمتها لإتباع ما تقدم على ان يبقى رسم التمييز تابعاً للنتيجة مع التنويه للمحكمة بأن كان عليها الاستناد الى مدونة الأحكام الشرعية في مسائل الأحوال الشخصية وعدم الاستناد الى مواد القانون ۱۸۸ لسنة ۱۹٥٩ المعدل وصدر القرار بالاتفاق في ٢٣/جمادي الآخرة/١٤٤٧هـ الموافق 14/12/2025م).
ثانياً: المبادئ التمييزية:
تضمن القرار مبدأين تمييزين وعلى وفق الاتي: الأول لا يجوز فرض النفقة المؤقتة الا بعد مفاتحة المجلس العلمي، والثاني عدم الاستناد الى قانون الأحوال الشخصية بالمطلق، وللوقوف على هذين المبدأين اعرض لها على وفق الاتي:
1. المبدأ الأول : بموجب هذا (لا يجوز فرض النفقة المؤقتة الا بعد مفاتحة المجلس العلمي) فان أي نفقة مؤقتة تطلبها المدعية يجب ان تعرض على المجلس العلمي وليس استناداً الى احكام المادة (31) أحوال شخصية التي جاء فيها (١ - للقاضي اثناء النظر في دعوى النفقة ان يقرر تقدير نفقة مؤقتة للزوجة على زوجها ويكون هذا القرار قابلا للتنفيذ ٢ - يكون القرار المذكور تابعا لنتيجة الحكم الاصلي من حيث احتسابه او رده)، والسبب في ذلك لإنها لم تذكر في احكام المدونة وان نص المادة (335) من المدونة جاء فيها بضرورة عرض الامر على المجلس العلمي في حال عدم وجود نص في المدونة.
2. ماهية النفقة المؤقتة : ان النفقة المؤقتة هي مبلغ من المال تفرض لصالح الزوجة المدعية اثناء نظر الدعوى وتعد ديناً لصالح الزوج في ذمتها ويحتسب من ضمن مبلغ النفقة المستمرة اذا ما صدر قرار لصالح الزوجة او يرد المبلغ المستحصل الى الزوج اذا ردت دعوى النفقة المستمرة ويشير احد شراح قانون الأحوال الشخصية الأستاذ الدكتور فاروق عبدالله كريم في كتابه الموسوم (الوسيط في شرح قانون الأحوال الشخصية ـ طبع على نفقة جامعة السليمانية عام 2004 ـ ص 156) حيث يقول (ان النفقة المؤقتة تستهدف إيجاد حل عاجل للزوجة ريثما تنتهي إجراءات الدعوى التي قد تطول احياناً الى درجة تتضرر فيها الزوجة المعسرة الى حد كبير).
وتلك النفقة ليست نهائية وانما قرار وقتي لمعالجة عسر الزوجة، حيث ان الزوجة تبقى تحت رعاية الزوج الذي يلزم بالإنفاق عليها طالما الحياة الزوجية قائمة، الا اذا ثبت بانها تركت دار الزوجية وعلى وفق احكام المادة (90) من المدونة ولا تسقط الا اذا توفرت الأسباب الواردة في المادة (68) من الدونة وبقرار من القاضي.
3. هل قرار فرض النفقة ولائي (امر على العرائض) ام قرار موضوعي يحسم النزاع ونهائي: ان قرار فرض النفقة المؤقتة هو قرار وقتي يصدر بناء على طلب من المدعية ويقرر القاضي على العريضة وعلى وفق ما ورد في المواد (151-153) من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل، الا انه يستند من حيث الحق بهذا الطلب الى مادتين الأولى في المادة (31) من قانون الأحوال الشخصية النافذ التي جاء فيها (١ - للقاضي اثناء النظر في دعوى النفقة ان يقرر تقدير نفقة مؤقتة للزوجة على زوجها ويكون هذا القرار قابلا للتنفيذ ٢ - يكون القرار المذكور تابعا لنتيجة الحكم الاصلي من حيث احتسابه او رده)، والأخرى هي المادة (302) من قانون المرافعات المدنية التي جاء في مقدمتها (تختص محكمة الأحوال الشخصية بالحكم بصفة مستعجلة بنفقة موقتة)، مع التنويه الى بعض طبعات القانون ما زالت على اسم المحكمة الشرعية وهي ذاتها محكمة الأحوال الشخصية.
لذلك فان ابعاد تطبيق قانون الأحوال الشخصية عن الواقعة محل النظر في الدعوى، لوجود مدونة الاحكام الجعفرية، لا يمنع من الاستناد الى المادة (302) من قانون المرافعات، لان قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 01) لسنة 2025 لم يرد فيه نص بعدم الاستناد الى قانون المرافعات، فضلا عن ذلك فان المحكمة لا يمكن لها السير في أي دعوى الا اذا كانت تطبق قانون المرافعات المدنية لأنه قانون اجرائي ينظم عمل المحكمة في إدارة الدعوى المدنية، ويبين السند القانوني لاي اجراء يدخل ضمن صلاحيتها.
وحيث ان التعديل والمدونة لم يرد فيهما أي نص يعطل المادة (302) مرافعات، على فرض انه عطل نص المادة (31) أحوال شخصية، فان للقاضي الحق في الاستناد الى تلك المادة الإجرائية لإصدار قرار بفرض النفقة المؤقتة، اما قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية جاء لوضع الاحكام الموضوعية للأحوال الشخصية، وليس لوضع قواعد مرافعات خاصة بتلك الدعوى، لإنها تبقى تعمل بموجب قانون المرافعات المدنية.
4. لوحظ ان قرار محكمة الأحوال الشخصية انتهى الى فرض نفقة مستمرة للزوجة، وهذا يعني ان النفقة المؤقتة سوف تحتسب من مفردات تلك النفقة بمعنى اذا المحكمة قررت فرض نفقة مستمرة مقدارها مائة الف دينار شهريا اعتبارا من تاريخ المطالبة فان النفقة المؤقتة التي فرضتها بموجب قرارها الولائي والتي استلمتها الزوجة فعلا سوف تطرح من مبلغ النفقة المستمرة المتراكم.
5. ان قرار محكمة التمييز الموقرة قضى بالنقض بما يتعلق بالنفقة المؤقتة فقط وعلى وفق ما ورد فيه (وجد انه غير صحيح ومخالف لأحكام الشرع والقانون قدر تعلق الأمر بالنفقة المؤقتة) والسؤال الذي ينهض ماذا يفعل القاضي بعد إعادة الاضبارة الى اليه للنظر فيها، هل يقرر الرجوع عن قرار فرض النفقة المؤقتة مع انها انتهت بمجرد صدور قرار الحكم بفرض النفقة المستمرة وأصبحت هذه النفقة المؤقتة جزء من النفقة المستمرة الملزم بها الزوج؟، وهل يقرر بالزام الزوجة بإعادة النفقة المؤقتة التي استلمتها اثناء نظر الدعوى، مع انها أصبحت جزء من مفردات نفقتها المستمرة المحكوم بها والذي اقترن بمصادقة محكمة التمييز عليها، لان النقض انحصر بالنفقة المؤقتة فقط وعلى وفق ما تقدم ذكره في القرار أعلاه؟
الخلاصة: أرى ان صلاحية قاضي الأحوال الشخصية بفرض النفقة المؤقتة على فرض فقدان سنده القانوني في قانون الأحوال الشخصية بعد تعديل القانون، فان له سند اقوى واهم وهو نص المادة (302) مرافعات لان قرار فرض النفقة لم يكن قراراً يفصل في موضوع النزاع، وانما امر على عريضة (قرار ولائي) ويتميز بصفة الاستعجال التي هي أساس اصدار القرار الولائي (الامر على العريضة) وعلى وفق احكام المادة (151) مرافعات التي جاء فيها (لمن له حق في الاستحصال على امر من المحكمة للقيام بتصرف معين بموجب القانون ان يطلب من المحكمة المختصة اصدار هذا الامر في حالة الاستعجال بعريضة يقدمها الى الحاكم المختص وتقدم هذه العريضة من نسختين مشتملة على وقائع الطلب واسانيده ويرفق بها ما يعززها من المستندات).