دولة مشروعها الاستبداد
أحمد شهاب
2024-06-09 03:54
لعل من الصحيح القول ان معضلة الحرية في العالم العربي تكمن في استعداداتنا الذاتية لقبول أدنى حد ممكن من الحقوق، وتحول الاستبداد الى تقليد سياسي ثابت لا نكاد نعترض عليه او نعتبره نقيصة سياسية، اذ لا تزال مجتمعاتنا تعتبر النضال للحصول على حقوق اساسية سلبتها السلطة عيبا اجتماعيا كبيرا لا تجازف في المطالبة به، او العمل من اجله، بقدر ما تستجديه شعوبنا من السلطة على شكل عرائض شخصية تقدم الى كبار المسؤولين في المجالس الخاصة.
وتتصاعد هذه الظاهرة في دول الخليج بصورة اكثر وضوحا، فالوزراء في الدول الخليجية هم من يفتح مجالسه لإنجاز معاملات المواطنين بصورة شبه يومية، بينما مجرد مقابلة وزير في بعض الدول العربية تعتبر حلما بعيد المنال، لكن يقوم مقام هذا الوزير العربي بعض المسؤولين على درجة كبيرة من الاهمية.
بالنسبة للمواطن العربي فهو يكتفي بما يبديه المسؤول من استعداد لحل المشكلات القائمة بأي طريقة كانت، فالطريقة لا تهم بقدر ما تهم النتيجة، لكن في المحصلة العامة يكون القانون هو الضحية الاساسية، فأسلوب المجالس المفتوحة ينتمي الى تقاليد القبيلة، حينما كان شيخ القبيلة او امير الجماعة يستقبل جماعته لحل مشاكلهم العالقة او لفض المنازعات القائمة، او للتوسط لاحقا عند الدولة لقضاء حاجتهم الخاصة.
الفرق الجوهري بين اسلوب المجالس المفتوحة واسلوب الدولة، ان الاولى توزع الحقوق بطريقة لا صلة لها بالعدالة الاجتماعية، بل بقدر ما يمتلك المواطن من حظوة لدى المسؤولين الكبار والوزراء، وربما تسيير الامور بصورة جيدة مع البعض بينما تخفق مع البعض الآخر، وقد تتوفر الحظوة لشخص ما فيدخل في منظومة الدولة ويتحول الى فئة الكبار بعد ان كان من صغار الموظفين.
أما اسلوب الدولة فان نظام الادارة والحكم فيفترض ان يساهم في خلق فرص متساوية في الترقي السياسي والاجتماعي، كما يساهم في توفير ضمانات كافية لحصول المواطنين على حقوقهم كاملة غير منقوصة، دون اي حاجة لعقد علاقات شخصية مع كبار المسؤولين، او التجول بين مجالس الوزراء الخاصة، او رفع العرائض لحل المشكلات المتراكمة.
لعل اسلوب المجالس في الخليج يتيح للمواطن ان يفتخر بقدراته على الوصول لكبار المسؤولين دون عناء، كما يتيح للوزراء ان يحتجوا امام الاخرين بتواضعهم للجمهور، لكن ما نفترضه سليما ان تكون العلاقة الودية بين المسؤول والمواطن لا تترتب عليها تبعات اخرى ليست من صميم العمل الاجتماعي المعلوم.
فلا الوزير ولا المسؤول الكبير من حقه ان يخترق القانون، بحجة ارضاء اطراف مقربة منه او من لديهم وساطات فوقية، ولا المواطن عليه ان يتحمل تبعات هذه السياسة الخارجة على القانون، ان هذا الوضع اللا قانوني خلق ما يمكن ان نطلق عليه نظام المحاصصة بين القبيلة السياسية وبين الاطراف المتعاونة معها على حساب بقية المواطنين الذين ينظر اليهم (من قبل السلطة) كرعايا من الدرجة الثالثة، وهو ما ادى الى جهل المجتمع الخليجي بالأنظمة المعمول بها، كما افقدهم القدرة على التعامل مع الوسائل القانونية، ولذا فانهم يتنازلون عن حقوقهم المشروعة او يستسهلون الاعتداء على حقوق الآخرين دون شعور بإثم.
على الوزير والمسؤول أن ينزل الى الناس ويتحسس مشاكلهم هذا متفق عليه ولا يحتاج الى جدل طويل، لكن توسع المجتمع وتكاثر عدد ابنائه يحتاج لإيجاد آلية واضحة تنظم الاجتماع بصورة متوازنة بين الجميع، وبقاء عقلية القبيلة يدلل على رغبة السلطة في ابقاء مساحة لإلغاء المجتمع في اي لحظة كانت، فسياسة المجالس المفتوحة لا تعني التواضع بقدر ما تعني الاصرار على ادارة المجتمع بطريقة فردية لا علاقة لها بأنظمة الدولة العامة، وهو ما يعني ان حقوق الناس ومعاملاتهم يمكن ان تنتهي برضا المسؤول، وان العدل في الدولة يعتمد على مقدار ايمان الشخص المسؤول او من هو اعلى منه بالعدالة، لا باعتبار ان العدل هو اساس الحكم، وهذه عودة الى اسلوب الخليفة العادل او الظالم، ونحن نفترض اننا تجاوزنا الخلافة في الحكم المعتمد على قرار الشخص الفرد ومقدار ايمانه بالعدالة، ودخلنا في طور الدولة المؤسسة، فالعدل لم يعد قرار شخص بل ارادة مجتمع وبغير هذا الفهم سنظل نحوم في دائرة الدولة التي كل مشروعها هو الاستبداد.