نقاط في ازمة العراق
محمد عبد الجبار الشبوط
2022-12-29 04:33
يمر العراق-الدولة بأزمة تكاد تكون خانقة. واعني بالأزمة تلك المنظومة المترابطة من المشكلات التي لا يملك القائمون على امر الدولة اليات حلها. يهدف هذا المقال الى تسليط الضوء على بعض مظاهر واسباب هذه الازمة، ومنها:
اولا، التدخلات الخارجية بالشأن العراقي وامتداداتها المحلية. ليس سرا ان العراق، بعد ان دخل منطقة التخلخل في الضغط الجوي السياسي، اصبح ساحة للصراعات والتنافس وتصفية الحسابات بين قوى اقليمية ودولية ذات مصالح متناقضة، وان هذه القوى تدير صراعاتها من خلال ادوات محلية تتحرك وفق هذه المصالح الخارجية.
ثانيا، الارهاب. اعاقت العمليات الارهابية التي قامت بها التنظيمات الاسلامية السلفية وبقايا حزب البعث والتي انطلقت منذ اللحظات الاولى لسقوط النظام الدكتاتوري، وبعضها تم تحت عنوان مقاومة الاحتلال والبعض الاخر ضد حكم الروافض، اية محاولة جادة لبناء دولة حضارية حديثة. وليس سرا ان العمليات الارهابية استنزفت الكثير من المال والجهد والوقت والارواح مما كان يمكن ان يستثمر في بناء الدولة الحضارية الحديثة.
ثالثا، عدم امتلاك الماسكين بأزمة الدولة التنفيذية والتشريعية لنظرية او رؤية متفق عليها للدولة الحضارية الحديثة وكيفية بنائها وادارتها بعد سقوط النظام الدكتاتوري.
ببساطة وبدون الغاز اقول انه لا الولايات المتحدة ولا الاحزاب التي تولت السلطة بعد سقوط صدام الى اليوم تملك مثل هذه الرؤية، ودليل ذلك عدم وجود وثائق مكتوبة لأثبات وجودها، التخبط في الاجراءات والقرارات، الواقع الملموس الذي وصل اليه العراق.
هذا لا ينفي وجود اصوات مهمة كانت تطرح تصورات متقدمة لبناء الدولة على اسس حضارية حديثة، وفي مقدمتها الامام السيستاني، وعدد من الكتاب المختصين. لكن هذه التصورات لم تحظ بالفرصة الكافية للتطبيق والتحقق.
كما انه لا يُنكر انه تم انجاز بعض الخطوات المهمة في الطريق الى الدولة منها كتابة الدستور، والانتخابات الدورية، وحرية تشكيل الاحزاب، وحرية الاعلام، وغير ذلك. لكن التقييم الاجمالي لهذه الخطوات لم يؤدِ الى احراز رضا الجمهور عن النظام السياسي الجديد او وضع العراق على سكة الدولة الحضارية الحديثة.
رابعا، عدم التمييز بين الدولة والحكومة، وبين الحكومة والمعارضة، وبين السياسة والادارة، وبين الفرع التنفيذي والفرع التشريعي للدولة. وقد ادى هذا الخلط بين هذه الثنائيات الى سلسلة من الارتباكات والتخبط في اداء الدولة ومستوى قدرتها على الانجاز.
خامسا، التنافس الشخصي والتنافر بين اشخاص الخط الاول في ادارة الدولة. ليس سرا ان رجال الخط الاول في الدولة لا تجمع بينهم علاقات حضارية وديمقراطية. وفي احيان كثيرة يدور التنافس بينهم حول المناصب والامتيازات والمكاسب الشخصية وليس حول الخدمة العامة ومصلحة الناس وبناء الدولة بناء حضاريا حديثا.
سادسا، عدم التخلص من الارث التشريعي والقانوني والاداري لنظام صدام واستبداله بمنظومة حضارية حديثة في التقنين والتشريع والادارة بالسرعة المطلوبة. كان الامر يتطلب ان يقوم البرلمان الاول بهذه المهمة لان مجموعة تشريعات وقوانين مرحلة صدام كانت مصممة لدولة من نمط يفترض انه سقط وجرى استبداله بنمط اخر وصفه الدستور بانه دولة ديمقراطية برلمانية.
سابعا، الفساد في مختلف المجالات. ليس سرا ان الفساد المالي والاداري استشرى في مفاصل الدولة بشكل غير مسبوق نهائيا، وشمل هذا الفساد تعيين اشخاص في مناصب غير مؤهلين لها، واستغلال المناصب الحكومية للمصالح الشخصية، والاثراء غير المشروع، وسرقة المال العام، والتخادم بين الفاسدين والسراق، وغير ذلك.
ثامنا، ضمور مفهوم المواطنة لصالح مفهوم المكونات. لاسباب كثيرة، بعضها تاريخية، اتجه الفرد العراقي الى المكون الطائفي او القومي او الديني الذي ينتمي اليه على حساب الانتماء الى الوطن. وغابت بذلك "الوطنية" لصالح الطائفية والقومية والعشائرية والمناطقية والحزبية والعائلية. وبذلك تعطل الاساس الاول لبناء الدولة الحضارية الحديثة. ومعه حصل ضمور الشعور بالانتماء للدولة، اي العراق كله. ومع غياب هذا الشعور تآكلت المفردات الاخرى المتعلقة بالدولة مثل احترام قوانين الدولة وممتلكاتها والالتزام بالالتزامات المالية للمواطن ازاء الدولة مثل الضرائب واجور الكهرباء وغير ذلك.