أحسنوا اختيار رئيس الجمهورية

لتضمنوا تكليف الأنسب لمنصب رئيس مجلس الوزراء

القاضي سالم روضان الموسوي

2025-10-02 01:36

منذ ان اقترب موعد الانتخابات النيابية حتى اشتعل اوار التنافس الذي اتى بصورة التسقيط وليس عبر برامج البناء والنهوض، ولا يخفى على المراقب للمشهد الانتخابي، حمى التدافع بين الأشخاص والأحزاب لغايات نفعية ومغانم ومكاسب شخصية، واصبح ذلك منهجاً لدى من يسعى لنيل المنصب سواء في المجلس النيابي او الكابينة الوزارية، والسبب في هذا "السعار" هو تقلب أحوال من وصل الى تلك المناصب من انسان بسيط لا يملك من الأموال الا ما يسد به رمقه الى امير من امراء المال والسطوة، والامر جله بسبب وجاهة السلطة وما توفره من فرص للحصول على المال العام بصوره المتعددة والتي جميعاً تندرج ضمن نطاق (الفساد).

لذلك تجد الجميع يقاتل من اجل الحصول على منصب رئاسة مجلس الوزراء، والامر معروف للعامة والخاصة لأنه سبيل الوصول الى المال العام، ويتمكن بالسلطة في الانفاق من المال العام ومن ثم تحقيق المغانم والمكاسب، كما وجد وبدرجة أدنى انسحاب "السعار" الى منصب رئيس مجلس النواب، لما يوفر من سلطة في الدور الرقابي والتشريعي الذي يجعله قريباً من موارد الانفاق العام، والصورة التي وفرها من شغل المنصب تغني عن الشرح في بيان هذه الرغبة في الحصول عليه بعد ان ضمن الجميع تقاسم تلك المناصب على أساس الطائفة او القومية.

لكن ما يلفت النظر ان منصب رئيس الجمهورية يكاد لا يذكر في جميع هذا الحراك والذي اسميته (السعار) لأنه حراك مقرون بجنون وفوضى يتصل بلهاث الساعين فيه، مع ان منصب رئيس الجمهورية هو الحجر الأول في تكوين الكابينة الحكومية، فهو الذي يكلف مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا بتشكيل الحكومة، وعلى وفق ما ورد في المادة (76) من الدستور التي جاء فيها (يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الاكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوما من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية)، وظهرت أفكار واراء تجاه المقصود بالكتلة النيابية الأكثر عدداً حتى قطعت المحكمة الاتحادية العليا الغموض في النص أعلاه بقرارها العدد (25/اتحادية/2010 في 25/3/2010) الذي أشار صراحةً دون لبس أو غموض إلى أن هذه الكتلة هي التي تتكون بائتلاف عدة قوائم انتخابية أو القائمة الفائزة بأكبر عدد من المقاعد النيابية تكون هي الكتلة الأكبر.

وتتشكل هذه الكتلة في الجلسة الأولى من انعقاد مجلس النواب بعد انتخابه من خلال الإعلان عن الكتلة سواء بائتلاف بين القوائم الفائزة في الانتخابات، لان ما ورد في نهاية قرار المحكمة الاتحادية العليا الملمع عنه اكد على ذلك بالعبارة الآتية (تكليف مرشح الكتلة النيابية التي أصبحت مقاعدها النيابية في الجلسة الأولى لمجلس النواب أكثر عدداً من الكتلة أو الكتل الأخرى).

لذلك فان رئيس الجمهورية له حق الاجتهاد في تحديد الكتلة النيابية الأكثر عددا، ومن ثم هو الذي يحدد المرشح المكلف من بين الأسماء التي ترفع اليه، ومن الأمثلة على ذلك تنازع أكثر من كتلة على انها الاكثر عدداً، فان رئيس الجمهورية هو الذي يختار تلك الكتلة، وقد تكون الكتلة الأكثر عددا التي اختارها قدمت اكثر من مرشح، فان الخيار يبقى لرئيس الجمهورية، ويبقى قراره خاضع للطعن امام المحكمة الاتحادية العليا، مع التنويه الى ان الدستور وكذلك القوانين النافذة فيها فراغ تشريعي واضح وقصور تشريعي عن تنظم هذه العملية، لذلك يبقى رئيس الجمهورية صاحب الخيار بالاختيار دون اي ضابط قانوني، الا اذا تم الطعن بقراره امام المحكمة الاتحادية العليا وهو تنظيم قضائي وليس قانوني، وفيه سعة من الاجتهاد يخضع لقيم القضاة وضميرهم القضائي عند اصدار قرار الحكم.

وهذه الصلاحية من اهم ما يكون عليه شكل الكابينة الحكومية، وفي أكثر من تجربة نجد ان رئيس الجمهورية يتأخر في الاختيار انتظاراً لما سيتفق عليه أصحاب القرار السياسي المتحكمون بالكتل النيابية، بل في اختيار رئيس مجلس الوزراء بعد انتخابات عام 2022 حصل تكرار لاختيار أكثر من شخص ثم يعود رئيس الجمهورية الى سحب التكليف وتكليف شخص اخر، وتأخر التشكيل لسنوات وليس لأشهر، ومنها تكليف رئيس الوزراء السابق السيد مصطفى الكاظمي.

لذلك فان عدم الاهتمام باختيار مرشح منصب رئيس الجمهورية، تكون له عواقب، حيث انهم يرونه بانه اقل أهمية، ولابد ان يكون أضعف من غيره حتى لا يقاطع توجهات رئيس مجلس الوزراء الذي يضمن الحصول على المغانم والمنافع عبر الانفاق العام، وتجد انهم لا يعيرون له بالاً، بل يتركون امر تسميته الى المكون العراقي الثالث (الكردي) بعد ترسيخ توزيع المناصب على أساس القومية ودون تمحيص او تدقيق.

وهذا الاعتقاد بان المنصب ثانوي وان وجود الضعيف في المنصب هو اعتقاد غير صائب، لأنه قد لا يحقق لك ما ترغب فيه، وفي تجربة الأمير نوردوم سيهانوك رئيس كمبوديا في فترة السبعينيات من القرن الماضي، عبرة لمن يعتبر في اختيار الضعيف والغبي، حيث ينقل عنه الصحفي المصري محمد حسنين هيكل حواراً نشره في كتابه الموسوم (احاديث في اسيا-منشورات دار المعارف في لبنان ـ طبعة عام 1974) وينقل عنه بانه اختار معاوناً له وهو الجنرال "لون نول" لأنه ضعيف وغبي، والذي انقلب عليه عندما كان في باريس، فيقول (عندما نختار الاغبياء علينا ان ندفع الثمن... انني انا الذي اخترت "لون نول" رئيساً لوزراء كمبوديا وكنت أقول في نفسي انه غبي ولا يستطيع ان يفعل الا ما أقول، وهذه مشكلتنا، لان الضعيف قد يقول له الاخرين ايضاً) وعلى وفق ما ورد في الصفحة (182) من الكتاب أعلاه.

ثم يكرر القول بحديثه الى هيكل بانه تعلم الدرس من هذه الازمة فيقول (لقد تعلمت درساً... وسوف أقول لك: لا تعطِ ثقتك لغبي ولا تعطِ ثقتك لضعيف، تتصور انك سوف تمسك به دائما... لكن الحقيقة ان غيرك أيضاً سوف يمسك به ويأخذه منك!) وعلى وفق ما ورد في الصفحة (199) من الكتاب أعلاه.

لذلك لابد وان نعتبر من هذه القصة وغيرها مما مر به العراق منذ تأسيس الحكم الوطني عام 1920 ولغاية الان، وعلينا ان لا نضحي بالقوي، ومن نافلة القول ان القوي هو ليس الباطش والمستبد، فهذا هو من أضعف الشخصيات لأنه يستقوي على الغير بموارد السلطة وليس بإمكانياته وكفايته، وانما القوي هو العالم في اختصاصه والمختص في عمله، والذي يمتاز بنزاهة الضمير وبياض اليد ولم يجعل من الوظيفة مغنم له ولأقاربه، ويجمع منها الثروة، وانما الذي يقدم كفايته لخدمة البلد والمواطن، ولا يتعدى على المال العام.

وهذا يقودنا الى وجوب فهم أهمية المناصب الدستورية في جميع مفاصل السلطات التي تتكون منها السلطات الاتحادية الواردة في المادة (47) من الدستور التي جاء فيها (تتكون السلطات الاتحادية من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، تمارس اختصاصاتها ومهماتها على اساس مبدأ الفصل بين السلطات).

* قاضٍ متقاعد

ذات صلة

خدمتكَ للآخرين تفتح لك أبواب الجنةماذا خسر العالم بتنحية الوصي (ع).. وهل من خطوات نحو المدينة الفاضلة؟خطاب نتنياهو وعزلة إسرائيل.. هل تفرض انهاء الحرب على غزة؟قراءة في نهضة فكرية عابرة للمناطقية والقومية والمذهبيةلعنة الخطأ الاستراتيجي