ثقافة التعاون والاهتمام بالآخرين مفتاح نجاح المجتمعات
باسم حسين الزيدي
2024-02-08 07:17
تعرضت الكثير من المجتمعات الناجحة في وقتنا الحاضر الى نكبات سياسية وهزات اقتصادية مدمرة، ومرت بالعديد من دوامات العنف الداخلي والحروب والدكتاتورية، لكنها استطاعت ان تتغلب على ازماتها وتعبر نحو ضفة النجاح والتقدم، وحولت ماضيها المأساوي الذي مرت به الى عبرة ودرس حتى لا تعيد تدوير اخطائها وتقع في المحظور من جديد.
وقد يسأل البعض عن سر هذا التحول وكيف تمكنت من التغلب على فشلها لتكتب قصة هذا النجاح والتفوق؟
الامر لا يتعلق بقوى خارقة او جينات مختلفة تمتلكها هذه المجتمعات، ولا صفات سحرية او هي شعوب من كوكب آخر كما يحلوا للبعض ان يسميها، بل الامر يتعلق بالقدرة التي يملكها الافراد على التعاون في خدمة المجتمع ككل، بمعنى آخر مقدار الوعي والثقافة التي تعزز الشعور بالمسؤولية لدى هؤلاء الافراد تجاه الافراد الاخرين ضمن المجتمع ككل.
هذا التعاون في تقديم الخدمة العامة للناس، والذي تحول الى ثقافة مجتمعية وجزء من هوية كل فرد داخل المجتمع الناجح، هو السر الحقيقي وراء أي نجاحه وتميزه، وهو المحرك الأساسي للتطور المستمر الذي يتغلب على أي فشل ويتجاوز أي عقبة يمكن ان تعترض طريقهم.
لقد سلط المرجع الراحل الامام السيد محمد الشيرازي الضوء على هذا الامر المهم لكي يتضح السبب وراء فشل بعض المجتمعات التي ابتعدت بإراداتها عن الطريق الحق والفطرة السليمة، وكذلك ليوضح الفرق بينها وبين المجتمعات التي حولت فشلها الى نجاح وتطور لأنها استطاعت الاستفادة من قدراتها الذاتية ودروس الماضي والاعتماد على عنصرين رئيسين:
1. ثقافة التعاون والاهتمام بالآخرين والعمل بروح الفريق الواحد بعيداً عن الانانية والمصالح الفردية الضيقة وصولاً الى النجاح الذي يشمل جميع افراد المجتمع، فكان يقول: "ان قضاء حوائج المؤمنين بل الناس جميعاً من النعم الإلهية الكبيرة التي يوفق لها بعض الناس خصوصاً في هذا العصر حيث ازدادت حوائج الناس واتسعت مشاكلهم وأزماتهم التي تستدعي التعاون والاهتمام من أجل رفعها وقضائها من قبل الجميع".
2. المبادرة الى العمل من دون انتظار حصول نقص طلب بالعمل: "ان وظيفة المسلم أن يتفقد حاجات الناس ويسعى في سبيل قضائها ولا ينتظر أن يستغيثه أحد لقضاء حاجته وانما يلتزم هو بالمبادرة في قضاء الحوائج".
ان التعاون والمبادرة من اهم العناصر التي تمكن المجتمعات والدول في تحقيق ما تصبو اليه من التطور ونجاح أهدافها وخططها في تحقيق الرفاهية والسعادة لأفرادها، ولا يقتصر التعاون –على سبيل المثال- في المجالات المادية فقط، كالعمل وتطوير القطاع الاقتصادي والبنى التحتية وغيرها، بل يشمل المجالات النفسية والمعنوية للمجتمع، اذ يعتبر السيد الشيرازي ان: "التعاون هو السبيل لحل معظم المشكلات الاجتماعية"، خصوصاً اذا كان التعاون مبنيا على أسس صحيحة وحقيقية.
ويرى الشيرازي (رحمه الله) ان الدين الإسلامي بتعاليمه الإنسانية العظيمة وشريعته السمحاء قد أسس لقواعد حقيقية لبناء التعاون وروح المبادرة لدى المجتمعات الايمانية والإنسانية القادرة على التفاعل مع روح هذه التعاليم من اجل النهوض بواقعها نحو الأفضل والأسمى على المستوى المادي والمعنوي، فقد: "وفر الإسلام الإنسانية والتعاون والخدمة والرفاه والثقة المتبادلة والاطمئنان والحياة السعيدة والاكتفاء الذاتي ورخص الأسعار والحوائج الجسدية والنفسية، وبهذه كلها شيد المسلمون حضارة إسلامية إنسانية كاملة".
لكن الواقع الذي يعيشه معظم المسلمون والمجتمعات الإسلامية يدعو الى الاستغراب والدهشة بسبب الضعف والتراجع الذي تعانيه مقارنة بالمجتمعات الأخرى، بل وان اغلب هذه المجتمعات ترزح تحت حكم الدكتاتورية والاستبداد السالب لحرياتها وتطلعاتها وامالها، وبالتالي عدم وجود رغبة حقيقية في تغيير هذا السيء بآخر جيد يمكنها من عملية التغيير او الإصلاح، وكأنها قد تنازلت طواعية عن كامل حقوقها.
من جانب آخر لا يمكن قبول مسألة التأثير السلبي او الإحباط المعنوي في ان تكون عائقا امام تقديم أفضل ما لدى الانسان او المجتمع من قدرات في التعاون والخدمة والاستمرار في المبادرة، فكلما ارتفعت قيمة الهدف الذي يسعى الى تحقيقه الفرد او المجتمع هانت دونه أي عقبات او تأثير سلبي، كون السعي للعمل في هذا المجال لا يخضع لقيمة المدح او الذم او السلب والايجاب، على ما أشار اليه السيد الشيرازي، بل هي عملية تهدف الى فعل الخير او العمل الإنساني الخالص بروح التعاون والخدمة الشاملة للجميع مهما كانت ما دونها من محبطات: "على الإنسان أن يشغل نفسه دائماً بفعل الخيرات ولا يدع للمدح أو للذم تأثيراً في نفسه سلباً أو إيجاباً، قال الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) لهشام: "يا هشام، لو كان في يدك جوزة وقال الناس في يدك لؤلؤة ما كان ينفعك وأنت تعلم أنها جوزة، ولو كان في يدك لؤلؤة وقال الناس أنها جوزة ما ضرّك وأنت تعلم أنها لؤلؤة".
والخلاصة ان المجتمع الذي يستهدف رفع شعار التعاون وتعزيز ثقافة المبادرة نحو العمل الإنساني والخدمة العامة التي تنطوي تحت فعل "الخيرات" هو مجتمع ناجح وقادر على تحقيق جميع أهدافه بسهولة، وهو قادر على تجاوز العقبات والأزمات التي قدر تمر به.
اما المجتمع الذي يعاني افراده من التفرق والانانية والمصالح الخاصة، فلا يمكن التعويل على نجاحه في تحقيق أهدافه او خروجه من الازمات التي يعاني منها، خصوصاً في حال قبوله بهذا الوضع والاستسلام للواقع الذي فرضته ظروف معينة من دون المحاولة من اجل التغيير.