العراق: بعد خمس سنوات من احتجاجات تشرين، لا يزال الإفلات من العقاب هو السائد
منظمة العفو الدولية
2024-10-02 07:11
قالت منظمة العفو الدولية اليوم إن الحكومات العراقية المتعاقبة فشلت في ضمان العدالة والحقيقة والتعويض عن الحملة المميتة ضد احتجاجات تشرين الأول/أكتوبر 2019، والتي أدت إلى مقتل واختفاء مئات المتظاهرين وإصابة الآلاف منهم. وذلك قبيل الذكرى السنوية الخامسة للاحتجاجات الوطنية التي شهدت مطالبة مئات الآلاف من العراقيين بإصلاحات اقتصادية ووضع حد للفساد.
يكشف تقرير جديد بعنوان "نحملهم مسؤولية دماء شبابنا" عن سلسلة من الوعود الكاذبة التي قدمتها السلطات العراقية لضحايا حملة قمع الاحتجاجات في أكتوبر/تشرين الأول 2019. ويكشف التقرير عن نمط مثير للقلق من الإهمال والإفلات من العقاب، مع محاولات هزيلة لتحقيق العدالة ذات المغزى مقارنة بحجم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والجرائم بموجب القانون الدولي المرتكبة أثناء وبعد الاحتجاجات الوطنية في أكتوبر/تشرين الأول 2019، بما في ذلك الاستخدام المفرط وغير القانوني للقوة المميتة من قبل شرطة مكافحة الشغب وقوات مكافحة الإرهاب وأعضاء وحدات الحشد الشعبي.
وقالت آية مجذوب، نائبة المدير الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: "إن الذكرى السنوية الخامسة لاحتجاجات تشرين الوطنية هي تذكير صارخ باستمرار الإفلات من العقاب إلى جانب افتقار السلطات العراقية إلى الإرادة السياسية لضمان العدالة والحقيقة والتعويض للضحايا والناجين وأقاربهم عن الجرائم بموجب القانون الدولي وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبتها قوات الأمن والميليشيات التابعة لها أثناء الاحتجاجات وفي أعقابها". وأضافت"يجب على السلطات العراقية اتخاذ جميع التدابير لضمان إجراء تحقيقات مستقلة ونزيهة وشفافة تشمل أولئك الذين ربما خططوا أو أمروا بارتكاب جرائم منذ عام 2019 ضد المتظاهرين والناشطين وعائلاتهم، فضلاً عن ضمان حماية الشهود والعائلات التي تناضل من أجل العدالة. ويجب عليها إنشاء قاعدة بيانات وطنية لتوفير بيانات موثوقة عن هوية الأشخاص المختفين، كما أوصت لجنة الأمم المتحدة المعنية بالاختفاء القسري، وضمان أن يكون مشروع القانون بشأن الاختفاء القسري المعروض حاليًا أمام البرلمان متوافقًا مع القانون والمعايير الدولية. ويجب على أعضاء المجتمع الدولي أيضاً مواصلة التحقيقات الجنائية في الجرائم التي ارتكبتها السلطات العراقية بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية".
ومن بين 2700 تحقيق جنائي تم فتحها، صدرت 10 أوامر اعتقال فقط ضد المشتبه بهم، ولم تصدر سوى سبعة أحكام بالإدانة، وفقًا لتحليل منظمة العفو الدولية للمعلومات الواردة من المحاكم العراقية والتي شاركها مجلس القضاء الأعلى العراقي مع المنظمة في أغسطس/آب 2024. وتؤكد ست قضايا بارزة تتعلق بانتهاكات تشرين التي فحصتها منظمة العفو الدولية على العيوب الخطيرة في النظام القضائي، والتدخل السياسي في عمل القضاء، والافتقار إلى الإرادة لمحاسبة الأعضاء الأقوياء في قوات الأمن والميليشيات التابعة لها، والافتقار التام إلى الشفافية المحيطة بالإجراءات القضائية. كما توضح القضايا المخاطر الحادة التي يواجهها الشهود وأفراد أسر الضحايا الساعين إلى العدالة.
وكان القمع العنيف للاحتجاجات، والذي وثقته منظمة العفو الدولية باستمرار، مصحوبًا بحملة ترهيب واختطاف وقتل استهدفت أفرادًا بارزين داخل حركة الاحتجاج أو أولئك الذين يسعون إلى تحقيق العدالة عن الانتهاكات التي ارتكبت.
وبدلاً من بذل جهد حقيقي لإشراك المجتمع المدني في الإصلاحات، وضمان المساءلة ومنع الانتهاكات المستقبلية، اعتمدت الحكومة تدابير جديدة تزيد من تقليص المساحة المدنية. ففي 9 مايو/أيار 2023، أعاد النواب تقديم مشروع قانون إلى البرلمان لتنظيم حرية التعبير والتجمع السلمي، والذي إذا تم إقراره، من شأنه أن يحد بشكل كبير من الحق في حرية التعبير ويمنح السلطات فعليًا سلطات غير مقيدة لحظر جميع الاحتجاجات. وفي وقت كتابة هذا التقرير، كان مشروع قانون بشأن إدارة المنظمات غير الحكومية قيد المناقشة في البرلمان. وقال قادة المجتمع المدني الذين اطلعوا على نسخ مسربة من المشروع في عام 2024 إنهم شعروا بالفزع إزاء الأحكام التي من شأنها أن تسمح بحل المنظمات غير الحكومية دون أمر قضائي. وقال العاملون في المجتمع المدني لمنظمة العفو الدولية إن هذه القيود مدفوعة "بالخوف من تشرين آخر" الذي ينفذ تدابير لمنع الانتفاضات المستقبلية وقمع المعارضة، بدلاً من معالجة المظالم المشروعة التي دفعت العراقيين إلى الشوارع في عام 2019.
أجرت منظمة العفو الدولية مقابلات مع 56 فردًا من أجل إعداد هذا التقرير، بما في ذلك الناجون والشهود وأفراد أسر القتلى، فضلاً عن المدافعين عن حقوق الإنسان والمحامين وعاملين في المجتمع المدني. كما قدمت طلبات للحصول على معلومات من الحكومة العراقية، واستعرضت وثائق المحكمة والتقارير الطبية والمقالات الإعلامية والمنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي المتعلقة بحوادث محددة.
فشل المساءلة في ظل مناخ الخوف
على مدى السنوات الخمس الماضية، أنشأت السلطات العراقية العديد من اللجان للتحقيق في عمليات قتل ومحاولة قتل واختفاء وإصابة المتظاهرين والناشطين. ومع ذلك، لا تزال نتائجها وعضويتها وميزانياتها ونطاق عملها محاطة بالسرية. بعد بضعة أشهر من توليه منصب رئيس الوزراء في أكتوبر/تشرين الأول 2022، وجه محمد شياع السوداني لجنة تقصي الحقائق التي أنشأها رئيس الوزراء آنذاك الكاظمي لتسريع عملها ووعد بتقديم نتائج تحقيقات اللجنة في مؤتمر عام. ولكن حتى الآن لم يتحقق ذلك.
وقد ردد ما لا يقل عن تسعة أفراد أجرت منظمة العفو الدولية مقابلات معهم عبارة، عفوية، أصبحت شائعة الاستخدام عند وصف هذه اللجان: "إذا كنت تريد قتل قضية، فقم بتشكيل لجنة".
وقالت إحدى النساء المشاركات في الاحتجاجات في بغداد: "نحمل [السلطات] مسؤولية دماء شبابنا التي أريقت في هذه الشوارع. لكن الحكومة لا تهتم".
وقد اضطرت العديد من أسر الضحايا إلى الصمت أو الانتقال إلى أماكن أخرى بعد تعرضها للترهيب والانتقام بسبب التحدث علناً، وسط فشل السلطات في حمايتهم. وفي إحدى الحالات، قُتل أقارب القتلى أو المختفين أنفسهم لمجرد مطالبتهم علناً بالعدالة وتسمية المشتبه في مسؤوليتهم الجنائية.
وفي حالة أخرى، اختطفت مجموعة مسلحة الناشط البارز في المجتمع المدني سجاد العراقي، وهو شخصية مؤثرة في احتجاجات تشرين، أثناء سفره في محافظة ذي قار في سبتمبر/أيلول 2020. وقد طلبت أسرته من السلطات معرفة مكانه لكنها لم تتلق أي رد ملموس. وتعرضت الأسرة لتهديدات متعددة بعد رفع دعوى قضائية ضد الجناة المشتبه بهم.
وقال أحد أقارب سجاد لمنظمة العفو الدولية: "إن قضية سجاد هي الأكثر خطورة لأن المتهمين معروفون وأسماءهم معروفة... إنهم يريدون منا أن نتخلى عن القضية".
وأصدرت محكمة الاستئناف مذكرات اعتقال بحق شخصين على خلفية اختطافه، وحُكم عليهما لاحقًا بالإعدام غيابيًا، ولكن حتى الآن،
ولم يتم القبض على أي منهما، ولا يزال مصير العراقي ومكان وجوده مجهولين.
عملية شاقة لتأمين التعويض عن الإصابات
حصلت ما لا يقل عن 504 عائلة على تعويضات عن مقتل أحبائها خلال احتجاجات تشرين، وفقًا لرسالة أرسلها مكتب رئيس الوزراء إلى منظمة العفو الدولية في 2 أبريل/نيسان 2023، بعد أن اعترفت الحكومة بهم كـ "شهداء" مما يمنحهم الحق في الحصول على دفعة واحدة من خلال مؤسسة الشهداء.
ومع ذلك، لا يزال المصابون أو المعاقون أثناء الاحتجاجات يواجهون عقبات كبيرة في الوصول إلى هذه الأموال.
وقال بعض المتظاهرين الذين أصيبوا أو أصيبوا بإعاقة خلال الاحتجاجات إنهم يشعرون بالإحباط من السعي للحصول على تعويضات لأن المباني الحكومية التي كان عليهم زيارتها لم تكن متاحة لهم، وكانت العملية طويلة وشاقة وتتطلب التنقل بين ما لا يقل عن خمس هيئات حكومية.
وكانت هناك عقبة بيروقراطية كبيرة أخرى تتمثل في اشتراط تقديم المتظاهرين المصابين لتقرير المستشفى الذي يعود إلى وقت إصابتهم الأولى قبل التقدم بطلب التعويض. وقال بعض المتظاهرين إنهم كانوا مترددين في وقت الحادث في طلب العلاج الطبي خوفًا من اعتقالهم من قبل قوات الأمن. وقد وثقت منظمة العفو الدولية حالات اعتقال ومحاولات اعتقال للمتظاهرين المصابين من المستشفيات وسيارات الإسعاف في عام 2019، مما دفع العديد منهم إلى الفرار بإصاباتهم بدلاً من طلب المساعدة الطبية.