جعجعة الدولة وطحين السلطة

مازن صاحب

2024-02-27 06:35

يقال ان عراق اليوم بعد عقدين ونيف على التغيير المطلوب للانتقال إلى رفاهية دولة الحكم الرشيد.. ما زال يحتاج إلى المزيد من الجهود وزمن طويل لإنجاز هذا التغيير المنشود، فيما تعلن مراكز التفكير وبيوت الخبرة الدولية تباعا إحصائيات مبهرة عن سلطة الدولة من خلال قياس تطبيقات الحكم الرشيد وإنتاج الديمقراطية لإدارة المعرفة وتعظيم انتاجية (الفرد /المواطن) في تجديد متواصل يربط بين نتاج مراكز التفكير الإبداعية لتحقيق هدف الرفاهية الإنسانية..

ما بعد الاحتلال الصهيوني للعراق في ٢٠٠٣.. كانت القوى المتصدية للسلطة لاسيما الاباء المؤسسين في مؤتمر لندن برعاية زلماي خليل زاده ونتاجه في مجلس الحكم العتيد تصف القوات الأمريكية (القوات الصديقة) حتى وصل الأمر إلى تقديم رمزية سيف ( ذي الفقار)  كهدية إلى وزير حرب الاحتلال.. لكن ذلك لم ينجح في انتقال العراق إلى مصاف تلك المعايير والمقاييس الدولية عن انتاج الديمقراطية للمعرفة في إدارة الدولة وغيبت سلطة الدولة لصالح منفعة دولة السلطة!!

لذلك السؤال الأصعب المطروح اليوم مع صخب المناداة بخروج قوات الاحتلال الصهيوني أمريكية كانت ان المتحالفة معها.. الانتقال إلى نموذج الشراكة الشاملة كما تكرر السفيرة الأمريكية في كل تغريدة لها.. هل ثمة قناعات  عند الاباء المؤسسين او تلك القوى التي خرجت من معطفهم بأهمية الانتقال إلى سلطة الدولة؟؟

لست بصدد وضع أطروحة فكرية جديدة في النظم السياسية والاقتصادية.. ما دامت المعايير الدولية لقياس كفاءة الحكم الرشيد وإنتاج الديمقراطية لإدارة المعرفة وتعظيم انتاجية الفرد والانتقال إلى نموذج الرفاهية بتجسيد حقوق الإنسان العراقي في ثروات بلاده أوضح من شمس تموز في ظهيرة عراقية ساطعة.

السؤال يتكرر هل هناك قدرات وقدوات سياسية عراقية لإنجاز هذا الانتقال الذي كان حلم كل عراقي لمرحلة ما بعد النظم الشمولية السابقة؟؟

أيضا الإجابات تنحصر تحت خط تلك البدايات الاصح في إنجاز اربعة مهمات اساسية هي :

اولا: الانتهاء من دولرة الاقتصاد الوطني وضبط المنافذ  الحدودية وتطبيق منهج (راسمالية الدولة) كهوبة للاقتصاد تبدأ بتحويل كل المعامل الخاسرة إلى شركات انتاجية وفق معيار النجاح والفشل للإدارة.. واعتماد نظام حماية ضريبية تحقق الشعار المرفوع من دون انجاز (صنع في العراق)... ناهيك عن تعظيم الإنتاج الزراعي بالدفاع الدبلوماسي المحنك عن حصصنا المائية عند دول الجوار .. وصولا إلى رفع القيمة الشرائية للدينار العراقي مقابل الدولار او اي سلة عملات دولية.. يكفينا مثلا ثبات سعر صرف الدينار الأردني!!!

ثانيا: الالتزام باحكام اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بالمنع والردع.. من خلال تطبيق سياسات عامة ملزمة للكشف عن الذمة المالية للاحزاب والنواب وموظفي الدرجات الخاصة قبل ٢٠٠٣ وما بعدها.. واسترداد الأموال المهدورة لمن تضخمت أمواله.. فمن كان لا يملك غير المعونات في مدن اللجوء الانساني الأوروبية.. او لا يملك في داخل العراق غير سيارة نقل ركاب صغيرة.. مقابل ما يملكون اليوم.. وتلك مهمة مفقودة من مهمات الأجهزة الرقابية... تحتاج إلى ارادة رجال دولة.

ثالثا: فتح حوار وطني حقيقي بالمطلق.. يناقش حصر احتكار العنف والسلاح تحت سلطة القانون وضرب رادع لمنظومات الجريمة المنظمة باي عنوان كان.. كسلاح ليس تحت سلطة الحكومة او سلاح الإرهاب الدولي بعناوين مختلفة او سلاح تجار المخدرات او مجموعات الابتزاز والسرقة.. بعناوين واجهات اقتصادية قد لا تكون على صلة حقيقية مع هذا الحزب او ذاك!!

نتائج هكذا حوار تتطلب ردم فجوة الثقة بين قلة مهيمنة على السلطة واغلبية صامتة.. قابلة للانفحار في اي توقيت وما حصل في تشرين ليس بعيدا.

رابعا: مناقشة خطط وبرامج مجتمعية واقتصادية.. لإلغاء نظام المكونات واستبداله  بنظام مواطنة فاعلة من خلال مناهج تربوية على جميع المراحل الدراسية الأولية والجامعية.. ناهيك عن البرامج الإعلامية.

ليس كلما تقدم بدعة أكرر الحديث عنها في مقالاتي.. بل هي نتاج عشرات المؤتمرات والندوات.. بل حتى الاطاريح الجامعية.. الأغلب الاعم.. يتحدث عن مرحلة ما بعد إعادة النظر الشاملة بمنظومة السلطات  التي طرحت في لجان التعديلات الدستورية.. واليوم يرتبط ذلك بمرحلة ما بعد خروج القوات المسلحة الاجنبية.. وايضا النفوذ الإقليمي من جهات العراق الأربعة.. يتكرر السؤال.. هل هناك قوى سياسية عراقية على استعداد النهوض بمهمات انجاز هذه المتطلبات؟؟

الإجابات الواقعية.. نسمع جعجعة ولا نرى طحينا.. الكل تتحدث عن الاصلاح الشامل من دون ظهور تطبيقات على ارض الواقع.. ابسط مثال على ذلك.. ان الحكومة قررت عودة جميع النازحين. لكن دعونا نتسائل.. هل يمكن إعادة نازحي جرف الصخر او جرف النصر؟؟

هذا مثال بسيط جدا.. بوجود أهداف ورغبات من هنا وهناك.. ليس بتوليد فرضيات التغيير نحو عراق واحد وطن الجميع... بل عراق محكوم بنفوذ اجنبي.. يتجسد بقوى سياسية لها أجنحة مسلحة.. لا تقوم الجهات ذات العلاقة بالأمن.. ونفاذ القانون بردعها بل التفاوض معها في احد أسوأ انواع إدارة دولة السلطة فقط لديمومة مفاسد المحاصصة ونظام المكونات من أجل محو عراق واحد وطن الجميع.. وسبق وان قلت واكرر اليوم مطلوب في هذه المرحلة الملحة عراقيا.. إعادة تعريف جريمة الخيانة العظمى.. والعقوبة التي تفرض عليها.. لان الحديث عن ملح  الدولة اذا فسد.. ليس سهلا.. ولا احد بقادر على اصلاحه.. وسبحانه تعالى لا يغير في قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.. ويبقى من القول لله في خلقه شؤون!!

................................................................................................

* الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا