حادثة البصرة: طريق العلم لا يغدر

مصطفى ملا هذال

2024-04-06 03:05

دُفنت أجساد الضحايا، وانتهت الشخصيات من تقديم التعازي والزيارات، لكن النار لن تخمد في قلوب ذوي الطلبة الذين تعرضوا لحادث سير في منطقة الهارثة شمال محافظة البصرة قبل أيام، ويبقى السؤال المعلق دون إجابة، متى يتوقف مسلسل الدم في العراق؟

مقتل الأطفال الست وإصابة التسعة الآخرين انعكس بحالة حزن عارمة عمت ربوع البلاد، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بتفاصيل الحادثة الأليمة، التي حصلت بعد فقدان سائق المركبة من نوع براد السيطرة على عجلته، وتقول المعلومات الأولية ان فقدان السيطرة جاء بسبب خلل في المكابح أدى الى حصول الكارثة.

وقعت الحادثة أثناء خروج الطلاب من مدرستهم إلى المنزل مع انتهاء الدوام الدراسي، وعليهم عبور طريق سريع أمام المدرسة، وخلال مرورهم مرت شاحنة فقد السائق السيطرة عليها ودهست ما يقارب 20 طفلا.

فاجعة الهارثة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، فسجل الحوادث المأساوية في العراق حافل بالمشاهد الدموية، ابتداء من حادثة عبارة الموصل، مرورا بحادث حريق الحمدانية، وانتهاء بحادثة الدهس هذه، فأين الجهات الحكومية من كل هذا؟

في العراق تعودت الجهات المعنية بالمراقبة وتلافي وقوع الكوارث، تعودت على دفع الشبهات عنها بالتصريحات الرنانة الممزوجة بمسحة من العاطفة لاستمالة الجمهور الغاضب، والتقليل من حدة النقمة الشعبية، وإلا بماذا تفسر بيان وزارة الداخلية الذي تقول فيه انها قبضت على سائق العجلة، وبحسب الاعترافات الأولية "فإن سائق العجلة فقد السيطرة عليها بسبب عطل في المكابح مما تسبب في حادث الدهس أثناء انتهاء الدوام الرسمي للمدرسة".

وقالت الوزارة إن وزير الداخلية عبد الأمير الشمري وجه بتشكيل لجنة تحقيقية للذهاب إلى محل الحادث لمعرفة ملابساته والوقوف على أسبابه!

معالي الوزير الأسباب معروفة ولا حاجة لتشكيل لجنة تحقيقية، أبناء الشعب العراقي جميعهم يعرفون ان الجهات الأمنية بما فيها مديريات المرور مقصرة في حقوقهم، فهل من المعقول ان منطقة عبور تلاميذ تترك بهذه الصورة دون وضع مفرزة مرور تنظم عملية العبور!

ونتساءل هنا عن السبب الحقيقي الذي أدى لوقوع الحادث، هل السائق الذي لم ينتبه، أم البلدية والتخطيط الذين لم يراعوا متطلبات الأمن والسلامة، أم المحافظة التي طلب منها الأهالي أكثر من مرة بناء جسور لعبور الطلاب ولم يتم الاستجابة لطلبهم؟

هنا سنحمل محافظ البصرة المسؤولية الكبرى عن وقوع الحادث، وحالة الحداد العام التي أعلنها في المحافظة لمدة ثلاثة ايام لا تعفيه من العقاب والمحاسبة من قبل رئيس مجلس الوزراء، وان مرت هذه الحادثة دون محاسبة او تسويف عبر لجان تشكلها هذه الوزارة او تلك الهيأة، فاعلم ان الامر سيحمل رقما وتسلل ضمن لائحة انتهاكات حقوق المواطنين.

سيادة المحافظ الحداد لا يكفي ان بقيت جسور المشاة غائبة امام مناطق عبور الطلبة وكذلك المناطق المزدحمة سكانيا، فالحداد لا يضمد الجراح التي اخذت مأخذها في نفوس العراقيين، ولا يطيب الندوب التي تركتها في قلوب الأهالي.

سيادة المحافظ هل تتصور حال من فقد أربعة أبناء في لحظة واحدة، هل تتخيل يخرج ابناءك الأربعة ويعودوا الى المنزل قتلى بعد ساعات قليلة تفصلهم عن الخروج، مثل هؤلاء لا يريدون سماع كلمات التصبير والمؤازرة الكاذبة، مثل هؤلاء لا يكفيهم رؤية السائق خلف القضبان ويساق الى جلسات المحاكمة.

يحتاجون من جانبك سيادة المحافظ النزول من عرشك الى الشارع ومحاسبة المقصرين الفعليين والمتسببين الواضحين بكل ما جرى، والشروع بحملة على مستوى المحافظة بأنشاء جسور كهربائية في مناطق العبور منعا لزهق المزيد من الأرواح البريئة الذاهبة لتلقي العلم ولم تعلم انها ستنال حتفها بهذه الطريقة.

طريق العلم لا يغدر، لكن الظروف هي الغادرة.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا