تركيا واحلام التفوق الإقليمي

شبكة النبأ

2025-10-23 04:20

تسعى تركيا الى بناء تفوق اقليمي من خلال الحصول بسرعة على طائرات مقاتلة متطورة لمواكبة منافسيها الإقليميين مثل إسرائيل وتعزيز قوتها الجوية لمواجهة أي تهديدات محتملة. كما تحوّلت علاقات تركيا بحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) إلى ورقة جيوسياسية رابحة بعد أن كانت ذات يوم نقطة خلاف مع واشنطن، حيث أعادت أنقرة تأكيد حضورها على رقعة الشطرنج في الشرق الأوسط مما أثار استياء إسرائيل وخصومها العرب.

كما تسعى تركيا لتلبية أكثر من نصف احتياجاتها من الغاز بحلول نهاية عام 2028 من خلال زيادة الإنتاج وزيادة الواردات من الولايات المتحدة في تحول يهدد بتقليص آخر سوق أوروبية رئيسية للموردين الروس والإيرانيين. ومن شأن تنويع المصادر أيضا تعزيز أمن الطاقة في تركيا ودعم طموحاتها في أن تصبح مركزا إقليميا للغاز.

فقد قالت مصادر مطلعة على المحادثات إن تركيا، الحريصة على تعزيز قوتها الجوية، اقترحت على شركائها الأوروبيين والولايات المتحدة طرقا يمكنها من خلالها الحصول بسرعة على طائرات مقاتلة متطورة في إطار سعيها لمواكبة منافسيها الإقليميين مثل إسرائيل.

وتهدف تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي، والتي تملك ثاني أكبر جيش في الحلف، إلى الاستفادة من أفضل علاقاتها مع الغرب منذ سنوات لتضيف إلى أسطولها المتقادم 40 طائرة يوروفايتر تايفون التي وقعت اتفاقا مبدئيا للحصول عليها في يوليو تموز، ولاحقا أيضا طائرات إف-35 الأمريكية الصنع، رغم العقوبات التي تفرضها واشنطن والتي تمنع أي صفقة في الوقت الراهن.

وأثارت ضربات إسرائيل، التي تملك الجيش الأكثر تطورا في الشرق الأوسط المزود بمئات المقاتلات الأمريكية إف-15 وإف-16 وإف-35، في إيران وسوريا جارتي تركيا، وكذلك على لبنان وقطر، قلق أنقرة في العام الماضي. ويقول مسؤولون إن هذه الهجمات كشفت عن نقاط ضعف رئيسية، مما دفع أنقرة إلى التحرك بسرعة لتعزيز قوتها الجوية لمواجهة أي تهديدات محتملة.

وانتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشدة الهجمات الإسرائيلية على غزة وأماكن أخرى في الشرق الأوسط، كما أن العلاقات التي كانت طيبة بين البلدين تراجعت إلى أدنى مستوياتها. وحذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أن قواعد تركيا وحلفاءها من المسلحين ودعمها للجيش في سوريا تشكل تهديدا لإسرائيل.

ومن المتوقع أن تتلقى اليونان، التي تشكل عاملا مهما في الحسابات الاستراتيجية التركية رغم أنها لا تمثل تهديدا مباشرا، دفعة من طائرات إف-35 المتطورة في السنوات الثلاث المقبلة. وفي السنوات الماضية، وقعت مناوشات جوية متفرقة بين البلدين العضوين في حلف شمال الأطلسي فوق بحر إيجة، وسبق أن عبرت أثينا عن مخاوفها من التعزيزات العسكرية التركية.

تركيا ستشتري طائرات مستعملة لضمان الحصول عليها بسرعة

بالنسبة لطائرات تايفون، ذكر مصدر مطلع أن تركيا تقترب من إبرام صفقة مع بريطانيا ودول أوروبية أخرى ستحصل بموجبها فورا على 12 طائرة، وإن كانت مستعملة، من المشترين السابقين قطر وعُمان لتلبية احتياجاتها العاجلة.

وقال المصدر المطلع إن أعضاء كونسورتيوم يوروفايتر، بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، سيوافقون على مقترح بيع الطائرات المستعملة، على أن يتم منح تركيا 28 طائرة جديدة في السنوات المقبلة إذا تم التوصل إلى اتفاق نهائي للشراء.

ومن المتوقع أن يناقش أردوغان المقترح خلال زياراته إلى قطر وسلطنة عمان اليوم الأربعاء وغدا الخميس، حيث ستكون أعداد الطائرات والأسعار والأطر الزمنية هي القضايا الرئيسية.

وقالت مصادر إن من المتوقع أن يستضيف أردوغان بعد ذلك رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والمستشار الألماني فريدريش ميرتس في وقت لاحق من هذا الشهر، حيث من المتوقع أن يتم إبرام اتفاقات.

وصرح متحدث باسم الحكومة البريطانية لرويترز بأن مذكرة التفاهم التي وقعتها بريطانيا وتركيا في يوليو تموز تمهد الطريق "لطلبية بمليارات الجنيهات الإسترلينية تصل إلى 40 طائرة"، وأضاف "نحن نتطلع إلى الاتفاق على تفاصيل التعاقد النهائية قريبا".

وقال وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول، الذي كان في أنقرة الأسبوع الماضي، إن برلين تدعم شراء الطائرات، وقال في وقت لاحق لقناة (إن.تي.في) التلفزيونية إن الصفقة قد تتم في غضون عام.

وذكرت وزارة الدفاع التركية أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي وأن المحادثات مع بريطانيا تسير في اتجاه إيجابي، مضيفة أن أعضاء الكونسورتيوم الآخرين يدعمون الصفقة. ولم تعلق قطر وعمان بعد.

تركيا وأمريكا تملكان الإرادة السياسية لتذليل العقبات

ثبت أن الحصول على طائرات إف-35 المتطورة أكثر صعوبة بالنسبة لأنقرة، التي مُنعت من شرائها منذ عام 2020 عندما فرضت واشنطن عليها عقوبات بموجب قانون "مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات" بسبب شرائها لمنظومة الدفاع الجوي الروسية إس-400.

وأخفق أردوغان في إحراز تقدم في هذه القضية في اجتماع عقد بالبيت الأبيض مع الرئيس دونالد ترامب الشهر الماضي. لكن تركيا لا تزال تهدف إلى الاستفادة من العلاقات الشخصية الجيدة بين الزعيمين، ومساعدة أردوغان في إقناع حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) بالتوقيع على خطة ترامب لوقف إطلاق النار في غزة.

وقالت مصادر منفصلة إن أنقرة تفكر في اقتراح خطة قد تتضمن "إعفاء" رئاسيا أمريكيا للتغلب على عقوبات قانون مكافحة أعداء أمريكا وتمهيد الطريق لحل قضية إس-400 وشراء طائرات إف-35 في نهاية المطاف.

ولا تزال حيازة تركيا لمنظومة إس-400 هي العقبة الرئيسية أمام شراء طائرات إف-35، لكن أنقرة وواشنطن عبرتا علنا عن رغبتهما في التغلب على هذه المشكلة، وقالتا إن لديهما الإرادة السياسية لتحقيق ذلك.

وقالت المصادر إن الإعفاء المؤقت المحتمل، إذا تم منحه، يمكن أن يساعد أنقرة على زيادة التعاون الدفاعي مع واشنطن وربما حشد الدعم في الكونجرس الأمريكي الذي كان متشككا تجاه تركيا في الماضي.

وذكر هارون أرماجان نائب رئيس الشؤون الخارجية في حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا لرويترز "يدرك الجانبان أنه يتعين حل مشكلة قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات. سواء كان إعفاء رئاسيا أو قرارا من الكونجرس، فإن الأمر متروك للولايات المتحدة".

وأضاف "يبدو الأمر غريبا مع كل الاتصالات الدبلوماسية الأخرى والتعاون الذي يحدث في الوقت نفسه".

ولم ترد وزارة الخارجية التركية على أسئلة حول طرح فكرة الإعفاء على الأمريكيين أو المناقشات حول حل قضية إس-400. ولم يعلق البيت الأبيض حتى الآن على ما إذا كانت أنقرة قد طرحت خيار الإعفاء.

وقال متحدث باسم الخارجية الأمريكية إن ترامب يدرك الأهمية الاستراتيجية لتركيا وإن "إدارته تسعى إلى إيجاد حلول مبتكرة لجميع هذه القضايا العالقة"، لكنه لم يقدم مزيدا من التفاصيل.

وردا على سؤال حول اتفاق تركيا المنفصل لشراء 40 طائرة من طراز إف-16، وهي مقاتلة من الجيل السابق، أفاد مصدر أمريكي بأن المحادثات تعثرت بسبب المخاوف التركية بشأن السعر والرغبة في شراء طائرات إف-35 الأكثر تقدما بدلا من ذلك.

وبسبب الإحباط من العلاقات المتقلبة بين الدفء والفتور فيما سبق مع الغرب وبعض قرارات حظر السلاح، طورت أنقرة مقاتلة شبح خاصة بها هي المقاتلة قآن. ومع ذلك، يعترف المسؤولون أن الأمر سيستغرق سنوات قبل أن تحل محل طائرات إف-16 التي تشكل العمود الفقري لقواتها الجوية.

وتعتبر تحديثات الطائرات جزءا من جهود أوسع نطاقا لتعزيز الدفاعات الجوية متعددة الطبقات التي تشمل أيضا مشروع "القبة الفولاذية" المحلي في تركيا وتوسيع نطاق تغطية الصواريخ بعيدة المدى.

وقال يانكي باغجي أوغلو، وهو عضو في البرلمان عن حزب الشعب الجمهوري المعارض وبريجادير جنرال سابق في القوات الجوية التركية، إنه يجب على تركيا تسريع خططها الخاصة بطائرات "قآن" و"يوروفايتر" و"إف-16".

وأضاف "في الوقت الحالي، نظام الدفاع الجوي لدينا ليس بالمستوى المطلوب"، ملقيا باللوم على "الإخفاقات في إدارة المشروع".

غزة ورقة نفوذ لتركيا

تحوّلت علاقات تركيا بحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) إلى ورقة جيوسياسية رابحة بعد أن كانت ذات يوم نقطة خلاف مع واشنطن، فمن خلال إقناع حماس بقبول خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن غزة أعادت أنقرة تأكيد حضورها على رقعة الشطرنج في الشرق الأوسط مما أثار استياء إسرائيل وخصومها العرب.

رفض قادة حماس في البداية إنذار ترامب لهم بإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين أو مواجهة الدمار المستمر، ولم يعلنوا موافقتهم على الخطة الأمريكية إلا عندما حثتهم تركيا، وهي دولة يعتبرونها راعية سياسية لهم.

وقال مصدران إقليميان ومسؤولان في حماس لرويترز إن رسالة أنقرة كانت واضحة لا لبس فيها، وهي أنه حان وقت القبول.

وقال ترامب الأسبوع الماضي، في إشارة إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعد أن وافقت حماس على خطة وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن "هذا السيد، من مكان يدعى تركيا، هو واحد من أقوى الرجال في العالم... إنه حليف جدير بالثقة. موجود دائما عندما أحتاجه".

شكّل توقيع أردوغان على اتفاق غزة دفعة قوية لمساعي تركيا في لعب دور محوري في الشرق الأوسط، وهو الدور الذي يسعى أردوغان حثيثا لاستعادته مستندا إلى إرث الإمبراطورية العثمانية.

وتقول المصادر إن تركيا تسعى الآن، بعد الاتفاق، إلى جني المكاسب بما في ذلك في العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة.

وقال سنان أولغن مدير مركز الدراسات الاقتصادية والسياسة الخارجية (إيدام) ومقره إسطنبول والزميل في مركز كارنيجي أوروبا، إن نجاح أنقرة في إقناع حماس بقبول خطة ترامب بشأن غزة منحها نفوذا دبلوماسيا جديدا في الداخل والخارج.

ورجح أن تستغل تركيا عودة العلاقات الطيبة مع واشنطن للضغط من أجل إحراز تقدم في صفقة متوقفة لشراء طائرات إف-35، وتخفيف العقوبات الأمريكية والحصول على مساعدة واشنطن في تعزيز أهداف تركيا الأمنية في سوريا المجاورة.

وقال أولغن لرويترز "إذا تُرجمت تعليقات ترامب الإيجابية إلى نوايا طيبة دائمة، يمكن لأنقرة أن تستغل هذا الزخم لحل بعض الخلافات المستمرة منذ فترة طويلة".

إعادة ضبط العلاقات

وقال مسؤولون إن إعادة ضبط العلاقات الدبلوماسية بين أنقرة وواشنطن بدأت خلال زيارة أردوغان للبيت الأبيض في سبتمبر أيلول، وهي الأولى له منذ ست سنوات.

تناول الاجتماع نقاط الخلاف العالقة، بما في ذلك مساعي تركيا لرفع العقوبات الأمريكية المفروضة عليها في 2020 بسبب شرائها أنظمة الصواريخ الروسية إس-400، وهي خطوة أغضبت واشنطن وأدت أيضا إلى إخراجها من برنامج شراء الطائرات المقاتلة إف-35.

وكانت سوريا موضوعا رئيسيا آخر. تريد تركيا الضغط على قوات سوريا الديمقراطية الكردية المدعومة من الولايات المتحدة للاندماج في الجيش السوري. وتنظر أنقرة إلى قوات سوريا الديمقراطية على أنها تهديد بسبب علاقاتها بحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا جماعة إرهابية.

ويبدو أن هذا الهدف يحقق تقدما، فقد أكد قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي وجود آلية للاندماج في الجيش السوري، وهي نتيجة تعتبرها تركيا مكسبا استراتيجيا.

ويأتي اتفاق غزة في أعقاب سلسلة من المكاسب التي عززت مكانة تركيا. وأشاد ترامب بأردوغان لاستضافته المحادثات الروسية الأوكرانية في وقت سابق هذا العام، وتنامى أيضا نفوذ أنقرة بعد سقوط بشار الأسد في سوريا في 2024، وكانت تركيا دعمت قوات المعارضة السورية.

ويعيد طموح تركيا في استعادة دور مهيمن في الشرق الأوسط إلى أذهان بعض المشككين إرث الإمبراطورية العثمانية التي حكمت ذات يوم معظم المنطقة. وترك انهيارها قبل قرن من الزمان تركيا الحديثة منغلقة على نفسها وهي تبني جمهورية علمانية مما أبعدها على نحو ما عن الدبلوماسية الإقليمية.

ولم تكن أنقرة لسنوات جزءا من الجهود رفيعة المستوى لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهو مصدر رئيسي لعدم الاستقرار الإقليمي. وأدى دعم تركيا للحركات الإسلامية، بما في ذلك الدعم السياسي والدبلوماسي لحماس التي استضافت قادتها، إلى توتر العلاقات مع إسرائيل وعدة دول عربية، كما أن ما يُنظر إليه على أنه انحراف عن معايير وقواعد حلف شمال الأطلسي في عهد أردوغان زاد من ابتعادها عن جهود صنع السلام.

لكن لكسر الجمود في محادثات وقف إطلاق النار في غزة، لجأ ترامب إلى أردوغان مراهنا على نفوذ الزعيم التركي لدى حماس. وأكد المسؤولون الأتراك، بقيادة رئيس جهاز المخابرات إبراهيم كالين، لحماس أن وقف إطلاق النار يحظى بدعم إقليمي وأمريكي، بما في ذلك ضمان من ترامب شخصيا.

ومن خلال الاستعانة بأردوغان، منح ترامب أنقرة الدور الذي كانت تتوق إليه كقوة إقليمية سنية مهيمنة. وقال اثنان من الدبلوماسيين إن هذه الخطوة أزعجت إسرائيل ودول عربية منافسة، منها مصر والسعودية والإمارات، لطالما توخت الحذر من طموحات أردوغان الإسلامية.

وقال المعلق السياسي العربي أيمن عبد النور "هو (أردوغان) شاطر وحريف في طريقة تغيير كل شيء لصالحه". وأضاف أن دول الخليج لم تكن سعيدة باضطلاع تركيا بدور قيادي في غزة، لكنها في الوقت نفسه أرادت أن ينتهي هذا الصراع وأن تشهد التوصل إلى اتفاق وتهميش حماس.

وذكر المحلل اللبناني سركيس نعوم أن الدول العربية -وإن كانت تشارك تركيا الرغبة في إنهاء الحرب- إلا أن الدور الأكبر الذي مُنح لأنقرة كان مصدر قلق لها، إذ أعاد إلى الأذهان تاريخ الحكم العثماني لكثير من دول المنطقة.

ولم ترد وزارتا الخارجية التركية والأمريكية وجهاز المخابرات التركي على طلبات من رويترز للتعليق.

والشاغل الرئيسي لحماس الآن هو احتمال تراجع إسرائيل عن الاتفاق واستئنافها العمليات العسكرية. وذكرت مصادر إقليمية أن انعدام الثقة العميق كاد أن يُعرقل العملية.

وقال مسؤول كبير في حماس لرويترز إن الضمانة الحقيقية الوحيدة جاءت من أربعة أطراف، هي تركيا وقطر ومصر والأمريكيون، وإن ترامب شخصيا أعطى كلمته.

وأضاف أن الرسالة الأمريكية كانت إطلاق سراح الرهائن وتسليم الجثث في مقابل ضمان عدم العودة إلى الحرب.

ضغط هائل على حماس

قال دبلوماسيان إن إسرائيل اعترضت في البداية على دخول تركيا في المحادثات، لكن ترامب تدخل وضغط على تل أبيب للسماح بمشاركتها.

وذكر مسؤول كبير في حماس أن القادة العسكريين في غزة قبلوا الهدنة ليس استسلاما ولكن تحت ضغط الوساطة والوضع الإنساني المنهار والسكان المنهكين من الحرب.

وردا على سؤال عن احتمال نشر قوات تركية في غزة بعد الحرب وسبل ضمان أمن القطاع، قال أردوغان في الثامن من أكتوبر تشرين الأول إن محادثات وقف إطلاق النار كانت ضرورية لمناقشة القضية بالتفصيل، لكن الأولوية هي تحقيق وقف كامل لإطلاق النار وتوصيل المساعدات وإعادة إعمار غزة.

وقال أردوغان خلال خطاب في أنقرة "إن شاء الله سنشارك، نحن الأتراك، في قوة المهام التي ستراقب تنفيذ الاتفاق ميدانيا"، مضيفا أن تركيا ستشارك أيضا في إعادة إعمار غزة.

تحول تركي في استيراد الغاز

وفي سياق متصل ربما تتمكن تركيا من تلبية أكثر من نصف احتياجاتها من الغاز بحلول نهاية عام 2028 من خلال زيادة الإنتاج وزيادة الواردات من الولايات المتحدة في تحول يهدد بتقليص آخر سوق أوروبية رئيسية للموردين الروس والإيرانيين.

وتمارس واشنطن ضغوطا علنية على حلفائها، بمن فيهم تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي، لقطع علاقاتها في مجال الطاقة مع موسكو وطهران. وحث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نظيره التركي رجب طيب أردوغان خلال لقائهما في البيت الأبيض في 25 سبتمبر أيلول على خفض مشتريات الطاقة الروسية.

ومن شأن تنويع المصادر أيضا تعزيز أمن الطاقة في تركيا ودعم طموحاتها في أن تصبح مركزا إقليميا للغاز. ويقول محللون إن أنقرة تهدف إلى إعادة تصدير الغاز الطبيعي المسال المستورد وتصدير إنتاجها المحلي من الغاز إلى أوروبا، مع استهلاك الغاز الروسي والإيراني محليا.

وقال صحبت كربوز من المنظمة المتوسطية للطاقة والمناخ، ومقرها باريس "تركيا تشير إلى أنها ستستغل وفرة الغاز الطبيعي المسال (العالمية)".

وتظل روسيا أكبر مورد للغاز إلى تركيا، لكن حصتها في السوق انخفضت من أكثر من 60 بالمئة قبل 20 عاما إلى 37 بالمئة في النصف الأول من عام 2025. وأوقفت معظم الدول الأوروبية الواردات بعد غزو موسكو لأوكرانيا في عام 2022.

ويقترب أجل عقود خطوط الأنابيب طويلة الأجل المبرمة بين روسيا وتركيا لضخ 22 مليار متر مكعب سنويا عبر خطي أنابيب بلو ستريم وترك ستريم، من الانتهاء. وينقضي أجل عقد مع إيران لضخ 10 مليارات متر مكعب في منتصف العام المقبل، بينما تستمر عقود أذربيجان، البالغة 9.5 مليار متر مكعب في المجمل، حتى عامي 2030 و2033.

وقال كربوز إن تركيا ستمدد على الأرجح بعض هذه العقود، مع السعي إلى شروط أكثر مرونة وأحجام أصغر لزيادة تنوع إمداداتها.

في الوقت نفسه، توسع تركيا بسرعة مصادرها البديلة. إذ تعزز مؤسسة البترول التركية إنتاجها من حقول الغاز المحلية، بينما وسعت الشركات الحكومية والخاصة محطات استيراد الغاز الطبيعي المُسال لجلب الغاز من الولايات المتحدة والجزائر.

ووفقا لحسابات رويترز، يتجه الإنتاج المحلي وواردات الغاز الطبيعي المسال المتعاقد عليها لتجاوز 26 مليار متر مكعب سنويا اعتبارا من عام 2028 مقارنة مع 15 مليار متر مكعب هذا العام.

توقعات بتزايد الواردات من أمريكا

من شأن ذلك أن يغطي أكثر من نصف الطلب التركي على الغاز والذي يبلغ نحو 53 مليار متر مكعب، مما يقلل الفجوة في واردات خطوط الأنابيب إلى نحو 26 مليار متر مكعب - وهو أقل بكثير من 41 مليار متر مكعب من الإمدادات المتعاقد عليها حاليا من روسيا وإيران وأذربيجان مجتمعة.

ولدعم هذا التحول، وقعت تركيا سلسلة من صفقات الغاز الطبيعي المسال مع موردين أمريكيين بقيمة 43 مليار دولار، بما في ذلك اتفاقية مدتها 20 عاما مع شركة ميركوريا في سبتمبر أيلول.

وذكرت بورصة الطاقة التركية أن البلاد بنت قدرة استيراد سنوية للغاز الطبيعي المسال تبلغ 58 مليار متر مكعب، وهو ما يكفي لتغطية الطلب بالكامل.

ورغم ذلك، يواصل الغاز الروسي التدفق بكامل طاقته، ويقول الكرملين إن التعاون مع أنقرة لا يزال قويا.

وقال أليكسي بيلوجورييف من معهد الطاقة والتمويل في موسكو إنه نظرا لأن تركيا تحتاج إلى كميات أقل من الغاز الروسي، فإن شركة بوتاش التركية ربما تتوقف، نظريا، عن الاستيراد من موسكو في غضون عامين إلى ثلاثة أعوام.

وأضاف بيلوجورييف "لكنها لن تفعل ذلك، لأن الغاز الروسي تنافسي من حيث الأسعار ويتيح فائضا يمكن لشركة بوتاش أن تستغله للضغط على الموردين الآخرين".

وقال وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار في مقابلة تلفزيونية في أكتوبر تشرين الأول إنه يجب على تركيا أن تحصل على الغاز من جميع الموردين المتاحين، بما في ذلك روسيا وإيران وأذربيجان، لكنه أشار إلى أن الغاز الطبيعي المسال الأمريكي يتيح بدائل أرخص.

وأحجمت وزارة الطاقة عن التعليق على صفقات التوريد المستقبلية والأسعار. ولم ترد جازبروم، الشركة الروسية المحتكرة للتصدير عبر أنابيب الغاز، على طلب التعليق.

وقال كربوز إن تركيا ربما تستهلك الغاز الروسي والإيراني محليا وتصدر إنتاجها وتعيد تصدير الغاز الطبيعي المسال بعد أن تحظر أوروبا واردات الطاقة الروسية بحلول عام 2028.

ووقعت شركة بوتاش التركية بالفعل صفقات لتزويد المجر ورومانيا بكميات صغيرة من الغاز في محاولة لأن تصبح مركزا إقليميا لتجارة الغاز.

وإلى جانب الغاز، ترتبط أنقرة بعلاقات وطيدة مع موسكو. إذ تبني شركة روس آتوم الروسية أول محطة للطاقة النووية في تركيا، وتمثل موسكو أكبر مورد للنفط الخام والديزل للبلاد.

* المصدر: وكالات+رويترز

ذات صلة

الطواغيت ولذّة الاستبدادالبنية التركيبية القرآنية وأثرها في توجيه المعنىالعراق بين إشكالية الحكم والأزمات السياسية والمجتمعية والخدمية!تخليص اليمن من خطر مزدوجبنود من بحر الطويل ناطقة بلسان الحال