المسلمون والمسؤولية التاريخية في لبنان وفلسطين
محمد علي جواد تقي
2024-09-28 04:47
بماذا تختلف العائلة اللبنانية او الفلسطينية عن أية عائلة مسلمة في أية بقعة من هذه الأرض؟
جانبان يشطر المشهد اللبناني الدامي حالياً، بعد المشهد الفلسطيني –الغزاوي-: المشهد السياسي، والمشهد الانساني.
الى جانب مشاهد الأشلاء المستخرجة من تحت الانقاض، والمصابين بجروح، لاسيما الاطفال، ثم مشاهد جموع اللبنانيين النازحين الى مناطق آمنة بعيدة عن استهداف المقاتلات الاسرائيلية، تعد افرازاً لسوء الأداء السياسي الغربي والاميركي الداعم لاسرائيل في ممارساته العدوانية، بيد أن الجانب الانساني له تأثير مباشر –احياناً- على القرار السياسي، وإن كان بصفة ذرائعية كما يدعيه نتنياهو بأنه حريص على توفير الأمن لسكان المستوطنات في شمال الاراضي المحتلة بدعوى حقّهم التاريخي والديني في العيش بسلام ورفاهية في "أرض الميعاد".
لا نخوض في الدوافع الدينية لهذا الصراع، إنما المهم لدينا تعزيز الجانب الانساني ليكون داعماً للجهد السياسي وليس العكس، وأكدنا في مقالات سابقة حاجة الأمة بشكل عام الى تنشيط ثقافة التضامن المحصورة في بطون الكتب الأخلاقية والتاريخية الممجدة لعهود ذهبية عاشها المسلمون واليوم يعدونها من الماضي، مع كونها إحدى مقومات الحضارة الاسلامية.
ولا أشك باستفادة اليهود من تجربة الحضارة الاسلامية في تكوين نسيج تضامني عالمي يحقق لهم أكبر هدف تاريخي وهو الخلاص من التشرذم والاحتقار والاستضعاف، فهم كأتباع ديانة سماوية لا يتجاوز عددهم حوالي الخمسة عشر مليون يهودي ولكنهم تمكنوا من توظيف مؤسسات اعلامية كبرى في العالم، ليس لرفع الكراهية عن الانسان اليهودي، لاسيما في اوربا، وإنما لخلق صورة كريهة للانسان المسلم، وأنه مظهر للفوضى، والتخلف، والعنف، وعلى الصعيد السياسي فان "دولة اسرائيل" نموذج للنظام الديمقراطي بين الدول الاسلامية، حتى تسللت هذه الصورة الى أذهان بعض الكتاب والمثقفين المتذمرين والمحبطين "بأننا أمام دولة مؤسسات، وهي الدولة التي لا تطلق الرصاص الحيّ على المتظاهرين الفلسطينيين ويحترمون الإعلام"! ولعل هذا الجهد الاعلامي والدعائي هو الذي حيّد موقف الكثير من الشعوب الاسلامية حالياً، فضلاً عن المواقف الرسمية.
ولا أجدني بحاجة الى مزيد من النصح والتذكير بالروايات الشريفة عن المعصومين بوجوب استشعار آلام الآخرين بين افراد الأمة، إنما واجب التذكير بالرصيد الحضاري الكبير بمنظومة قيم أخلاقية وانسانية عاش في ظلها المسلمون طيلة قرون من الزمن بأمان وسلام و ازدهار، واذا نلاحظ الاستقرار الاجتماعي في بعض الدول الاسلامية –إن لم نقل معظمها- رغم الاسقاطات السياسية للانظمة السياسية الفاشلة، فان الفضل يعود الى آثار تلك المنظومة في حياة الناس، فما تزال التقاليد والعادات والآداب محترمة لدى الشعوب الاسلامية، ومنها؛ العلاقات الاجتماعية، بغض النظر عن النسبة الموجودة على ارض الواقع.
ولعل العراق يكون نموذجاً يحتذى به في مواقفه التضامنية مع قضايا الشعوب المسلمة ربما لتذوقه معاناة الحصار الاقتصادي في سني التسعينات، وتجرعه مرارة الحروب طيلة ثلاثين سنة مما يجعله متفهماً ومستشعراً لمعاناة اللبنانيين والفلسطينيين اكثر من سائر الشعوب، بيد أن هذا لا يعني أن يكون الانسان فقيراً مدقعاً ثم يستغني حتى يستشعر مرارة الفقير، فثمة دول وشعوب اسلامية بامكانها تقديم الكثير من المعونات المادية والمعنوية لانقاذ ما يمكن انقاذه وسط مشاهد مؤلمة للمشردين والمصابين بجروح، والفاقدين للمعيل، وجحافل الايتام والارامل.
إن تحرك المؤسسات الثقافية والدينية والاجتماعية في البلاد الاسلامية نحو لبنان وفلسطين يُعد قراراً تاريخياً أراه يفوق في تأثيره على النفوس، التحرك العسكري لتحقيق انتصار في جبهة ما، لأن القوة المعنوية هي التي تصنع القوة المادية على الأرض، كما أثبتت تجارب التاريخ، وهذا ما يحتاجه اللبنانيون والفلسطينيون بالتحديد، وهو ايضاً؛ ما تهابه اسرائيل والقوى التي تقف خلفها، وتراهن على عدم تحقيقه حتى لا يكون للموقف الانساني والاخلاقي يداً طولى على القرار السياسي بالإبقاء على التفوق الاسرائيلي في المنطقة على كل الصُعد.