حنون وتجربة السقوط الحر
مصطفى ملا هذال
2024-09-07 05:30
لا اعرف لماذا انشغل الرأي العام بتصريحات رئيس هيئة النزاهة القاضي حيدر حنون، التي جاءت عبر مؤتمر صحفي عقده امام الصحفيين في أربيل، وقدم خلاله معلومات معروفة لدى اغلب العامة وليس الخاصة من الطبقة السياسية وحواشيها، إذا ماذا أراد ان يحقق حنون؟
أرى ان الذي دفع بالقاضي حيدر حنون الى الخروج بهذه الطريقة وعدم الانتظار طويلا هو ان التحقيق بقضية سرقة القرن وملابسات الحادثة بدأت تقترب من كشف المتورطين على المستوى الرفيع في الأحزاب السياسية، وبانت علامات ذلك الاقتراب من خلال الحادث الذي تعرض له المتهم بسرقة القرن نور زهير في لبنان.
ورغم أن تصريحات حنون هزت الأوساط السياسية في البلاد، لكنها فاقمت التعقيد في قضية "سرقة القرن"، ذلك بسبب تشابك المعلومات والتصريحات حول القضية وأطرافها، لا سيما بعد تغّيب المتهم زهير عن محاكمته الشهر الماضي، وصدور أمر قبض بحقه.
وزهير هو المتهم الأبرز في الاستيلاء على 2.5 مليار دولار من «الأمانات الضريبية»، سُحبت بين سبتمبر (أيلول) 2021 وأغسطس (آب) 2022، من خلال 247 صكاً صُرفت من قِبل 5 شركات، ثم سُحبت نقداً من حسابات هذه الشركات، وفرّ معظم مالكيها إلى خارج البلاد، وفقاً لتحقيقات بدأت عام 2022 ولا تزال مستمرة.
هنالك من ينفخ في النار ويريد ان يتطاير الشرار على جميع الجهات السياسية المشاركة في السرقة، مستغلا حالة الضعف الذي اظهرته الجهات القضائية المسؤولة عن محاسبة المتسببين بهدر المال العام، وعبرت عن ذلك بالمستضعفين، وهذا مؤشر خطير.
اما المؤشر الآخر على خطورة الاقتراب من الخيوط النهائية هو ادعاء المتهم زهير بأنه بريء، مطالبا أن تكون محاكمته علنية وامام الرأي العام، في الاثناء أصدرت المحكمة امر بإلقاء القبض على المتهم وقدمت اسمه لدى الانتربول الدولي.
أي استضعاف يقصده حنون؟
ومن يدفع بالجهات القضائية الى ان تتواطأ مع أكبر سرقة عرفتها البلاد؟
أسئلة كثيرة لم يجيب عليها القاضي حنون في مؤتمره الصحفي، اعطى رؤوس أقلام عن العديد من الملفات وصرح بما هو شبه معلوم، ولم يتطرق الى الجهات التي استضعفت الجهة الحسابية العليا في البلد.
هل أراد حنون ان يقول ان القضاء مسيس ومسيطر عليه الى درجة بلغت ذروتها واشتدت خطورتها في قضية سرقة القرن؟
ام أراد ان يُعرض السلطة القضائية الى الامتحان والحكم عليها من قبل الرأي العام الذي يتابع ويريد ان يعرف كل ما يتعلق بالقضية، بدءً من العناصر المشتركة فيها، والجهات الساندة لزهير، ومن يحاول التستر على هذه الجريمة الكبرى.
ذهاب حنون الى المنصة الإعلامية وتخليه عن منصة العدالة، ربما يأتي لتأكده من القضية ستأخذ حيزا أكبر، وربما يريد ان يخفف الرباط الذي احكم على رقبته، المتمثل بالتأثيرات والممارسات التي وجه أصابع الاتهام بها الى قاضي القضية ضياء جعفر، وطلب من البرلمان ان يعقد جلسة طارئة لمعرفة اين تكمن الحقيقية.
هيئة النزاهة ضلع أساسي من اضلاع العدالة في البلاد، وشريك فاعل في الحفاظ على تطبيق مواد القانون والدستور، لكنها لم تعد هكذا بعد الخروج الغريب لرئيسها وهو يؤكد لملايين من العراقيين ما يتعرض لهه من ضغوط سياسية خلال تأدية المهام التي اولكت اليه من قبل رئيس الحكومة.
في الأيام القادمة سينشغل الناس بمصير القاضي حيدر حنون الذي أراد ان يجرب السقوط الحر من اعلى قمة هيئة النزاهة، والالتهاء عن معرفة مصير نور زهير الهارب بإرادة وتهاون سياسي، فالمعركة وبحسب حنون بدأت ولا أحد يمكنه ان يتوقع خواتيمها.