الدرس الأهم
مصطفى ملا هذال
2025-10-23 04:11
الدرس الأهم بعد ان ظهرت نتائج التحقيق في حداثة انهيار مجسر العطيشي في كربلاء هو ان جميع الإجراءات او اغلبها مخالفة للشروط الفنية والمالية والإدارية، والشيء المهم الآخر في كل ما حدث هو تمكن اللجنة المكلفة بالتحقيق في الملف قالت كلمتها بطريقة شجاعة ودقة متناهية في تشخيص الأسباب.
ما حصل في مدينة كربلاء لم يكن الأول من نوعه فقد شهدت السنوات الأخيرة انهيار عدد من المشروعات الخدمية والتنموية في مراحل مبكرة من التنفيذ أو بعد وقت قصير من تشغيلها، ليس بفعل العوامل الطبيعية أو نقص التمويل فحسب، بل بسبب أخطاء ومخالفات إدارية ومالية وقانونية تراكمت في مراحل التخطيط والتنفيذ والرقابة.
وهذه الإخفاقات المتكررة لم تفرز خسائر مالية فادحة فحسب، بل أضعفت ثقة المجتمع في جدوى المشاريع الحكومية، وعرقلت مسارات التنمية على المدى الطويل، وبات الجمهور ينظر الى جميع ما يقال في مجال التنمية والازدهار، كالنفخ في جب مثقوب.
والسبب الرئيس وراء هذه القناعة هو الإخفاقات والانهيارات التي منيت فيها بعض المشروعات سواء بمراحل التنفيذ المبكرة، او بعد افتتاحها بفترة وجيزة،
فالسؤال الأهم هنا: ماذا لو لم يقع القوس الحديدي بيوم الصب؟
وماذا لو لم تتشكل هذه اللجنة التي رصدت عشرات الأخطاء والمخالفات؟
بالطبع ستبقى وتيرة العمل تسير بسرعة مصاعدة، وستُجلب كعكة الافتتاح الفاخرة، ليقف خلفها مسؤولين يرتدون ارقى الماركات العالمية، تم شرائها بمبالغ تحوم حولها الشبهات، يجتهدون وحريصون على الوقوف بزوايا مثالية لالتقاط صور تظهرهم ابطال قومهم وفطاحل ازمانهم.
يا سيدي المسؤول المتنفذ عليك قبل التفكير بالشخصيات التي تريد رؤية منجزك، النظر في الخطط العمرانية والمخططات والتصاميم الموضوعة ومدى ملائمها لتطور المدينة وحاجتها الفعلية لمثل هذه المشروعات.
سيادة المسؤول لا يكفي ان تُقر المشاريع من دون دراسات جدوى دقيقة، أو تُنفذ بناءً على اعتبارات سياسية أو ضغط زمني، مما يؤدي إلى اختيار مواقع غير مناسبة أو تقنيات غير ملائمة أو تقديرات مالية غير واقعية.
وعندما تبدأ عملية التنفيذ تتضح الثغرات، فتُضطر الجهات المنفذة إلى إجراء تغييرات جوهرية ترفع الكلفة وتؤخر الإنجاز، أو تترك المشروع معلقا في منتصف الطريق.
اما الخطأ الآخر الذي وقعت فيه الجهات التنفيذية في المحافظة هو غياب التخطيط المرحلي، فالمشاريع الكبرى تحتاج إلى تسلسل زمني واضح، يحدد بموجبه المسؤوليات والموارد بدقة، فضلا عن وضع خطط بديلة لاحتمالية وجود طارئ يعرقل او يؤثر على عملية إنجاز المشروع.
ويأتي مع ذلك ان الكثير من الجهات الحكومية والمنفذة تتعامل مع المشاريع بعشوائية، من دون تحديد دقيق للأولويات، أو توثيق للإجراءات، أو التزام بمواصفات الجودة، ما يؤدي إلى تراكم الإخفاقات الصغيرة حتى تتحول إلى أزمة كبيرة يصعب تداركها، وقوع المجسر أقرب الأدلة او الأمثلة الى الاذهان.
أما على الصعيد القانوني، فإن غياب الالتزام الصارم باللوائح والتعليمات يؤدي إلى تعقيد مسار المشروع لاحقا، ومن بينها منح العقود لمقاولين غير مؤهلين، أو تجاهل متطلبات التراخيص والضوابط البيئية.
الدرس الأهم من كل ذلك أن نجاح المشاريع لا يرتبط فقط بتوفير التمويل أو الإعلان عن الخطط، بل ببناء منظومة متكاملة من التخطيط الدقيق، والإدارة الرشيدة، والرقابة الصارمة، والالتزام بالقانون في كل مرحلة. فالمشروعات التي تنهار ليست بالضرورة ضحايا للظروف، بل ضحايا لأخطاء بشرية وإدارية كان يمكن تلافيها لو توفرت إرادة حقيقية للجهات المنفذة.
معالجة هذه الإشكالات تتطلب إعادة النظر في آليات إقرار المشاريع، وتحديث أنظمة الرقابة والمتابعة، وتحديد المسؤوليات بوضوح، إضافة إلى رفع كفاءة الكوادر الفنية والإدارية. فالمشاريع ليست مجرد مبانٍ أو طرق أو جسور، بل هي اختبار حقيقي لقدرة الدولة على التخطيط والتنفيذ وفق معايير مهنية رصينة.