شيعة البحرين بين عامين (2014-2015) من المعارضة الى المجادلة
باسم حسين الزيدي
2014-12-30 02:40
الحدث الذي تصدر عناوين الصحف ونشرات الاخبار في العالم العربي، اضافة الى الوكالات العالمية التي تصدر طبعاتها باللغة العربية، في اليومين الاخيرين، هو اعتقال الشيخ (علي سلمان) امين عام منظمة الوفاق الوطني من قبل قوات الامن الحكومي وترحيله الى النيابة العامة، كإجراء تصعيدي على خلفية مقاطعة المعارضة للانتخابات البرلمانية، والخلاف القانوني حول وضع جمعية الوفاق ومخالفتها للشروط الرسمية، اضافة الى المظاهرة الاخيرة التي تبنتها جمعية الوفاق لإثبات فشل هذه الانتخابات بعد اصرار نظام ال خليفة على اقصاء المعارضة بكل الطرق المتاحة.
ثورة اللؤلؤة (حالها حال اغلب الحركات الشعبية التي ولدت الربيع العربي الذي اجتاح الشرق عام 2011)، كانت وما زالت تعبر عن حاجة شعبية لمواطني العالم العربي بمنح المزيد من الحريات العامة واصلاح الانظمة العربية الفاسدة، التي ما انفكت عن العيش في انظمة الحكم التقليدية للعصور الوسطى وما قبلها، والغريب ان اغلب الحكام العرب(الحاكم الواحد، العائلة المالكة، الدولة الموازية، الحرس القديم...الخ) يتخوفون كثيرا من كلمة "اصلاح"، فضلا عن التغيير وممارسة الديمقراطية باعتبارها مسالة غير موجودة في قواميس المتفردين في السلطة،بينما كان من المفترض ان تكون مصدرا للقوة والتفاعل بين الحاكم والمحكوم في تلبية المطالب وتعزيز ثقة المواطن في الدولة ومؤسساتها.
وقد شهد عام 2014 سجلا حافلا بالأحداث والاحتكاكات بين المعارضة والنظام في المملكة، كان اغلبها يصب في بوتقة الغليان الشعبي للأغلبية الشيعية (التي رفعت لواء الاصلاح والتغيير)، بعد ان رفع النظام وتيرة الانتهاكات بحق المواطنين والنشطاء واصحاب الرأي، من خلال الحملات الامنية التي اعتقلت وقتلت وعذبت العشرات، كما تم الاعتداء على المعتقدات الدينية التي يمارسها المسلمين الشيعة خلال ايام عاشوراء والاربعين، والتي تصادف ذكرى استشهاد الامام علي بن الحسين (ع)، كما شهد العام ذاته، ادانات واسعة من اطراف اقليمية ودولية (وان كان بعضها تم بحياء غريب)، رسمية وحقوقية، والتي وصلت الى ذروتها بعد امتعاض النظام من (توم مالينوسكى)، مساعد وزير الخارجية الامريكي لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل، الذي تم طرده بعد ايام من وصولة الى البحرين، على خلفية لقاءه بالمعارضة البحرينية، الامر الذي وتر (نوعا ما) العلاقات البحرينية-الامريكية.
بالعودة الى الخبر الابرز (اعتقال امين منظمة الوفاق)، والذي تم تداوله بشكل واسع، فيما اختلفت فيه الرؤى والتحليلات، بين المؤيد والمعارض من حيث فائدة التوقيت، والجدوى من هذه الخطوة التي اقدمت عليها وزارة الداخلية التابعة للنظام، وما قد تنتج عليه من تأزيم لموقف المتذبذب اصلا، وغيرها من الآراء والتكهنات، التي تبحث بمجملها عن استيضاح وتحليل خلفيات هذه الاخبار.
لكن حقيقة ما يمكن استيضاحه من هذا الاجراء، من وجهة نظر اخرى، لا يمكن ان يوجه الى الحكومة والنظام، (باعتبارها وخلال الاعوام السابقة عبرت عن وجه نظرها بان الاسلوب العنيف هو سياستها العامة لقمع المعارضة)، بل قد يوجه الى المعارضة نفسها، فالمعارضة والحركات الاحتجاجية قد تفقد زخمها وقوتها من دون التخطيط لمستقبل المعارضة وما بعدها، فالبقاء تحت غطاء المعارض من دون وضع الاهداف وتحقيق المكاسب (القريبة والبعيدة الامد) قد يحيل المطالب المشروعة الى مجرد شعارات يمكن استهدافها من قبل الحكومة والنظام بسهولة، وربما يتم تحويلها في نهاية المطاف الى صالح النظام، وحتى لا تكون معارضة البحرين اسيرة لأوهام حركات الربيع العربي الاخرى، عليها بإعادة التفكير وصياغة روى جديدة تتناسب مع السياسية الواقعية للجهات التي ترعى التغيير وتمارس الضغط على الانظمة ذات التفكير باتجاه واحد، لا ان تناغمها في التفكير والعمل.
ان التحول الى مجادلة النظام بشأن ما يكون او لا يكون، قد لا يثمر عن شيء، وكذلك البقاء في حدود حركة او منظمة او رمز واحد، قد لا يثمر عن شيء ايضا، المطلوب ان تتوسع المعارضة البحرينية نحو العالمية والتفكير الجمعي، الذي يعبر عن ارادة الشيعة وغيرهم، فالمهمة وطنية، سيما وانها تحاول ان تحدد ملامح الهوية البحرينية سياسياً، بينما يحاول النظام ان يضفي هوية خاصة للمعارضة البحرينية، هوية لا تعدو كونها طائفية (الشيعة) ومرتبطة بجهات خارجية (ايران)، وهو امر قد يفقد قوة المعارضة من الداخل، ويحيلها الى مفهوم الصراع الطائفي المنتشر في الشرق الاوسط خارج حدود البحرين، وبالتالي، فان قادة المعارضة في البحرين عليهم ان يعيدوا الكثير من حساباتهم، وطرح المزيد من المشاريع الوطنية التي تعزز موقف المعارضة امام العائلة الحاكمة، مع توسيع واضافة المزيد من الجمعيات والحركات الشبابية والفكرية والاجتماعية، اضافة الى السياسية، لإعطاء المزيد من الزخم للعمل الجمعي، حتى لا تتعرض المعارضة البحرينية الى انتكاسة جديدة او ضعف من الداخل، وهو ما لا يتمناه الجميع بعد ان سلبت اغلب ثورات الربيع العربي من رعاتها الحقيقيين، والاغلب ان عام 2015 سيشهد المزيد من المفاجآت لكلا الخصمين (النظام والمعارضة)، على امل ان تستعد الاخيرة لإعادة ترتيب اوراقها والمبادرة امام النظام بدلا من الاقتصار على رد الفعل.