ثقافة الفراغ السياسي من قمة سرت 2010 إلى طوفان الأقصى 2023
د. حسن زيد بن عقيل
2024-02-04 06:25
انعقدت قمة سرت 2010 وكان لدى القادة العرب شكوك حول نجاح "مفاوضات السلام مع إسرائيل". وكانت مخاوفهم من تداعيات تهويد القدس واستكمال حربي نكبة 1948 ونكسة 1967. ومن مخرجات قمة سرت 2010، انقسام القادة العرب إلى ثلاث مجموعات، فيما يتعلق بتطوير آليات العمل العربي المشترك. وإصلاح الجامعة العربية.
الفريق الأول: بقيادة ليبيا واليمن، يريد تسريع وتيرة الإصلاحات ويقترح تحويل الجامعة إلى اتحاد ومفوضيات.
المجموعة الثانية: على العكس من ذلك، يرفضون تسريع وتيرة الإصلاحات، معتبرين أن الظروف غير مهيأة الآن.
أما المجموعة الثالثة، بقيادة مصر، فتدعو إلى تطوير العمل العربي المشترك، على أن يتوافق مع الوضع العربي القائم، أي الإصلاح التدريجي.
وفي قمة سرت أعطى الزعيم الليبي الكلمة للرئيس الفلسطيني محمود عباس للحديث عن الملف الفلسطيني، لكن في تلك اللحظة انقطع البث التلفزيوني وتم الإعلان عن تحويل الجلسة من مفتوحة إلى مغلقة خوفا من الفضائح. كشف صائب عريقات رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية للجزيرة أن من بين البدائل المطروحة مناشدة الإدارة الأمريكية الاعتراف بالدولة الفلسطينية ضمن حدود 1967، بالإضافة إلى إمكانية الذهاب إلى مجلس الأمن للاعتراف بدولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية. وأكد عباس على أن السلطة الفلسطينية تريد وقفا كاملا للأنشطة الاستيطانية وليس تجميدها. وفي ختام القمة أعرب موسى الامين العام للجامعة العربية عن نفاد صبر الزعماء العرب ازاء عملية السلام الاسرائيلية الفلسطينية وحذر من أنه إذا لم يتم تحقيق تقدم قريبا فإن الجامعة العربية ستركز على مقترحات البدائل.. لحل الصراع. ومن بينها، كما أفاد مراسل الجزيرة، ما قدمه "الأسد" الذي أكد على ضرورة دعم المقاومة الفلسطينية، واعتبر المقاومة خيارا استراتيجيا للعرب والفلسطينيين، وهو ما رفضه عباس وأكد أهمية التمسك بالخيار السلمي.
وذكرت مصادر صحفية أن البعض أثار احتمال سعي العرب لامتلاك الأسلحة النووية إذا لم تلتزم إسرائيل خلال فترة زمنية معينة بالانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية والخضوع لنظام الضمانات الذي تطبقه الوكالة الذرية. كما اتفق الزعماء العرب على البدء في تشكيل رابطة إقليمية تضم الأصدقاء الإقليميين لدول الجامعة العربية، تسمى رابطة الجوار العربي. وأضاف موسى أنها تضم إثيوبيا وتشاد وإيران وتركيا، باستثناء إسرائيل من هذه المجموعة. ودعا إلى حوار عربي إيراني، وقال إن العرب يتقاسمون الجغرافيا والتاريخ مع إيران.
وفي أول رد فعل إسرائيلي على القمة، قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إن القمة لم تساعد في دفع عملية السلام.
خلال هذه الفترة، من 2010 إلى قمة بغداد 2012، تمت الإطاحة بأربعة زعماء عرب: فر زين العابدين بن علي إثر الاحتجاجات الشعبية عام 2011، وانتهى الأمر بحسني مبارك في السجن، وخلع علي عبد الله صالح من السلطة، ومعمر القذافي قتل وتشويه جثته. والرئيس بشار الأسد واجه حرباً ضد تمرد شامل. وبالفعل كان العرب يمزحون قائلاً لو انعقدت قمة عام 2011 (التي تم تأجيلها عدة مرات) لتقدم الرؤساء العرب رسمياً للمحاكمة. ومع خوف الزعماء العرب من مواقعهم في السلطة، تجذرت "ثقافة الفراغ السياسي"، وانتشر مفهوم ما أعلنه الرئيس أنور السادات في تصريحه الشهير بعد "حرب العبور" بأن " 99% من أوراق الحل في الشرق الأوسط في يد أمريكا " وهذا غير صحيح: الحل في أيدي العرب وفي قدرتهم على تغيير الحقائق.
وبعد قمة سرت، بدأت الاضطرابات المعروفة باسم "الربيع العربي" بالظهور في العالم العربي. علاوة على ذلك، تميزت هذه المرحلة بتدمير هياكل السلطة القديمة، وفي الوقت نفسه، تم تعزيز دور القوات المسلحة-أساس الاستبداد ودعم الحركات السياسية الإسلامية. ومن نتائج الربيع العربي إضعاف وإخراج دول مهمة في المنطقة، مثل العراق ومصر وسوريا واليمن، من معادلة القوى الإقليمية. وحلت محلها دول مجلس التعاون الخليجي (دول وظيفية أنشأتها أوروبا وأميركا ولا تستطيع أن تعلو فوقها)، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، لملء الفراغ الذي تركته هذه الدول العربية الكبيرة والحد من دور الدول غير العربية (تركيا وإيران).
ورغم كل الجهود الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية التي بذلها السعوديون والإمارات، فإن هذه السياسات الطموحة لم تساعدهم على تحقيق أهدافهم ومصالحهم، وفشلت في إيجاد توازن مع إيران وتركيا. نعم، السعودية والإمارات عملاقان اقتصاديان، لكنهما تفتقدان الرؤية المدنية، وتفتقران إلى القدرات العسكرية الوطنية، وتعتمدان على المرتزقة العسكريين والخبرات والقوى البشرية الوافدة، لذا ليس لديهما أي فرصة لحل أي أزمة في المنطقة. كما ذكرنا، فهي دول وظيفية مهمتها القيام بما لا تستطيع الدول الأوروبية أو أمريكا القيام به علناً في المنطقة، أو تتحمل مسؤوليته لأسباب مختلفة، مثل الوظائف التي تخالف المواثيق والأخلاقيات الدولية، على سبيل المثال، عدوان التحالف السعودي الإماراتي على اليمن والعدوان الإماراتي والتخريب في ليبيا والسودان، أو تجنب أي عمل ينطوي على مواجهة يمكن أن تؤثر على المشاعر الوطنية أو الدينية، مثل توفير الغذاء لإسرائيل و عدم توفيره للسكان الجائعين في غزة.
دول الخليج هي دول وظيفية مثل دولة إسرائيل، ولكن بمستوى أدنى. ونظراً لانعدام الثقة. لنتأمل هنا تقييم السيناتور الأمريكي كريس مورفي للسعودية والإمارات: لقد أساء كلا الشريكين استخدام الأسلحة في الماضي وقد يستخدمانها بشكل عدواني في المستقبل. وتشير التقارير إلى أن الإمارات قامت بالفعل بنقل أسلحة بشكل غير قانوني إلى الميليشيات السلفية في اليمن. لكن الأمور تتغير بسرعة في الشرق الأوسط، ولنكن صادقين، لا يمكننا أن نعرف على وجه اليقين ما ستفعله دول الشرق الأوسط بالأسلحة التي بعناها لهم.
في حين أن مكانة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في السياسة الأميركية، وفي الإدارات اللاحقة، تعتمد على قدرات ومقومات القوة العالمية التي تمتلكها إيران، وعلى موقعها ودورها المهم والمؤثر، إيجابا وسلبا، في العديد من القضايا الإقليمية. فإيران مؤهلة للمساهمة إيجاباً أو سلباً في المصالح الأميركية، سواء في الشرق الأوسط أو الخليج العربي أو آسيا الوسطى. وهذا يعتمد على نوعية العلاقة بين الجانبين: فإيران تمتلك قدرات مدنية وعسكرية وجغرافية واقتصادية وبشرية تؤهلها لأن تكون قوة إقليمية مؤثرة في المستقبل. وهذا يعزز سعيها لامتلاك القدرات النووية السلمية وربما الأسلحة النووية في المستقبل.
شعرت عواصم دول مجلس التعاون الخليجي مؤخراً بثقل إيران في الاستراتيجية والجيواستراتيجية الأمريكية (غير المعلنة) في الشرق الأوسط، خاصة في ظل إدارة أوباما وبعد الاتفاق النووي الإيراني عام 2015. وتركت دول مجلس التعاون الخليجي الستة وإسرائيل حيرة بشأن السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط ودفعتهم للتفكير في تطوير علاقاتهم السرية. لكنهم فشلوا في إقامة علاقات دبلوماسية مباشرة مع بعضهم البعض. وأظهرت هذه العلاقات عدداً من المصالح المشتركة (التي لم تكن على مستوى القيم)، وبالتالي لم يصل التعاون إلى مستوى إعادة بناء نظام إقليمي بالتعاون مع إسرائيل.
لاحقاً، حاولت الإدارة الأميركية بالتعاون مع تل أبيب القيام بعدة محاولات للتمهيد لإنجاح العلاقات الإسرائيلية الخليجية، لتكون بمثابة جسر للعلاقات العربية الإسرائيلية، على أن تتجاوز القضية الفلسطينية. بدأت هذه الخطوات التمهيدية بما يسمى «اتفاق القرن»، ثم مع «اتفاقيات التطبيع»، وأخيراً مع «اتفاقيات إبراهيم». والهدف هو خلق الأمن والاستقرار الإقليميين لإسرائيل، وهو ما يمثل أولوية في السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. وشعر الفلسطينيون أن الجميع يغض الطرف عنهم. ماذا يمكنهم أن يفعلوا وهم محتلون ومحاصرون؟ وجاء طوفان الأقصى ردا على ذلك، ليذكر إسرائيل والولايات المتحدة والعالم بأن ثقافة الفراغ السياسي انتهت الآن، وفلسطين لا تزال حية ومهمة.