القوة الإقتصادية
مصادر القوة والسلطة في العراق الجزء الثاني
منقذ داغر
2024-04-25 04:59
يقصد بالسلطة القدرة على جعل الآخرين يفعلون أشياء ما كانوا ليفعلونها بدون وجودها. والسلطة هنا لا تقتصر على السلطة القانونية بل تتعداها الى كل أشكال القوة القهرية أو التعاونية، والرسمية وغير الرسمية، والخاصة أو العامة. يختلف علماء الأجتماع في تحديد مصادر القوة الاجتماعية لكني أتبنى أنموذج مايكل مان Michael Mann الرباعي -الآيدلوجيا،الأقتصاد، الجيش والسياسة- بعد تعريقه ليناسب الظرف الأجتماعي للعراق حالياً .
لقد فشل العراق في تحديد هوية أقتصاده فبات مزيج (فرانكشتايني) من اقتصاد السوق والاقتصاد الاشتراكي وبدون تحديد الحدود الفاصلة والعلاقات الحاكمة بينهما. كما أدى الاحتلال الى تدمير الدولة العرااقية والتي كانت تدير كل النشاط الاقتصادي فتوقفت عجلة الصناعة كلياً كما توقفت كثير من الانشطة الاقتصادية الاخرى وعمّت الفوضى فيها.
قابل ذلك نمو كبير للقطاع النفطي الذي حول العراق لدولة ريعية بأمتياز. فقد نمى الريع النفطي في العراق من حوالي 23 مليار دولار في عام 2004 الى ما يناهز 120 مليار دولار عام 2022. كما نمت صادرات النفط العراقية من مليون برميل غام 2003 الى حوالي 4 مليون برمييل حالياً. وبذلك فقد زاد حجم التدفقات النقدية للخزينة العراقية خلال العقدين الماضيين عن 1.2 تريليون دولار. لكن هذه الزيادات لم تنعكس على الاقتصاد العراقي حيث باتت الدولة هي المشغل شبه الوحيد لاقتصاد يفترض أنه رأسمالي. وتضاعف حجم الموظفين الحكوميين حتى تجاوزوا 5 ملايين موظف باتوا يستهلكون أكثر من نصف الموازنة العامة كرواتب وأجور.
لقد أدت هذه الفوضى الأقتصادية المصحوبة بفساد هائل الى بروز طبقة جديدة من مليارديرات ومليونيرات (الحواسم)، والكليبتوقراطية والأوليغاركية وتجار الاسلحة والمخدرات واصحاب البنوك والسياسيين والميليشياويين.
وفي تصريح لافت مؤخراً قدر وزير المالية السابق علي علاوي عدد مليارديرات السياسة بثلاثين ملياردير، في حين أنه قال لكاتب هذه السطور قبل أكثر من ثلاث سنوات وحينما كان وزيراً للمالية بأن أحدى الفصائل المسلحة تتجاوز ملكيتها النصف مليار دولار آنذاك!!
لقد صاحب هذا النمو المفرط في عدد الرأسماليين وأصحاب الثروات والأملاك تنامي أكبر في عدد الفقراء والمحرومين والمهمشين يقابله شبه أندثار للطبقة الوسطى في العراق. والأنكى من ذلك، أن هذا النمو الكبير لطبقتَي الرأسماليين والفقراء صاحبه نمو مماثل في نفوذ وقوة الطبقة العليا.
قابله، على الضفة الأخرى، أنخفاض كبير في قدرة الطبقة الدنيا والوسطى على تحدي ذلك النفوذ وتلك القوة نتيجة تفكك وقلة تأثير المنظمات المدافعة عن حقوقهم، كالاتحادات والنقابات والاحزاب ومنظمات المجتمع المدني، فضلاً عن تأثير الآيدلوجيا في كبح جماح التغيير.
يضاف الى هذه الخلطة الخطرة، ضعف وتواطىء واضحَين في مؤسسات الدولة وعدم قدرتها على مجابهة القوة الاقتصادية الهائلة لاصحاب الاموال. ولعل حادثة سرقة القرن خير دليل على عدم قدرة مؤسسات الدولة (التنفيذية والقضائية والتشريعية) على مواجهة هذه الطبقة التي باتت بحكم تحالفها مع الميليشيات والسياسيين فوق القانون.
وأذا كان الصراع الطبقي يحتاج لوعي بالحرمان وعدم المساواة والافتقاد للعدالة بحسب ماركس فيبدو أن هذا الشرط متوفر بقوة في حالة العراق. صحيح أن التنظيم الطبقي، والذي هو الشرط الثاني للصراع الطبقي عند ماركس، بات أضعف مما كان عليه لكنها حالة عامة في كل العالم وليس العراق حسب. الا أن هناك عوامل أخرى يمكنها أن تصب الزيت على نار الصراع الطبقي المحتملأ ولعل في مقدمة تلك الظروف الوعي بحجم الامكانات الاقتصادية الهائلة المتوفرة للعراقيين والتي لم تنعكس على حياتهم خيرا. كما أن تداخل مفهوم الطائفة مع مفهوم الطبقة واضح جداً في العراق.
ان صراع الطبقات، سواء وفق المفهوم الماركسي الاقتصادي، أو وفق مفهوم فيبر الاجتماعي حاصل الآن لكنه سيشتد، بل ربما ينفجر حينما تتوفر له اللحظة التاريخية. فأنخفاض أسعار النفط، يرافقه زيادة هائلة في عدد الموظفين العموميين وعدد السكان عموما، أو حصول حرب (خارجية أو داخلية) لا سمح الله، أو حصول حادثة أجتماعية أو سياسية مشابهة لما حصل في تشرين بالعراق او للبوعزيزي في تونس، أو غير ذلك من الأحداث يمكنها أن تفجر الصراع الطبقي الكامن مما يغير من موازين القوة الاقتصادية. عند ذاك لن تشفع لا الآيدلوجيا ولا مصادر القوة الاخرى (السلاح والسياسة) في ايقاف التغيير الاجتماعي.