شهادات وهمية تطيح بالهيبة العلمية

مصطفى ملا هذال

2023-08-22 08:18

توجهت بسؤال عفوي الى أحد الدارسين في الخارج لنيل درجة الماجستير، والسؤال كان بالتحديد عن أي المراحل وصلها في الدراسة، فأجاب بصراحة مطلقة انه حاليا في مرحلة شراء البحث، بينما يعكف الباحثين الجادين الراغبين بالتفوق العلمي على الكتابة ليلا ونهارا.

تحريت عن الحالة وبطريقة غير مباشرة علمت ان اغلب الحاصلين على شهادات عليا اتبعوا نفس الأسلوب الذي اتبعه من توجهت اليه بالسؤال، وهي شراء البحث وتقديمه الى اللجنة العلمية وتمريره من قبل الأخيرة وبالتالي اجتيازه المرحلة والحصول على درجة ماجستير او دكتوراه والعودة الى ارض الوطن.

امام وضع البلد المتدهور من جميع النواحي لا عجب ان يصل الحصول على شهادة عليا من الخارج الى هذه المرحلة، فالكثير من الدارسين لم يشعروا بوخزة الضمير تجاه الرصانة العلمية أولا، وتجاه أنفسهم ثانيا، وبالتالي كثرت الشهادات على نحو غريب.

تحوّل العراقيون صوب الحصول على الشهادة يشعرك للوهلة الأولى بالسعادة لما يتوقع من انعكاس هذه التحصيلات العلمية على الواقع المجتمعي والوظيفي وما يرتبط بذلك من مخرجات، لكن حين الاصطدام بالواقع الحقيقي ومعرفة كيفية الحصول على الشهادة تصاب بخيبة امل وتشعر ان لا تغيير يمكن ان يحصل.

نيل العديد القاب العلمية بهذه الكيفية لا يقدم شيء سوى اشباع الحاجة المعنوية وتعزيز المكانة الاجتماعية، هكذا ينظرون، ويصل بالبعض منهم الى مشاركة هذا الإنجاز على مواقع التواصل الاجتماعي، يرافقه نوع من الافتخار والشعور بالتفوق على الاقران، وفي النهاية تبقى الشخصية فارغة من المحتوى العلمي.

من الواضح أن إصرار البعض على التفاخر بما نالوه من “شهادات وهمية” عبر مشاركتها على حساباتهم في الشبكات الاجتماعية، هو أشبه بالإشباع الغريزي لإحساسهم الداخلي بالنقص، حتى وإن كانت تلك الشهادات لا تعكس حقيقتهم على أرض الواقع، ولم يعملوا بجد واجتهاد لنيلها.

ان اثبات الذات العلمية الرصينة لا يمكن ان يقتصر بالحصول على الشهادة العليا، اذ يجب ان يكلل ذلك بقيمة علمية تتمثل بالمؤهلات الاكاديمية وقسط من المهارات المهنية، تجعل الفرد يواكب القفزات العلمية في مجاله والاطلاع عليها ليكون قادرا على ان يصبح ممرا علميا حقيقيا الى الآخرين.

ربما الوقع أسهل عليك حين السماع بالحصول على الشهادات بالشراء او المساعدة من قبل المكاتب، لكن ما لا يمكن استساغته هو ما يسمى في الفترات الاخيرة بالدكتوراه الفخرية، وهي التي تمنح بصورة عشوائية هنا وهناك، اذ أصبح هذا النوع من الدرجات العلمية اغراء يصعب مواجهته من قبل الأشخاص فاقدي الشخصية العلمية.

كثرة الشهادات الافتراضية افقدت حرف الدال الذي يسبق أسماء الشخصيات الاكاديمية هيبته، طالما كان الحصول على الشهادة بعيدا عن تحقيق الإنجازات العلمية والجهود الحقيقية التي يبذلها الأشخاص والمؤسسات الاكاديمية التي تتمتع بسمعة طيبة ورصانة في مختلف المجالات.

وفي هذه البيئة العلمية الوهمية يبرز نوع من الجهل الى جانب الأنواع الأخرى المتمثلة بامية القراءة والكتابة، تبعتها امية تقنية او رقمية، اما اليوم فيمكن الحديث عن امية الشهادات العليا التي اُخذت بطرق غير شرعية فبالتأكيد لا تكون النهاية مرضية او كما يتوقع منها بصرف النظر عن الذين سلكوا طريق العلم ووصلوا الى التفوق الباهر.

ذات صلة

التقية المداراتيّةأثر التعداد السكاني على حقوق المواطنينبناء النظرية الدينية النقديةأهمية التعداد العام للسكان في داخل وخارج العراقالأيديولوجية الجندرية في عقيدة فرويد