لماذا يلغون الآخرين؟

محمد علي جواد تقي

2023-05-09 08:16

{وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا}

يتوهّم البعض أنه بخوضه الصراع مع شخص أو طرف يتنافس معه على أي شيء بالحياة، فانه يطبق قاعدة الحرب بانتهائها بغالب ومغلوب، ومع حظوهِ بحزمة من الامكانات والقدرات ترتسم في ذهنه كل فرص النجاح والانتصار.

ربما مردّ هذا الى تأثير قصص الحروب بين الأمم، وطموحات الجبابرة بالهيمنة بكل ثمن، وبدوافع في معظمها غير منطقية ولا صحيحة، مثل؛ التفوّق الفكري والثقافي، او التسيّد العرقي، بل وحتى الديني، كل هذا ما لا يستحسنه ذوي الألباب من هذه الأمة (الاسلامية)، فقد أثبتت التجارب أن فكرة إلغاء الآخر التي أوقدت نار الحروب على الحدود، وتسببت في أن يدفن الملايين تحت التراب، وملايين أُخر بين يتيم وأرملة فوق التراب، وفي مكان آخر أشعلت نار فتن أشدّ من القتل، قتلت العقول، وسممت النفوس والقلوب، كل هذه الجعجعة انتهت بلا غالب ولا مغلوب، ويا ليتها كانت هذه النتيجة، إنما شهدنا مهزومٌ و مهزوم!

المبادرات الخيّرة فرصة حضارية

لو نسأل شخصٌ يعيش في اميركا الجنوبية، او في افريقيا، أو أقصى الشرق، فضلاً؛ عمن نعرفهم ونتعامل معهم من ابناء الحضارة الغربية، عن رأيه بمن ينهض بمبادرة خير، تعالج ظاهرة الفقر –مثلاً- أو تساعد على شفاء المرضى، وأمثالها مما يتصل بالمجتمع، بل وينهض بفكرة جديدة تنشر الوعي وتكرّس الثقافة في الحياة، بغية تحقيق حياة أجمل، وأكثر من هذا؛ ربما يفكّر شخصٌ بتأسيس دولة كاملة بمؤسساتها وقواعدها القانونية وفق نظرية حكم معينة، بقطع النظر عن امكانية تحقيق كل هذا، او نسبة النجاح والفشل، لما تعدى رأيه الثناء والاستحسان لوجود شجاعة من هذا النوع تتحدى وتتصدى لأعمال كبيرة كهذه، تتجاوز حدود مصلحته الشخصية الى مصالح الملايين من ابناء شعبه وأمته، مع فقدان الضمانات الكاملة بالنجاح.

وأعتقد أن العالم –الغربي في المقدمة- أدرك الخلفية الحضارية لكل ما يشاهده من عطاء وتكافل وتعاون وتسامح من ابناء الأمة في مناسبات عديدة، في بلادنا الاسلامية، وايضاً في البلاد الغربية، ولو بنسبة معينة، والأهم من هذا؛ المشاريع الخيرية في الجانب الاجتماعي، والمشاريع الثقافية في الجانب الحضاري، رغم شرنقتها التنظيرية لكثير منها، ولكن مجرد وجود النظرية يمثل فرصة متاحة للتقدم لمن يجد في نفسه الكفاءة والجدارة، فهي قاعدة انطلاق جاهزة، بل هي مجموعة قواعد بالامكان تخيّر أحسنها لمن يريد، ولا أجدني بحاجة الى الإشارة الى حجم اقتباسات الأمم الاخرى من هذا الإرث الحضاري، وكيف انهم تقدموا وطوروا حياتهم بفضل القيم والمفاهيم والنظم الاجتماعية والاقتصادية التي هي بين أيدينا منذ ألف وأربعمائة سنة.

السؤال المحيّر هنا:

كيف يؤثر عمل ثقافي او انساني، بمختلف اشكاله، يصدر من شخص او جماعة، على عمل شخص او جماعة أخرى؟

فهل يؤثر من يعطي الصدقة لفقير –مثلاً- على قارعة الطريق على شخص آخر مستطرق تجنب القيام بالعمل نفسه؟!

وهل يؤثر كتاب جديد يقرأه الناس، على كتاب آخر، ربما يجد قرّاءه ايضاً؟ فهل يمكن القول أنه سيقلل من عدد قراء هذا الكتاب؟!

نعم؛ من الصعب على البعض –وربما الكثير- إسداء الشكر و كيل المديح لمن يتقدم بمبادرة او فكرة جديدة في الساحة، لعلّة نفسية مفهومة، فالجميع يحب أن يكون هو الواجهة، وهو صاحب الفكرة الأولى، بل هو الناجح دون غيره، بيد أن من السهل الصمت، ومن ثمّ الانطلاق بالعمل فيما يجيد ويُحسن للتنافس على تحقيق الأفضل، ولعل وجود الناجحين يكون دافعاً لمزيد من الجهد في هذا المضمار، والنتيجة؛ نكون أمام مشهد رائع من السباق والتنافس الشريف نحو تحقيق الاهداف المنشودة للملايين بأسرع وقت مع أقل الكتاليف.

لا نخسر أنفسنا والآخرين

ما مرّ يبدو أشبه بالمثالية البعيدة عن الواقع، بيد إن الأصعب منه ما يعاني منه واقعنا المزري في المجالات كافة، وقد اتخذه البعض منهجاً له في حياته وفي فكره، رغم تبعاته الخطيرة والمدمرة، لأن "الذي يُظهر العداء ويغالي فيه بالاتهام والكيد أنه أولاً: سيؤدي بعمله هذا الى تحطيم نفسه، وبعد أن يتحطم هو، تتحطم المجموعة التي ينتمي اليها، ويكون تحطيمه لنفسه أكثر من تحطيمه للمجموعة التي ينتمي اليها، وثانياً: الطرف الثالث الذي يستفيد من صراعات الطرفين هو الغالب والرابح، لأن قواه مكتملة بعد أن تهشمت قوة الطرفين" (لكيلا تتنازعوا- المرجع الديني الراحل السيد محمد الشيرازي –طاب ثراه-).

هذا ما يتعلق بالشخص المأزوم وجماعته المأزومة، أما ما ينعكس على الشارع العام، وعلى افراد الامة بأسرها، فهي آثار أكثر عمقاً في النفوس وأخطر في العواقب على المدى البعيد، نذكر منها:

1- تضعيف العلاقة بالقيم والأحكام والنظم، ومن ثمّ الإيمان مما يفترض ان يمثل قواعد للفكر والسلوك، فعندما تتعرض كل هذه للانتهاك من أجل إحراز المرتبة الأعلى فقط، فهذا يعني أن الصعود ليس من هذه القواعد، بل من قواعد ومنطلقات اخرى، وعليه؛ يجدر بالناس التحول الى هذه والتخلي عن تلك.

2- تراجع الثقة بالرموز والطليعة المبادرة والمضحية من أجل الآخرين. فمن أين يضمن الناس نزاهة هذا او ذاك في أعماله عندما يجدون أن محاولات التسقيط والإلغاء صادرة من الداخل وليس من الخارج، فلسنا نخوض حرباً صليبية في الوقت الحاضر.

3- الاستخفاف بالأخلاق والآداب التي يفترض ان تكون العقل الموجه للسلوك الفردي والاجتماعي، إذ لن يكون هنالك من يستحق الاحترام، او أن يستمع الناس لكلامه، فضلاً عن التفاعل مع افكاره، والاستجابة لنداءاته، فضلاً عن تبنيها والايمان بها.

ما تزال الفرصة قائمة للعودة الى الرشد، وحساب الخسائر الفادحة نتيجة التمسك الأعمى بهذا المنهج، وقد نبأنا بالعواقب؛ سماحة المرجع الراحل في كتابه المشار اليه، وقد ألفه على هامش مشاريعه وأعماله المتعددة في الكويت عام 1975، حيث قال: "وجدت في حكايات الذين تنازعوا ففشلوا وحكايات الذين توحدوا وتعاونوا فتقدموا، دروساً وعبراً لمن يريد التقدم ويخشى التأخر، ووجدت في قصص هؤلاء وأولئك عاملاً مهماً في التقليل من الخصومات والنزاعات بين أبناء الأمة الواحدة، تلك المنازعات التي انتشرت وتعاظمت حتى بلغت حالة خطرة في النصف الثاني من هذا القرن" –يقصد القرن الماضي-.

وفي الختام، أرى من الواجب الاشارة الى المستوى الرفيع من الوعي والثقافة لدى ابناء الأمة في هذه المرحلة من الزمن، بنسبة لا بأس بها، قياساً بما من مضى من الزمن، مثلاً؛ قبل خمسين سنة، وأعده نعمة أخرى وفرصة لكل حريص على مصير الأمة ومكانة العقيدة والقيم في حياة الناس.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا