كرة حرب اليمن تتدحرج نحو مواجهة في الخليج
د. حسن زيد بن عقيل
2023-02-12 05:50
بعد ثماني سنوات من الحرب على اليمن، يبدو أنه لا نهاية للحرب، ولا يرى أي من طرفي الصراع حلاً سياسيًا دبلوماسيًا في الأفق، فماذا بعد؟ لا يزال هناك خطر من تصعيد الصراع. ومع ذلك، يمكن للأمم المتحدة والولايات المتحدة لعب دور مهم في إنهاء الأعمال العدائية، إذا أخرجا دول الخليج وإسرائيل من ملف التفاوض مع اليمنيين، لما لهم من آثار معيبة وسمعة سيئة في اليمن.
يمكن القيام بذلك من خلال إنشاء محكمة خاصة لليمن في لاهاي لمحاكمة قوات التحالف العربي على جرائم الحرب التي ارتكبتها قواتها بقيادة السعودية والإمارات، والتي يجب أن تدفع الثمن. يُفترض أن تجبر المحكمة الدولية القوى التي تعرقل السلام في اليمن، محلية كانت أم إقليمية، على اختيار السياسة والدبلوماسية في المفاوضات. هذه المحكمة الدولية هي من المتطلبات الأساسية والأكثر إلحاحًا لنجاح عملية السلام.
عندما بدأت حرب عام 2015، توقع حكام الرياض أن تنتصر القوات السعودية الإماراتية بسرعة بفضل تفوقها العسكري والدعم اللوجستي الغربي الأمريكي الإسرائيلي، والعمل على تثبيت حكومة دمية في صنعاء (بقيادة عبد ربه منصور هادي) تحت شعارات وذرائع مختلفة، ابتداءً من استعادة الشرعية، ثم محاربة الإرهاب، ومحاربة الإسلام السياسي، ومحاربة النفوذ الإيراني.
من الواضح أنهم أخطأوا في التقدير. فشل التحالف الخليجي في محاولته السيطرة على العاصمة صنعاء، كما يقول المثل، حبل الكذب قصير: في يناير 2017، كشفت عملية الرمح الذهبي نوايا وخداع السعودية والإمارات وعدم شرعية تدخلهما العسكري في اليمن. ونذكر هنا ما قاله الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي الأسبق في مؤتمر صحفي عقده عام 2013 مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري: "أنا أعتبر سوريا أرضًا محتلة". لأن إيران أرسلت قوات عسكرية للقتال إلى جانب قوات الرئيس السوري المحاصر بشار الأسد. يواصل الأمير سعود الفيصل قوله.. كيف يمكن لدولة مجاورة أن تدخل في حرب أهلية وتساعد جانبًا دون الآخر؟
تدخل إيران في سوريا مشروع وبطلب من رئيس على رأس السلطة ويسيطر على العاصمة وتخضع له عدة مناطق سورية. على عكس الرئيس هادي، ليس لديه سيطرة على العاصمة وسيطرته على الأراضي اليمنية شبه معدومة، وهو رئيس هارب. لذلك هناك عدة تساؤلات حول التدخل العسكري في اليمن، تؤكد عدم شرعية الحرب وتواطؤ المجتمع الدولي مع العدوان.
بعد عملية الرمح الذهبي 2017، أصبح هدف التحالف السعودي الإماراتي واضحًا: تمزيق اليمن واحتلاله. ونتيجة لذلك، بعد الاحتلال السعودي الإماراتي لليمن تغيرت خريطة الصراع من ثنائية (التحالف–الحوثي) إلى رباعية: الحكومة شرعية (سعودية)، حكومة المجلس الإنتقالي (إماراتية)، أنصار الله سلطة أمر الواقع والحكومة معترف بها دوليًا (هي هيئة فضفاضة مهمتها تشكيل غطاء دولي لـ " العدوان الإماراتي السعودي"). عملية الرمح الذهبي خلقت واقعًا سياسيًا وأمنياً متوترأ في العاصمة المؤقتة عدن، وازداد الوضع سوءا بعد التأكد من فشل السيناريو السعودي في هزيمة أنصار الله واستحالة عودة الحكومة العميلة برئاسة هادي إلى صنعاء. بالتالي ركز التحالف العربي (السعودية والإمارات) جهوده لفرض هيمنته على محافظات اليمن الشرقية والجنوبية.
بعد عملية الرمح الذهبي 2017، حرصت الإمارات على إعطاء الأولوية لأجندتها الخاصة على أجندة حليفتها السعودية، لذا سيطرت على الموانئ اليمنية الجنوبية وشكلت قواتها الأمنية الخاصة التي لا تخضع للحكومة الشرعية ورعت القوات الانفصالية الجنوبية لتأمين سيطرتها على جنوب اليمن. وتركت الشمال في صراعاته المزمنة مع السعودية. لم تكن مساهمات الإمارات خلال الحرب تهدف إلى دعم واستعادة السلطة الشرعية أو محاربة إيران. كان هدفها هو الوصول إلى المحيط الهندي عبر ميناء عدن، والذي يعتبره كبار السياسيين الإماراتيين امتدادًا طبيعيًا لميناء دبي.
إن هيمنة الإمارات على الموانئ اليمنية الجنوبية تمنحهم إمكانية فرض هيمنتهم في البحر الأحمر وبحر العرب وخليج عدن، إلى حد تقييد وإضعاف الدور الملاحي لسلطنة عمان في هذه المناطق، التي هي بالنسبة للسلطنة احد الركائز الحساسة للغاية لأمنها البحري والاقتصادي والعسكري. بالإضافة إلى مضاعفة تأثير اختراق الإمارة لجغرافيا عمان على بحر عمان، والآن إذا فتحت الإمارات جبهة المهرة، فإنها ستضعف نفوذ السلطنة في المهرة وظفار وسقطرى، وبالتالي هذا سيفرض حتما منافسة شديدة وعدائية بينهم. وبالفعل في عام 2011 كانت هناك مشاكل بين مسقط وأبو ظبي مع شبكة التجسس وانتهت الأزمة بينهما بوساطة كويتية، ولا ننسى بقايا الربيع العربي.
سعت الإمارات عبر ذراعها (المجلس الانتقالي)، إلى تشكيل ميليشيات مسلحة على غرار قوات النخبة (حضرموت وشبوة) من عناصر جندها المجلس الانتقالي من خارج محافظة المهرة، بالتعاون مع عناصر قبلية من أهالي محافظة سقطرى والمهرة مثل عبد الله عيسى بن عفرار. لم تكن الإمارات راضية عن ذلك، بل وقعت اتفاقيات مهمة مع حكومة معين، حصلت من خلالها على حق الاستحواذ على الحقول النفطية والموانئ الاستراتيجية بشرق اليمن، لترسيخ وجودها في الموانئ والمدن المهمة في الجغرافيا السياسية في المحافظات الشرقية. ساعد الإمارات على الانتشار الواسع والسريع في جنوب اليمن هو نجاح الإعلام الإماراتي في تأجيج واستغلال السخط الشعبي الواسع في الجنوب على حزب الإصلاح الذي يُنظر إليه على أنه الخصم الأيديولوجي للتيارات الليبرالية المنتشرة في الجنوب والشمال (الخلايا النائمة). ولعب حزب الإصلاح دورًا مهمًا في الأحداث المأساوية التي وقعت في الجنوب عام 1994 بالتعاون مع الرئيس هادي المدعوم من السعودية. لقد استفادت الإمارات من أخطاء الحزب وعملت على شيطنة قادة حزب الإصلاح وحلفائهم الذين يعارضون بشدة السياسة الإماراتية التوسعية.
وشعرت السعودية بالخطر متأخرا، خاصة عندما أعادت الإمارات هيكلة هياكلها السياسية والعسكرية في المحافظات الجنوبية والشرقية، وضغطت عليها لاتخاذ خطوات عدائية علنية بهدف الإطاحة بالحكومة اليمنية الشرعية الموالية للسعودية. ومن هنا أدركت السعودية أن ذراعها (حكومة عبد ربه منصور هادي) ضعيفة ومفلسة وفاسدة، وغير قادرة على وقف الإمارات من سحب البساط اليمني من تحت قدميه. خاصة بعد توسع النشاط الإماراتي وخلق صراع آخر بين القوى الاجتماعية والقبلية في محافظة المهرة، وكذلك في أرخبيل سقطرى، الأمر الذي لم يرعب السعودية فحسب، بل أرعب سلطنة عمان أيضًا، ودفعها لتفعيل دبلوماسيتها لجلب الحوثيين والسعوديين إلى طاولة المفاوضات.
صعدت السعودية مقاومتها ضد حليفها الإمارات، وبدأت بنقل السلطة من الرئيس عبد ربه منصور هادي عام 2022 إلى المجلس الرئاسي بقيادة الدكتور رشاد العليمي. وأنشأت قوة عسكرية موازية، بديلة لـ (قوات الحماية الرئاسية، والقوات العملاقة، والحرس الجمهوري) تسمى "قوات الدرع الوطني"، وانتشرت تلك القوة في شرق وجنوب اليمن. ويتزامن هذا النشاط السعودي مع تفعيل الدبلوماسية العمانية لتقريب وجهات النظر السعودية والحوثية والعمل على الحد من النشاط الأمني الإماراتي. كما يتزامن ذلك ايضاً مع نشاط سياسي سعودي يهدف إلى إيجاد اتفاق يضمن تنصيب البركاني على رأس قيادة مؤتمر الشعب العام الذي سيعقد مؤتمره في الرياض خلفا لنجل صالح المقيم في أبو ظبي.
عمليا، تحاول السعودية على الأرض عرقلة مساعي أبو ظبي لتشكيل قوة جديدة في المهرة، خشية أن تشكل هذه القوة بوابة للاستيلاء على مناطق حضرموت والمهرة، التي تعتبرها السعودية ضمن مجال نفوذها. لم يتوقف التصعيد السعودي ضد الإمارات عند منع تشكيل قوة إماراتية جديدة في المهرة، بل امتد إلى التهديد بإلغاء الاتفاقات التي أبرمتها الإمارات مع حكومة معين، والتي تسمح من خلالها بالاستحواذ على حقول النفط والموانئ الاستراتيجية بشرق اليمن.
تتماشى المخاوف السعودية مع مخاوف سلطنة عمان التي تركز على التهديدات الأمنية، مثل انتشار الحروب والقتال، فضلا عن التهديدات الفكرية. يخشى المسؤولون العمانيون أن يؤدي عدم الاستقرار في اليمن (خاصة في حضرموت والمهرة) إلى انتشار التوترات والحروب وتضارب الأفكار إلى المناطق المجاورة في السلطنة. لهذا تحاول السلطنة منع قيام تشكيلات مسلحة سعودية أو إماراتية غير خاضعة للسلطة الشرعية في محافظة المهرة الواقعة على حدود السلطنة بعد أن تمكنت الإمارات من إنشاء تشكيلات أمنية مسلحة في المحافظات، عدن ولحج والضالع وأبين وشبوة وجزيرة سقطرى وبموافقة سعودية. ومنذ ذلك الحين، تجذرت وتنامت مخاوف السلطنة من الوجود السعودي الإماراتي في حضرموت والمهرة، لا سيما الخوف من تورط السعودية والإمارات في منافسة عقيمة في محافظة المهرة على الحدود مع عُمان.
منذ البداية، لم تكن الإمارات ملتزمة بتحقيق أهداف التحالف العربي بقيادة السعودية وفق قرار مجلس الأمن رقم 2216 لسنة 2015. سبق ان قدم الرئيس هادي، شكاوى إلى السعودية، شريك الإمارات والداعم الرئيسي للحكومة الشرعية. ومع ذلك، لا يبدو أن مناشدات هادي قد حققت الكثير من التقدم مع الرياض، وهذا يثير تساؤلات جدية حول معرفة الرياض وحتى الصمت حول طموح الإمارات.
ولا يبدو أن السعودية قلقة من التنافس الإماراتي على المصالح السعودية في خليج عدن. في الواقع، إذا انفصل جنوب اليمن عن الشمال، فستكون الإمارات مهيمنة الوحيدة هناك. إن مكاسب الإمارات في اليمن يمكن أن تعرض المملكة وسلطنة عمان بشكل مباشر لتداعيات استراتيجية غير مرغوب فيها وغير مبررة تهدد الأمن القومي السعودي وسلطنة عمان والخليج ككل.