مشاريعنا: باب غير قابل للغلق

مصطفى ملا هذال

2025-12-14 04:06

في كل موسم مطر، أو حتى دون مطر أحيانا، تعود مشاهد الترميمات الطارئة وتخسفات الطرق لتحتل الواجهة، وكأنها جزء ثابت من يوميات المدن العراقية. 

مشاريع تُفتتح قبل اكتمالها، وشوارع تُعبد ثم تُعاد صيانتها بعد أشهر قليلة، وملايين تُصرف دون أن تترك أثرا يُطمئن المواطن بأن المال العام ذهب إلى مكانه الصحيح، هذه الفوضى في التنفيذ والمتابعة حولت مشاريعنا إلى باب غير قابل للغلق، ما إن ينتهي مشروع حتى يُعاد فتحه من جديد لغرض الصيانة العاجلة.

من النادر أن يمر موسم او سنة دون ظهور حفرة او تخسف عملاق في الطرقات العامة الداخلية او الخارجية، ففي بغداد لم يمضِ سوى أشهر قليلة على إكمال طريق محمد القاسم السريع عام 2021 حتى بدأ يعاني من هبوطات في مقاطع معينة، الأمر الذي أعاد الفرق الفنية إلى العمل مجددا. 

وفي محافظة النجف، شهدت بعض مقاطع طريق المطار تخسفات متكررة خلال عام 2022، رغم أنه كان حديث الإنشاء، أما في البصرة، فقد سجلت عدة مناطق تخسفات بعد أيام فقط من هطول الأمطار في شتاء 2023، بما فيها طرق تم تأهيلها قبل موسم الأمطار مباشرة.

وهذه الأمثلة ليست حوادث معزولة، بل أصبحت ظاهرة تشير إلى خلل مركب في منظومة تنفيذ المشاريع، فالمواطن لم يعد يندهش حين يرى شارعا مكسرا بعد أشهر قليلة من افتتاحه، لأن التجارب المتكررة جعلت حالة عدم الثقة قاعدة عامة، وبين حديث الحكومات المحلية عن الجودة والمعايير، وواقع التنفيذ الرديء، تتسع الهوة وتتكرر الأخطاء.

ولأن لأي نتيجة سبب ما، فإن أحد أبرز أسباب هذه الإخفاقات هو ضعف الإشراف الفني، فكثير من المشاريع تُحال إلى شركات ليست ذات خبرة كافية أو تُنفذ بمواد منخفضة الجودة، بينما تكتفي الجهات الرقابية بتسلم المشروع شكليا دون فحص دقيق، أضف إلى ذلك ضغط الوقت؛ فالمشاريع غالبا تُنجز على عجالة كي تُفتتح قبل موسم انتخابي أو مناسبة رسمية، ما يجعل الجودة ضحية للوقت.

إضافة إلى ذلك، يبرز العامل البيئي الذي أصبح شماعة جاهزة لتبرير أي خلل، فعلى الرغم من ارتفاع درجات الحرارة، وازدياد الأحمال المرورية، وهطول أمطار غير منتظمة، فإن هذه العوامل ليست جديدة على العراق، بل كانت حاضرة لعقود من الزمن، ولم تمنع سابقا من إنشاء طرق صمدت لسنوات طويلة!

وإلى جانب الطرق، تعاني مشاريع البنى التحتية الأخرى من العمر القصير، فالمباني الحكومية التي يُفترض أن تصمد عشرات السنين، تبدأ بالترميم بعد سنوات قليلة، بينما القنوات والمجاري التي تُنجز بمبالغ ضخمة تنهار بعد أول موجة مياه قوية.

ففي محافظة كربلاء على سبيل المثال، شهدت بعض الأحياء انهيارات في خطوط المجاري بعد أقل من عامين على تنفيذها، ما تسبب في غرق الشوارع وتلف طبقات الإسفلت التي أُعيد تبليطها أكثر من مرة.

ويساعد على ذلك غياب المساءلة، الامر الذي يجعل الباب مفتوحا دائما، فمشروع يُنفذ ثم يُعاد ترميمه، ولا أحد يسأل، لماذا؟ وكيف؟ ومن يتحمل الخسائر؟ 

المواطن وحده يدفع ثمن الطرق المتضررة، والبنى التحتية المنهكة، التي تسببت بهدر الميزانيات دون الوصول الى نتائج ملموسة فيما يخص النهضة العمرانية المزعومة. 

لا يمكن للعراق أن يتقدم خطوة واحدة ما لم تُغلق أبواب الهدر هذه، اذ يتطلب إصلاح جذري يبدأ من مراحل إحالة المشروع، مرورا بالرقابة الفنية، وصولا إلى المحاسبة الصارمة. 

مشاريعنا يجب أن تتحول من ملفات مفتوحة باستمرار إلى منجزات حقيقية طويلة العمر، عندها فقط يمكن أن نطمئن أن الباب قد أُغلق أخيرا.

ذات صلة

البصيرة التي أقنعت العقول.. قراءة تحليلية في كتاب (كيف ولماذا أسلموا؟)التركيب المعنوي في منهج الكتاب والعترةعلم اقتصاد المعنى: بين القلم والممحاةماذا يأتي بعد محور المقاومة؟العراق وإنتاج الزعيم المستبد: قراءة حضارية