وما خفي.. من أعمال الملائكة
حسب الله يحيى
2024-05-06 06:32
على مدى الأيام القليلة الماضية، ضجت الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي، وهي تتداول جملة من المفردات الغريبة والطارئة وغير المسبوقة على اسمائنا مثل: الفاشنستات، البلوكر، المثلية، تبادل الزوجات، الشذوذ الجنسي وغيرها.
ومع ان هذه الحالات غير الأخلاقية وغير المقبولة في الأعراف الاجتماعية العراقية والعربية وحتى الأجنبية؛ لم تكن غائبة ابدا، الا انها ظلت حالات فردية واستثنائية مرفوضة اجتماعيا.. ولم يجر تداولها الا في نطاق محدود جدا وفي حالات نادرة ولا تشكل ظاهرة.
الا ان الجديد في الامر، هو تصاعد وتيرة هذه الحالات والتي باتت ملحوظة في قطاعات اجتماعية مختلفة طبقيا.. حتى استدعت إلى تدخل البرلمان والحكومة والقضاء في تفاصيلها ومن ثم اصدار قوانين صارمة للحد منها والعمل على ايقافها.
ومع ان هذه الحالة لا يمكن ان نجردها ونفصلها عن العوامل التي أدت إلى بروزها بهذا الشكل.. الا ان هناك تغافل متعمد في عدم تسليط الضوء على أسبابها.. وهو امر خطير ومهم واساسي في دراستها ومن ثم معالجتها.
ان العاملين الاقتصادي والأمني المترديين؛ يشكلان أحد الأسباب الأساسية في بروز هذه الحالة وانتشارها على وجه السرعة.
ومعلوم أن أي مجتمع يعاني من تباين طبقي ومن أوضاع اقتصادية متردية ومن أمن هش، لا بد أن ينعكس سلبا على المجتمع، ومن ثم يسهم في تردي القيم الأخلاقية، حتى لنجد أن هذه القيم تتشظى، فهناك وتحت ضغط الحاجات الحياتية الملحة ؛ انهيار أخلاقي وبيع للاجساد والأعضاء البشرية والتهتك الخلقي، وكلها أسواق نشطة ما دامت هناك قوى غنية تدفع لتحقيق متعتها ورفاهيتها، وقوى فقيرة تستلم من أجل العيش والصحة والتعليم والسكن.
ولو تم التوجه إلى توضيح الحقيقة ومعرفة الأمور بوضوح، لتبينا أن الأمر لا يتعلق برخص الأجساد، وإنما بالسلوك الذي يمارسه نخب يسرقون وينهبون ويقتلون ويغتصبون.. تحت لافتات (ملائكية) تتستر بالدين الحنيف تارة وبالسياسة تارة أخرى وبالنفوذ العشائري والقبلي والعائلي والحزبي تارة ثالثة.
ولو توقفنا عند هذه الحقائق؛ لكنا انصفنا فقراء الناس وسوء ضحايا هذا السلوك المشين.
كما أن التسول الواسع الانتشار واتساع رقعة المخدرات وأماكن الرذيلة.. وعلى وفق هذا الاتساع، كلها كانت الأسباب المتفاعلة لكل ما حدث ويحدث.
ووجود أعداد هائلة من الخريجين والعاطلين عن العمل وحاجات المرضى إلى العلاج ومتطلبات العائلة اليومية.. من شأنها جميعا أن تسهم مساهمة فعالة في تدني المستويات الأخلاقية في المجتمع.
نعم.. كل هذه الحالات الفردية موجودة ومرفوضة، إلا أن هناك حالات تتجاوز الفردية، لتصبح مجتمعية أو جمعية في انتشار الرشى والسرقات والجرائم على نطاق واسع.
ترى لماذا يتم تسليط الأضواء وإصدار القوانين الصارمة ـ وهي مطلوبة فعلا ـ وإغفال أو تغافل الصفات الآخر من الانهيارات، التي مزقت المجتمع العراقي وجعلته في مهب الريح. بحيث لا يجد سبيلا إلى الإصلاح ولا رجاء في المستقبل. الى جانب ذلك يواجه العراق جملة من الاعمال الاجرامية التخريبية، التي تعمل على تدمير بناه الاقتصادية والنفطية منها على وجه الخصوص، بعد أن تم تدمير وغلق جميع المصانع، حتى تحول العراق إلى بلد مستهلك بامتياز.. مستهلك في كل شيء حتى في خدماته الأولية، والتي بات اغنياؤه وحكومته يفضلون التعامل مع العمالة الأجنبية، بدلا من العمالة البشرية المحلية.
ترى.. هل كانت كل هذه الضجة (الأخلاقية) تكمن في صرف الأنظار عن التدهور الأمني والاقتصادي والفساد المالي، الذي ينخر كل مفاصل الدولة، هو الذي جعل كثرة من الفاسدين يدافعون عن (حياض الوطن)، والحفاظ على قيمه الأخلاقية، بدلا من معالجة الأسباب التي أدت إلى ظهور هكذا حالات؟.
إن ما خفي عظيم وكبير وثقيل على هموم الناس وأزماتهم المستمرة.. ومن الغفلة أن يعتقد أولئك الذين يعدون أنفسهم (ملائكة)، أنهم قيمون على اخلاق وقيم الناس، وأن مفاتيح الجنة والنار بأيديهم.. وأمامنا مشهد (الحجاب)، الذي بات تقليدا تمارسه المرأة العراقية في مظهرها، إلا أنه لم يعط مفعوله المطلوب، حيث إن الفتنة والجمال والاثارة توجهت إلى مناطق أخرى من مظهر المرأة وجسدها بدلا من شعرها.
إن هذه الايدي القذرة والأفكار الجامدة، التي تتغافل عن الحقيقة، لا بد أن نتعامل معها على وفق قوانين متشددة وعادلة وأساسية، لأنها هي صانعة المحتوى الرديء، ذلك أننا لو عرفنا الأسباب لأصبح بمقدورنا معالجة النتائج. وإلا فإن النظر إلى أخلاق الناس بعين واحدة من شأنه أن يفاقم الأمور، ويجعل الحال يسوء من سيئ إلى أسوأ.