ليلى وذئاب الهجرة
مروة حسن الجبوري
2015-10-28 01:28
كانت هناك فتاة بيضاء شقراء، في ملامحها. يضيء من عينيها الخضراء بريق الأمل. ويشع من شعرها الذهبي خيوط الشمس الذهبية، فهي تبدو كأميرة مدللة.
في مبسمها البراءة، اسمها ليلى تجدل الشعر لينزل كالحرير على كتفيها. ترتدي فستانها الاحمر، يذكرني بفستان سندريلا وليلة الحفل. تخط قدميها على الارض لتنبع الأزهار والقرنفل وتنتشر رائحة العود والعنبر. تميل بين أحضان الأشجار لتطرب الطيور فيهلل النرجس والياسمين. كحمامة شقراء. يديها الناعمتان تمحي الدموع وتشفى الجروح. عينيها دائرتان يدور حولها القمر والشمس ليرجع خسران آسفا... صوتها يهمس كهمس الطير في فصل الربيع.
في ليلة من الليالي وقفت ليلى أمام المرآة وهي ترتب شعرها قائلة يا لشعري الجميل، يا لطولي البديع.
بينما هي واقفه تعرض محاسنها واذ تسمع طرقا خفيفا على الباب. خفق قلبها بشدة فهي تعرف هذه الطرقة ومن وراء الباب. أجاب قلبها نعم يا أمي.
ليلى هل أنت نائمة.
لا يا أمي أنا ارتب شعري.
حسنا أحببت أن اقول لك شيئا. جهزي ملابسك عندنا سفرا قريب..
الى أين يا أمي.؟؟
سنذهب سنغادر الوطن؟؟
لا تضيعي الوقت لا وقت لدينا.!!!
ليلى اخذت بكلام أمها.؟؟ حائره؟
أمي.؟؟ وإلى أين سنغادر؟؟
إلى وطن يحمي حقوقنا ويمنحنا حق العيش الكريم.
ابنتي ليلى لاتحملي حمل كثير فنحن في سفر فقط قطعتين من الملابس.
جهزوا كل شيء ساعات فقط ويغادرون المنزل مسافرين الى تركيا. جاء والد ليلى حامل بيده تذاكر السفر موعد إطلاق الرحلة الساعة الخامسة عصرا، الآن الساعة الحادية عشر فقط نصلي صلاة الظهر والعصر ثم نتوجه إلى مطار بغداد.
رجعت ليلى لحظة إلى الوراء قائلة: خذني إلى أحضانك يا بيتي، يامن ترعرعت به، ولادتي طفولتي العابي، لا أعلم لماذا يرتجف قلبي.....!
سأشتاق إليك قبل أن أغادرك ويزداد شوقي كلما إقترب موعد ذهابي إلى الرحلة لا أعلم ما تخبأه لي هذه الرحلة فقط أعلم انني سأغادر وطني.؟
وما أن ينادي أبي هيا، أقف مترددة!!!!! ساعة المغادرة، حتى يسيطر علي الخوف والرعب : هل سأعود؟
غادرت ليلى البيت حاملة همومها على ظهرها فلا أحد يستجيب لها، أول صعودها إلى السيارة لم ترغب بالحديث مع أحد قط. التزمت الصمت وهي تنظر النخيل والأشجار والأسواق.
ساعة ونصف وصلوا إلى مطار بغداد. سلموا الجوازات وجلسوا في مقاعدهم في الطائرة. قلب ليلى لم ينبض. عيونها كانت تحكي وجعا عميق، ملامحها الحزينة، قد أغمضت عيونها، بدأ العد التنازلي والطائرة تبدأ بالسير على المدرج، ليت الزمن يتوقف، أيتها الطائرة ارحمي بي لاتحلقي بعيداً كوني قريبة من سماء وطني، لا ترتفعي أكثر من علم بلدي، كلمات تقولها وهي لاتسمع سوى صوت إقلاع الطائرة، نافذه الطائرة صغيرة لا أرى فيها شيء سوى الغيم والضباب، اخذت تلم روحها وتحتضن رائحة بلدها بقوة فهي الوحيدة التي مازالت معي في هذه الرحلة.
ساعتان ووصلنا إلى مطار اسطنبول جاء والدي وسألني هل استمتعي يا ليلى كيف كانت الطائرة؟ لم يكمل كلامه حتى وصل أحد الشباب وقال لوالدي انت فلان؟ أجاب نعم!!
رد على والدي انا من اتصل بك فلان من ازمير؟
نعم نعم أهلا هل مازلت على الإتفاقية؟؟
نعم ولهذا أتيت إلى هنا!
هيا إذن لاوقت لدينا؟
هذا هو حجز الفندق سأتصل بك في المساء!!
ذهب الشاب وأنا في استغراب ماذا هناك؟
ماذا سيفعل أبي؟؟
تساؤلات كثيرة دارت في رأسي؟
خرجنا من المطار بصحبة سائق تكسي ومعه عنوان الفندق. الساعة التاسعة والنصف وصلنا إلى الفندق المطل على البحر مباشرة في اسطنبول، انا متعبة جداً فهذه اول رحلة لي، لا أريد طعام فقط ما أحتاجه هو فقدان الذاكرة ونوم عميق، أمي اين انام، حبيبتي ليلى ستنامين معي في هذا السرير، شاركني والدي الحديث فقال فقط هذه الليلة سننام هنا غدا نرحل؟
دخلت في عالم النوم أوجاعي أيضا أغمضت عيونها واسبلت يديها مثلي تماماً، مرت الساعات الأخيرة، استيقظت من نومي والساعة تشير إلى العاشرة صباحاً ومنظر الأمواج المتلاطمة من فوق يخيف جداً، ما أجمل هذه الأمواج لكن البحر يخيفني عندما يثور غاضبا فيتلاطم الماء باليابسة. بينما أنا واقفة اسرد حديثي للبحر اتصل على والدي ذلك الشاب وطلب من أبي أن يأخذنا إلى الغابة مع جماعة كانوا معنا في الفندق، فطرنا وجهزنا أنفسنا، وضع والدي كان مرتبك خائف إتصل بجدتي وطلب منها الدعاء وقال لها ساعتين وأكون في البحر.!!!
أمي أين سنذهب في البحر هذا!! أمي أنا خائفة لماذا لانرجع عند جدتي لا أريد الذهاب معكم أمي.
لا حبيبتي عند جدتك ليس لدينا ضمان ولا مستقبل خرجنا لنحصل على الأمن والإستقرار ولانرجع عن هذا مهما كلف الأمر، غادرنا الفندق الساعة الواحدة ظهراً متجهين بالباص إلى غابة من غابات تركيا، دموعي لاتكفي أريد أن اصرخ أن أطير كحمامة واحط على سطح داري، واحتضن جدتي، مسافة الفندق عن الغابة بعيدة، أخذت تغنى لروحها ياطير غني غني على جناحك طيرني وديني للبساتين. فهي أيضا تريد أن ترجع لترى وطنها، ها هي الشمس بدت تلقي السلام علي وتودعني كأنها المرة الأخيرة لبزوغ خيوطها الذهبية أخذت تنسحب من السماء بهدوء صارم، أيتها الشمس الحبيبة إلى أين أنت راحلة بلغي سلامي إلى جدتي ووطني ولاتنسى رفاقي،
فأنا أحبهم جميعاً، نزلنا في ساحل البحر بعد طريق طويل وخطورة السير بين الاشجار ليلا، مسك أبي بيدي وقال ليلى ابنتي ساعة واحدة ونركب القارب لنغادر الفقر والهم نغادر العرب نعيش الحياة كما يعيشها العالم في الخارج، نقطع هذا البحر لنصل إلى اليونان ومن اليونان إلى ألمانيا، هذا كلام والدي، لكن البحر يختلف عن ما قاله أبي!!
أضواء البحر ساطعة، فحمدنا الله على السلامة، بعدها وصل قارب صغير من ساحل البحر التركي وأبلغونا بأن لانحمل شيء ثقيل حتى لا يحصل ثقل في القارب، جاء المهّرب إلى والدي وطلب منه أن يلبس سترة النجاة وأن يصعد هو أول إلى القارب ويجلس جنب السائق، وبعدها جاء إلي واجلسني على أرضية القارب، وجلست أمي جنب والدي، وبدأ السائق بتصعيد العوائل المهاجرة القارب يحمل عشرين نفرا، من الذين جلسوا معنا في القارب سوريون وعراقيون كلنا عرب، فرحون، بهجرة وطنهم، البحر هو الذي أعطى لهم حقوقهم أكثر من وطنهم، يزداد العدد على ساحل البحر، وتزداد القوارب المهربة، سائق القارب كان تركيا، بعد أن جلسوا وقبض من كل عائلة 2600$، قبل أن يشغل القارب كلهم أعطوا المبلغ كامل من دون أي ضمانات وكأنهم يعلمون بأن الموت واحد إذا كان في الوطن أو البحر، بل الأكثر انصافا أن البحر يوحد جسدهم ولايفرق بين السني والشيعي والكردي والعربي، حتى سمكة القرش كانت منصفة.
بسم الله بدأ بتشغيل القارب الساعة الثانية والنصف ليلا الجو بارد وأمواج البحر تلاطم بعضها، جسدي يرتعش من البرد ولم ارتد سترة النجاة، بعد، أمي الجو بارد، رد أبي ليلى عزيزتي ارتدي هذه ستشعرين بالدفء، وقت قصير وانطلق القارب نعم قطع بنا القارب مسافة قليلة عن الساحل، بدأ يسير سريعا كسرعة الرياح، وانا ارتفع وانخفض كلما مر موج من تحت القارب. لايزال مسرعاً في البحر ابتعدنا لم أرى الساحل ولا ضوء المطعم، نحن الآن في نصف البحر.
فجأة من دون إنذار توقف موتور القارب ولم يعد يشتغل فجأة، ماذا حصل؟ الموتور توقف عن العمل ونحن في نصف البحر والليل مظلم، النائم أفاق، كل من كان على القارب يرتجف ماذا نفعل؟ حاولوا معه لكن الفرحة لم تكتمل بعد فالموتور قد احترق من شدة سرعة السائق، بدأت المياه تتسرب من داخل القارب. إلى قدمي، صرخت أبي الماء وصل إلى قدمي أبي، حضنني أبي لاتخافي يا ابنتي انا معك، قفز سائق القارب إلى البحر!!!. ومعه شباب اثنين، أبي والنساء والأطفال مازالوا يحلمون بأحد ينقذهم لكن هذه تحتاج إلى معجزة! الوقت يداهمنا والماء بدأ يتسرب بكثرة، ضمني والدي ووالدتي بينهما حتى لا اغرق فأنا لا أجيد السباحة، دموع والدي أكثر تلومني وصراخات أمي وهي تنادي يارب ياالله، دقائق معدودة من صياح وصراخ أمي لعل أحدا ينقذنا، انقلب القارب، لا أستطيع ان أتنفس فثقل القارب، وماء البحر تخنقني مسك بي أبي وحاول أن يرفعني، الماء دخل في جوفي، والقارب على صدري رجعت يد أمي تمسكني من جديد، بين أمواج البحر جسدي يتقلب، لا اعلم ماذا حصل؟
الموت يواجهني، بدأ الماء يسحبني إلى الأسفل، توقفت أحد قدمي عن الحركة، خلال ساعة واحدة من السباحة، لم أشاهد أي شيء فقط ظلام البحر وأصوات الماء، هنا فقدت أبي وأمي، سحبني الماء الشديد بعيدا، ليس هنالك قوة في العالم تجعلك تصارع الموت، يقلبني البحر بين أمواجه وانا في شبه غيبوبة فاقدة الحركة، سقطت ملابسي في قاع البحر سقوطها كان بداية لسقوطي أيضا ومددت جسدي، لعلني أحصل على نسمة هواء، تملأ رئتي وجسدي، وأخذت اتقلب يمنيا وشمالا لعل أحداً ينقذني ومازلت في نصف البحر لا أسمع ولا أرى، لا أحد ينقذني، والدي والدتي اين؟ ولكن دون فائدة. لثوان يلطمني الموج ويسحبني ساعات طويلة وانا أصارع الموت اين الأمان يا أمي! اين الحقوق!
جاءني الموت فهذا قدري انا أموت في البحر تأكل الأسماك جسدي أيها البحر اتوسل بك بعد أن تغرقني لا تدعني خذني الى أحضانك وسلم جثتي إلى وطني، قل لهم أن وجعي ليس الموت بل هجرتي، أعلم جيدا لا أحد يسأل عنها، فقط دع جثتي في نهري دجلة والفرات همها أولى بي منك، كل من على القارب قد غرقوا، وانتشلت قوات الإنقاذ التركية بعد غرق القارب سبع جثث بينهما أبي وأمي الباقي في تعداد المفقودين، وعند وصول اسماء الموتى إلى المشرحة لم يجدوا إسمي معهم، فتيقنوا أنني في تعداد المفقودين وأعادوا جثامين والدي ووالدتي إلى وطنهم، تسألون عني!! بعد ما سحبني الموج الأزرق وبشدة فقدت الوعي لأيام لا أتذكر ماذا حصل؟ فقط الذي أتذكره هو طوفان جسدي عند السواحل اليونانية وتحت رعاية خفر السواحل اليونانية، من الذي انقذني؟.!
كيف وصلت إلى هنا.!؟ لا أعلم، هل هي معجزة، أم أن أحد انقذني، لا أعلم، اخذوني إلى المستشفى اليوناني لأيام اعطوني كل ما احتاج من العلاج بعد ما قالوا أن جسدك كان ممزقا واضطررنا أن نعمل عملية جراحية بسيطة لمعالجة الأمر، أبي وأمي أين؟ لا أمان لي من دونكم، طلبوا مني ان اعطيهم أسماء الأشخاص الذين غرقوا في القارب وبعدها سلموني إلى السفارة التركية والسفارة التركية هي التي تسلمني إلى وطني، فكلهم ذئاب ينهشون بجسدنا وبأموالنا لا دولة تسأل ولا البحر يسأل، ذئاب الهجرة كالذئاب التي كانت بقصة ليلى مقصدهم الأول والأخير هو نهب المال وبيع العراقيين ومتاجرة أعضائهم، في طريقي إلى السفارة راجعة إلى وطني أصابني الم شديد لا أحد يتحمله اسفل البطن، امسكت موضع الألم وتحملت حتى وصلت إلى السفارة، عند تسليمي إلى وطني وبعد ما إتصلوا بجدتي واخبروها بما جرى جثامين والدي ووالدتي لاتزال في ثلاجة المستشفى التركي بإنتظار الموافقة لتسليمها إلى الأهل..
ليس ما لدي لاقوله لكم ضاعت الكلمات وماتت الحسرات لا أملك حرف أبجدي واحد اقوله لكم، ماذا اقول وجثامين أحبتي أمامي، الوجع أكبر من الكلام. يومين فقط في تركيا ووصل خالي وإبن عمتي واستلموا الجثامين معي مغادرين إلى الوطن.
آه آه يا وطن رخصت في عيونهم وانت الغالي، وغالت الاوطان بعيونهم وهي رخيصة أمامك، رحلوا إلى الأمان رجعوا بجسد غريق.
قل لي ياوطن: ماذا يوجعك أكثر هجرتهم أم عودتهم بتابوت الخشب مطار بغداد كان مكتظا بالمشيعين، حملوا نعش والدي رحمه الله في المقدمة ونعش والدتي رحمها الله في المؤخرة وانا حملت روحي بينهما لتشييعهما وادفنها تحت أقدامهم، هذه قصة الأمان ساحكيها يوما أمام الله، والجميع سيشهد على المحاكمة العادلة.
ليست هذه النهاية هنالك خبر لم أقوله لكم بعد، العملية التي أجريتها بعد غرق القارب في أحد السواحل، ليست عملية جراحية لمعالجتي بل لقطع اعضائي والمتاجرة بها أخذوا ما يحتاجونه واغلقوا البطن، وارجعوني كصفقة بيع تمت بنجاح. هذه هي قصتي ذئاب الهجرة مزقت جسدي وأكلت اعضائي كما فعل الذئب بليلى.