مؤتمرات بلا أثر: حين يتكرر الخطاب العلمي

مصطفى ملا هذال

2025-12-18 04:16

لدى المؤسسات التعلمية والأكاديمية مواعيد شبه ثابتة عن إقامة المؤتمرات السنوية، بمشاركة باحثين من داخل البلاد وخارجها، لكن ما يثير التساؤل هنا: اين استقرت مخرجات النسخة الماضية من المؤتمر، وهل طُبقت على ارض الواقع ام بقيت أفكار دون أثر.

في كل عام تتكرر مشاهد إقامة المؤتمرات العلمية والملتقيات البحثية والندوات الأكاديمية، تُرفع فيها الشعارات الكبيرة عن دعم البحث العلمي، وربط المعرفة بالواقع، وتُلتقط الصور التذكارية، وتُطبع كتب الملخصات، ثم ينفضّ الجمع دون أن يلمس الشارع أو المؤسسات أي أثر حقيقي لما قُدم من أوراق وأفكار. 

هذه الظاهرة لم تعد استثناء، بل تحولت إلى نمط شبه دائم في كثير من البلدان، ومنها العراق، حيث تُصرف على هذه المؤتمرات أموال وجهود تنظيمية لا يُستهان بها، من قاعات فخمة وضيافة وإعلام، في مقابل مخرجات علمية محدودة التأثير، وغالبا ما تبقى التوصيات حبيسة الأدراج أو منشورة في مواقع إلكترونية لا يطلع عليها سوى عدد قليل من المختصين. 

السؤال الجوهري هنا: ما جدوى هذا التكرار السنوي إذا لم يُترجم إلى سياسات أو حلول أو حتى خطوات تنفيذية واضحة؟

أحد أبرز أسباب هذه المشكلة هو الطابع الشكلي الذي يطغى على العديد من الفعاليات العلميةـ فبعضها يُنظم لتحقيق متطلبات إدارية أو أكاديمية، كترقية الأساتذة أو استكمال خطط المؤسسات، لا بدافع معالجة إشكاليات واقعية، وبذلك يتحول المؤتمر الحالة إلى استحقاق سنوي أكثر منه مساحة حقيقية للنقاش النقدي وإنتاج المعرفة القابلة للتطبيق.

كما يساهم ضعف الصلة بين الجامعات وصناع القرار في تعميق الفجوة بين البحث والتطبيق، فغالبا ما تقدم الأوراق العلمية بلغة أكاديمية معقدة، دون تبسيط أو تحويل نتائجها إلى سياسات عامة أو مشاريع قابلة للتنفيذ. وفي المقابل لا تُبدي الجهات التنفيذية اهتماما جادا بمتابعة توصيات المؤتمرات أو الاستفادة منها في التخطيط واتخاذ القرار.

ومن المشكلات الأخرى المتعلقة بهذا النوع من النشاطات العلمية هو تكرار الموضوعات ذاتها، فغالبا ما تعاد مناقشة القضايا نفسها كل عام، مع تغييرات طفيفة في العناوين، دون تقييم ما إذا كانت توصيات المؤتمرات السابقة قد نُفذت أو فشلت ولماذا، وبهذه الجزئية يمكن القول او الجزم بغياب مبدأ المساءلة العلمية، الذي يفرض مراجعة ما أُنجز وما لم يُنجز، ويُبنى عليه قبل الانتقال إلى مؤتمرات جديدة.

لا يمكن إنكار أهمية المؤتمرات العلمية من حيث المبدأ، فهي فضاءات للتواصل وتبادل الأفكار وبناء الشبكات الأكاديمية، لكن قيمتها الحقيقية تقاس بمدى قدرتها على إحداث أثر ملموس، ويبقى المؤتمر الذي لا يخرج بخطة عمل، أو جدول زمني، أو جهة مسؤولة عن متابعة التوصيات، عبارة عن نشاط بروتوكولي مهما بلغت جودة أوراقه.

ولكي يتم تجاوز هذه الإشكالية يتطلب إعادة تعريف هدف المؤتمرات العلمية، وربطها بحاجات المجتمع ومشكلات الواقع، وإشراك الجهات التنفيذية منذ مرحلة الإعداد، لا الاكتفاء بدعوتها لحضور الجلسات الافتتاحية، كما يستلزم الأمر إنشاء آليات متابعة وتقييم، تُظهر للرأي العام ما الذي طُبق وما الذي تعذر تطبيقه وأسباب ذلك.

من دون هذه الخطوات، ستبقى المؤتمرات تتكرر، والعناوين تتبدل، بينما يبقى الواقع على حاله، وتظل الفجوة قائمة بين ما يُقال في القاعات المغلقة وما يحتاجه الناس على أرض الواقع.

ذات صلة

الاتحاد الإسلامي: ضمان الأمان واحتواء النزاعاتالحق في المعارضة.. المقومات والوسائلفقهُ المداراة في المدرسة الباقرية: قراءة في تطبيق مبدأ الدفع بالتي هي أحسنلماذا تفشل المفاوضات الحزبية في إنتاج حكومات ديمقراطية؟في العصر الرقمي تتغير التعريفات