سؤال الحرب وسؤال المحاصصة

نوزاد حسن

2022-10-12 05:28

قبل سقوط النظام السابق كنت اسأل نفسي دائما هذا السؤال: لماذا يفضل صدام حسين خوض حروب مختلفة في زمن تبدو فكرة الحرب فيه غبية؟ كان هذا السؤال يطرح ايضا حين كنت التقي مع بعض الاصدقاء المصابين بعقدة طرح اسئلة لا اجوبة لها. نكرر السؤال وبنفس الرغبة الحارقة للعثور على جواب له: لماذا حارب صدام اعواما طويلة؟ كنا نتساءل هل هو سياسي سريالي يتلاعب بالمكان والجغرافيا والارض كما يحلو له، ليت صدام حسين كان رساما سرياليا لأنقذنا من جحيم الحروب الطويل.

ربما اكون وجدت اجوبة تفسر لغز الاسئلة المطروحة لكن يظل الاساس بالخسارة وهروب سنوات العمر بلا جدوى من اقوى عوامل الشعور باننا عشنا في زمن خطأ وبلا قيمة. اليوم نحن نطرح اسئلة غامضة ايضا. اذ اننا بعد اكثر من ثمانية عشر عاما نتحدث عن هذا العداء والمنافسة وتقسيم الغنائم بين الاحزاب والقوى التي عملت في المعارضة.

لم تعد الحرب والبحث عن تفسير لها صفة من صفات تفكيرنا كرعايا في دولة خانقة كالفرن هي دولة النظام السابق. اننا اليوم نواجه حالة اكثر غرابة جدا مما كنا نعيشه في ايام صدام. الجحيم السابق كان موصدا بوجه الجميع, ولحظة الحرب هي اكثر اللحظات درامية فيه. وهناك على الحدود كانت الحرب تدور.

اليوم اختلفت الامور فالحرب هنا في الداخل تشتعل بعدة اقل من حرب دولتين مع بعضهما. حرب الثمانية عشر عاما مغايرة وصبغتها واضحة هي: تقاسم المغانم, والمحافظة على الوضع كما هو عليه. ولا يمكن لاحد ان يغير المعادلة. ان الفساد هو احد اكثر القوانين قوة في هذا الوقت. انه لا يقل عن قانون الجاذبية, او اي قانون علمي آخر. ثم يبرز السؤال المؤلم جدا لنا كبشر وظيفتهم طرح الاسئلة: لماذا يتخاصمون متناسين واقع البلد المزري؟ لماذا لا يتفقون على سياسة تنقذ الجميع؟ لماذا لا يعيدون بناء مؤسسات الدولة؟ لماذا لا يعطون الاهمية لإصحاب الكفاءة وابعاد المتطفلين حتى اذا كانوا اعضاء في هذا الحزب او ذاك؟ لماذا لماذا لماذا؟؟؟

في المسلسل المصري عباس الابيض يقول اللص للبطل يحيى الفخراني وكان اللص قد سرق بعض المال: اتركني لضميري, ولا تبلغ عني الشرطة, فيجيبه يحيى الفخراني: لو تركتك لضميرك فسوف تشفط البلد.

يبدو ان لسان حال اللصوص هو واحد. هم يريدون فقط ان يتركوا لضمائرهم. والحكومات التي تقوم بعملية ترك اللص لضميره ستحكم على شعوبها بالموت, فيما تبقى هي تتنعم برفاهية لا توصف.

القضية تشبه صفقة سياسية معروفة. تسرق اموال الشعب دون ان يحاسب احد السارقين. وتمضي السنوات وقطار اللصوص يدور في البلد محملا بالأموال الحرام. فلا ضمير اللص صحا, ولا السياسي الذي يعرف تفاصيل السرقات يصاب بالكـآبة.

كل شيء طبيعي, ويسير على ما يرام. ولا شيء يمكنه هز شعرة من جسد هذه الحكومات بكل اخفاقاتها، ولعل تجربة تشرين خير دليل على ما اقول اذ لم يكن ذلك الاحتجاج الملحمي الوطني سوى صورة دامية بحثا عن تغيير في العملية السياسية التي تكرر كل عام الاخطاء نفسها.

ترك اللص لضميره, فما ترك السرقة, وبقينا نتساءل الا يشبع ذلك السارق ابدا. ونستغرب كيف يمكن للإنسان ان يسطو على اموال بلده دون ان يكتفي من سرقة كل ما يمكن ان تصل اليه يداه. هذا الامر يجعل العراقيين في حالة كآبة ذلك لان القضية تبدو غامضة لهم, وفوق حدود تصورهم. انهم لا يصدقون ما يجري. ولا يعتقدون ان ضمير اللص سيصحو في يوم من الايام. وهم يتمنون ان يقع جميع الفاسدين في قبضة العدالة.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا