عامٌ على طوفان الأقصى الذي أصبح طوفان العالم

د. جواد الهنداوي

2024-10-08 04:41

أَخّرَ بنيامين نتنياهو ردّه على ايران لسببين: الاول عملياتي يتعلق بتحديد المواقع المُستهدفة والاتفاق مع الادارة الأمريكية بشأنها، وضمان الدعم اللوجستي من قوات حلف الناتو. والثاني رمزي وهو رغبة نتنياهو في ان يتزامن هجومه التاريخي على ايران مع الذكرى السنوية الاولى لطوفان الأقصى، حينَ مُرّغتْ مناخير الصهاينة و كيانهم في رمال غزَة .

  يريد نتنياهو ان يستبدل تاريخ 7 اكتوبر عام 2023، حيث نكبتهم ونكستهم التاريخية، وعلى يد وسواعد حركة مقاومة محاصرة، بتاريخ آخر، وهو 7 اكتوبر عام 2024، يوم قصف المنشآت النووية او النفطية او العسكرية الإيرانية، كي يحلَّ هذا التاريخ في ذاكرة اسرائيل والصهاينة بدلاً من التاريخ السابق .

حقاً، صَدَقَ من قال ”الجنون فنون”، وسلوك نتنياهو وجرائمه وافعاله خير شواهد .نتنياهو فاقَ شارون ببشاعة الجرائم .

مات في صهيون كلبٌ ( شارون )

 فاسترحنا من عواه …

خلّفَ الملعون جرواً ( نتنياهو )

فاق في النبح أباه .

وعذراً للمتنبي على التحوير في بيت الشعر .

فاقَ نتنياهو بسوء أدبه وتجاوزاته الرئيس الأمريكي السابق ترامب، حين وصفَ الامين العام للأمم المتحدة بشخص غير مرغوب به، واهان الرئيس الفرنسي حين توعّده بلعنة التاريخ. لذلك لم أتجاوز على شخص نتنياهو، حين وصفته، في مقالات سابقة بالجنون والاستهتار، وصفٌ يُضافُ إلى آخر يناسبهُ ويلاحقه وعلى مقياسه ”مجرم حروب ” .

 ما أوصلَ نتنياهو إلى هذا المستوى من الجرم والاستهتار هو المجتمع الدولي الرسمي وليس الشعبي، هو مجلس اللا أمن، هو الدول الكبرى، وتعرفون الاسباب .

 في أمر إسرائيل وشارون ونتنياهو موعظةٌ وحكمة للذين يتمعنون في الاحداث ويستخلصون منها العِبرْ، والتاريخ حافلٌ بتجارب الطغاة ومصيرهم ومصير من وَثَقَ بهم ووالاهم. الموعظة هي أنْ لا أمان ولا استقرار مع هذا الكيان العنصري التوسعي .

والحكمة هي أبيات من قصيدة للشاعر ايليا ابو ماضي :

  وإن شّنَ البغاة عليك حرباً

  واجروا من دم الاحرار نهراً

 فلا تحزن فرّبُك ذو انتقامٍ

سيصنعُ من دم الأبطال نصراً

 وإنْ فرضوا الطغاةُ عليك ذلاً

 فلا تخضعْ و عش دنياك حُرّاً

 الدول الكبرى او العظمى، وفي مقدمتهم امريكا والغرب هم، اليوم، مسؤولون عن حال العالم، وحال منطقتنا، عليهم تقع الملامة والحساب، وليس على الفلسطينيين والمقاومة وشعوب المنطقة .هم الذين رعوا وكبّروا و دعموا إسرائيل، وحولوها إلى وحش كاسر، يجول و يصول دون حساب وعقاب .

إسرائيل اليوم تنزفُ وتُستنزفْ في حربٍ، مشوارها طويل، طالما يقودها نتنياهو. نجحَ نتنياهو في اغتيال قادة من المقاومة، ولكن، نجحَ ايضا في الاسراع بزوال اسرائيل، ونجحَ في توسيع رقعة او مساحة العداء لإسرائيل؛ شعوب المنطقة وشعوب العالم، ودقَّ جرس الإنذار في الأردن وفي مصر، واقصدُ زعزعَ ثقة شعوب وقادة هذه الدول بما ذهبوا اليه من سلام واتفاقيات مع إسرائيل .

الآن، وقبل ان يبدأ هجوم اسرائيل في الساعات القادمة، ويليه الرّدْ من إيران، دخلَ الطرفان (الكيان المحتل و جمهورية ايران) في حالة حرب .

ماذا سيحدث بعد الهجوم و الرّد على الهجوم؟ حرب استنزاف في المنطقة وفي العالم، ما لمْ تستعجل الدول الكبرى في حل سريع يرضي الأطراف، وأول الأطراف المقاومة في غزّة ولبنان .

حرب استنزاف لإسرائيل أولاً و للغرب ثانياً، ألمُتعَبْ من حربه المفتوحة في أوكرانيا ومع روسيا، ومع الصين اقتصادياً ودبلوماسياً. حربٌ استنزاف تطال دول المنطقة بدولها وشعوبها وثرواتها (مصادر الطاقة)، وربما بحدودها .

إيران هي ومنذ 40 عاماً، في حالة استنزاف وحرب ناعمة، وعمقها الجغرافي ونظامها السياسي، وامكاناتها الاقتصادية تُعينها في تحمّل الأعباء . ولكن هل تصمد إسرائيل امام حرب استنزاف، وهل يستطيع الغرب وامريكا التعايش مع حربين في منطقتين استراتيجيتين؟

روسيا والصين ينتظران بفارغ الصبر حربا طويلة الأجل في المنطقة لإضعاف وإنهاك امريكا والناتو، اي لاستنزافهما، ولن تبخل روسيا بدعم ايران وجبهة المقاومة، وبالقدر الذي تراه مفيدا لمصالحها .

الدخول في هذا السيناريو (حرب في أوكرانيا و حرب في الشرق الأوسط) وكلاهما بالوكالة بين امريكا وروسيا قد يتطور (واقصد السيناريو) إمّا إلى ” فيلم ” يكتبه ويخرجه الطرفان ولمصالحهما، وعلى حساب مصالح شعوب المنطقة، وإما بطوفان للعالم نحو حرب عالمية ثالثة، وهذا، اعتقد، امر مُستبعد، طالما ما بين امريكا وروسيا توازن بالردع النووي، ومصالح دولية .

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي