الخطاب الطائفي/ التكفيري المسلح: خطر دائم على السلام في الشرق الأوسط والأمن في العراق
محمد عبد الجبار الشبوط
2025-07-28 05:05
في الوقت الذي تنشد فيه شعوب الشرق الأوسط الأمن والاستقرار بعد عقود من الصراعات والحروب، ما يزال الخطاب التكفيري المسلح يشكل تهديدًا مباشرًا للسلام الإقليمي، وخاصة عندما ينبعث من بؤر التوتر والانهيار المؤسسي، كما هو الحال في بعض المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة في سوريا.
لقد تحولت الأراضي السورية، بفعل الحرب الأهلية والفراغ الأمني، إلى بيئة حاضنة للفكر التكفيري المسلح، ومصدر انطلاق لجماعات متطرفة عابرة للحدود. والعراق لم يكن بعيدًا عن هذا الخطر، بل كان من أول ضحاياه؛ إذ انطلق العدوان الذي شنّه تنظيم داعش على المدن العراقية في عام 2014 من داخل الأراضي السورية، مستغلًا الفوضى والانقسام هناك، ليحتل مدنًا عراقية كبرى ويهدد وحدة الدولة ونسيجها الوطني.
الجماعات التكفيرية المسلحة لا تعترف بالحدود، ولا تؤمن بالدولة الوطنية، ولا تقبل بالتعدد الديني أو المذهبي أو الفكري. بل تنطلق من رؤية إقصائية ترى في المخالف كافرًا، وفي قتاله واجبًا، وفي استباحة دمه وماله وأرضه جهادًا. هذا الفكر لم يدمّر فقط ما تبقى من استقرار في سوريا والعراق، بل زرع بذور الكراهية والانقسام في عموم المنطقة.
الخطورة الحقيقية في هذا الخطاب لا تكمن فقط في ما يحمله من عنف، بل في ما يروّجه من ثقافة مريضة تشرعن القتل، وتحوّل الدين من رسالة رحمة إلى أداة تحريض واستباحة. وعندما يُقترن هذا الفكر بالسلاح، يصبح مشروعًا تدميريًا يهدد الأمن الإقليمي والسلم الأهلي، ويمزق المجتمعات من الداخل.
لذا، فإن مواجهته تتطلب جهدًا جماعيًا متكاملًا، لا يقتصر على الإجراءات الأمنية، بل يشمل أيضًا العمل الفكري والثقافي والإعلامي والتربوي. كما أن على المجتمع الدولي مسؤولية أخلاقية وقانونية في منع استخدام الأراضي المنهارة سياسيًا كمنصات لتصدير الإرهاب، ووقف شبكات التمويل والتحريض والدعاية التي تغذي هذه الجماعات.
أما العراق، الذي دفع ثمنًا باهظًا نتيجة تمدد الخطاب التكفيري، فعليه أن يعزز مشروع دولته الحضارية الحديثة القائمة على التنوع والاعتدال والمواطنة، وأن يتبنى سياسة واضحة في تجفيف منابع التطرف، وتجريم التكفير، ومواجهة منابر الكراهية، أينما كانت.
إن الحرب على الإرهاب لا تنتهي بتحرير الأرض، بل تبدأ بتحرير الإنسان من فكر الكراهية، وبناء ثقافة السلام، وترسيخ القيم التي تحصّن المجتمعات من الانجرار إلى العنف باسم الدين...